الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون

                                                                                                                                                                                                                                      أم حسبتم أم منقطعة جيء بها للدلالة على الانتقال من التوبيخ السابق إلى آخر، وما فيها من همزة الاستفهام الإنكاري توبيخ لهم على الحسبان المذكور، أي: بل أحسبتم أن تتركوا على ما أنتم عليه ولا تؤمروا بالجهاد، ولا تبتلوا بما يمحصكم، والخطاب إما لمن شق عليهم القتال من المؤمنين أو للمنافقين ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم الواو حالية، ولما للنفي مع التوقع، والمراد من نفي العلم نفي المعلوم بالطريق البرهاني، إذ لو شم رائحة الوجود لعلم قطعا، فلما لم يعلم لزم عدمه قطعا، أي: أم حسبتم أن تتركوا والحال أنه لم يتبين الخلص من المجاهدين منكم من غيرهم، وما في (لما) من التوقع منبه على أن ذلك سيكون، وفائدة التعبير عما ذكر من عدم التبين بعدم علم الله تعالى أن المقصود هو التبين من حيث كونه متعلقا للعلم ومدارا للثواب وعدم التعرض لحال المقصرين - لما أن ذلك بمعزل من الاندراج تحت إرادة أكرم الأكرمين.

                                                                                                                                                                                                                                      ولم يتخذوا عطف على (جاهدوا) داخل في حيز [ ص: 50 ] الصلة، أو حال من فاعله، أي: جاهدوا حال كونهم غير متخذين من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة أي: بطانة وصاحب سر، وهو الذي تطلعه على ما في ضميرك من الأسرار الخفية، من الولوج وهو الدخول، و(من دون الله) متعلق بالاتخاذ إن أبقي على حاله، أو مفعول ثان له إن جعل بمعنى التسيير.

                                                                                                                                                                                                                                      والله خبير بما تعملون أي: بجميع أعمالكم، وقرئ على الغيبة، وهو تذييل يزيح ما يتوهم من ظاهر قوله تعالى: (ولما يعلم) ... إلخ، أو حال متداخلة من فاعله، أو من مفعوله، والمعنى: ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم، والحال أنه يعلم جميع أعمالكم لا يخفى عليه شيء منها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية