الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 306 ] - 22 - ترجمة القرآن :

يتوقف نجاح الدعوة إلى حد كبير على التقارب بين الداعية وأمته . فالداعية الذي ينبت من صميم البيئة يكون على دراية كاملة بمسالك الغواية ودروب الجهالة التي يغشاها قومه . يعرف نفوسهم والأبواب التي يطرقها منها حتى تتفتح لتعاليم دعوته ، وتهتدي بهداها ، والتخاطب بينهما بلسان واحد رمز للتجانس الاجتماعي في جميع صوره ، وفي هذا يقول الله تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم .

وقد نزل القرآن الكريم على الرسول العربي بلسان عربي مبين ، فكانت هذه الظاهرة ضرورة اجتماعية لنجاح رسالة الإسلام ، ومنذ ذلك الحين أصبحت اللغة العربية جزءا من كيان الإسلام ، وأساسا للتخاطب في إبلاغ دعوته . وكانت بعثة رسولنا -صلى الله عليه وسلم- إلى الإنسانية كلها . وأعلن ذلك القرآن في غير موضع : قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا . وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا .

ونشأت نواة الدولة الإسلامية في جزيرة العرب ، ولا شك أن اللغة تحيا بحياة أمتها وتموت بموتها ، فكانت نشأة الدولة الإسلامية على هذا النحو حياة للغة العرب ، فالقرآن وحي الإسلام ، والإسلام دين الله المفروض ، ولن يتأتى معرفة أصوله وأسسه إلا إذا فهم القرآن بلغته ، فأخذت موجة الفتح الإسلامي تمتد إلى الألسنة الأخرى الأعجمية ، فتعربها بالإسلام ، وصار لزاما على كل من يدخل في حوزة هذا الدين الجديد أن يستجيب له في لغة كتابه باطنا وظاهرا ، حتى يستطيع القيام [ ص: 307 ] بواجباته ، ولم يكن هناك حاجة إلى ترجمة القرآن له ما دام القرآن قد ترجم لسانه وعربه إيمانا وتسليما .

معنى الترجمة

والترجمة تطلق على معنيين :

أولهما : الترجمة الحرفية : وهي نقل ألفاظ من لغة إلى نظائرها من اللغة الأخرى بحيث يكون النظم موافقا للنظم ، والترتيب موافقا للترتيب .

ثانيهما : الترجمة التفسيرية أو المعنوية : وهي بيان معنى الكلام بلغة أخرى من غير تقييد بترتيب كلمات الأصل أو مراعاة لنظمه .

والذين على بصر باللغات يعرفون أن الترجمة الحرفية بالمعنى المذكور لا يمكن حصولها مع المحافظة على سياق الأصل والإحاطة بجميع معناه . فإن خواص كل لغة تختلف عن الأخرى في ترتيب أجزاء الجملة . فالجملة الفعلية في اللغة العربية تبدأ بالفعل فالفاعل في الاستفهام وغيره ، والمضاف مقدم على المضاف إليه ، والموصوف مقدم على الصفة ، إلا إذا أريد الإضافة على وجه التشبيه مثلا : كـ " لجين الماء " ، أو كان الكلام من إضافة الصفة إلى معمولها : كـ " عظيم الأمل " وليس الشأن كذلك في سائر اللغات .

والتعبير العربي يحمل في طياته من أسرار اللغة ما لا يمكن أن يحل محله تعبير آخر بلغة أخرى ، فإن الألفاظ في الترجمة لا تكون متساوية المعنى من كل وجه فضلا عن التراكيب .

والقرآن الكريم في قمة العربية فصاحة وبلاغة ، وله من خواص التراكيب وأسرار الأساليب ولطائف المعاني ، وسائر آيات إعجازه ما لا يستقل بأدائه لسان .

"

التالي السابق


الخدمات العلمية