[ ص: 87 ] nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28981_31756_30377إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون استئناف ابتدائي للاستدلال على تفرد الله - تعالى - بالإلهية . وإنما أوقع هنا لأن أقوى شيء بعث المشركين على ادعاء أن ما جاء به النبيء سحر هو أنه أبطل الشركاء لله في الإلهية ونفاها عن آلهتهم التي أشركوا بها فقالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب فلا جرم أن أعقب إنكار إحالتهم ذلك بإقامة الدليل على ثبوته .
والخطاب للمشركين ، ولذلك أكد الخبر بحرف التوكيد ، وأوقع عقبه ( أفلا تذكرون ) ، فهو التفات من الغيبة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أكان للناس عجبا وقوله : قال الكافرون . وقد مضى القول في نظير صدر هذه الآية في سورة الأعراف إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ثم استوى على العرش
وقوله : ( الله ) خبر ( إن ) ، كما دل عليه قوله بعده
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ذلكم الله ربكم فاعبدوه
وجملة يدبر الأمر في موضع الحال من اسم الجلالة ، أو خبر ثان عن ( ربكم )
والتدبير : النظر في عواقب المقدرات وعوائقها لقصد إيقاعها تامة فيما تقصد له محمودة العاقبة .
والغاية من التدبير الإيجاد والعمل على وفق ما دبر . وتدبير الله الأمور عبارة عن تمام العلم بما يخلقها عليه ; لأن لفظ التدبير هو أوفى الألفاظ اللغوية بتقريب إتقان الخلق .
والأمر : جنس يعم جميع الشئون والأحوال في العالم . وتقدم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=48وقلبوا لك الأمور في سورة ( براءة ) .
وفي إجراء هذه الصفات على الله - تعالى - تعريض بالرد على المشركين إذ جعلوا لأنفسهم آلهة لا تخلق ولا تعلم ; كما قال - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20لا يخلقون شيئا وهم يخلقون [ ص: 88 ] ولذلك حسن وقع جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ما من شفيع إلا من بعد إذنه عقب جملة ( الذي خلق ) بتمامها ; لأن المشركين جعلوا آلهتهم شفعاء فإذا أنذروا بغضب الله يقولون
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، أي حماتنا من غضبه . فبعد أن وصف الإله الحق بما هو منتف عن آلهتهم نفي عن آلهتهم وصف الشفاعة عند الله وحماية المغضوب عليهم منه .
وأكد النفي بـ ( من ) التي تقع بعد حرف النفي لتأكيد النفي وانتفاء الوصف عن جميع أفراد الجنس الذي دخلت من على اسمه بحيث لم تبق لآلهتهم خصوصية .
وزيادة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3إلا من بعد إذنه احتراس لإثبات شفاعة
محمد - صلى الله عليه وسلم - بإذن الله ، قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=28ولا يشفعون إلا لمن ارتضى . والمقصود من ذلك نفي الشفاعة لآلهتهم من حيث إنهم شركاء لله في الإلهية ، فشفاعتهم عنده نافذة كشفاعة الند عند نده . والشفاعة تقدمت عند قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48ولا يقبل منها شفاعة في سورة البقرة . وكذلك الشفيع تقدم عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53فهل لنا من شفعاء في سورة الأعراف .
وموقع جملة ( ما من شفيع ) مثل موقع جملة يدبر الأمر
وجملة ذلكم الله ربكم ابتدائية فذلكة للجمل التي قبلها ونتيجة لها ، وهي معترضة بين تلك الجمل وبين الجملة المفرعة عليها ، وهي جملة ( فاعبدوه ) ، وتأكيد لمضمون الجملة الأصلية وهي جملة ( إن ربكم الله )
والإتيان في صدرها باسم الإشارة لتمييزه أكمل تمييز ; لأنهم امتروا في صفة الإلهية وضلوا فيها ضلالا مبينا ، فكانوا أحرياء بالإيقاظ بطريق اسم الإشارة ، وللتنبيه على أن المشار إليه حقيق بما سيذكر بعد اسم الإشارة من حيث إنه اتصف بتلك الأوصاف التي أشير إليه من أجلها ، فإن خالق العوالم بغاية الإتقان والمقدرة ومالك أمرها ومدبر شئونها والمتصرف المطلق مستحق
[ ص: 89 ] للعبادة نظير الإشارة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أولئك على هدى من ربهم بعد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2للمتقين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الذين يؤمنون بالغيب إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4هم يوقنون )
وفرع على كونه ربهم أن أمروا بعبادته ، والمفرع هو المقصود من الجملة وما قبله مؤكد لجملة ( إن ربكم الله ) تأكيدا بفذلكة وتحصيل . والتقدير : إن ربكم الله إلى قوله : فاعبدوه ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) إذ وقع قوله : ( فبذلك ) تأكيدا لجملة ( بفضل الله وبرحمته ) . وأوقع بعده الفرع وهو ( فليفرحوا ) . والتقدير : قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا بذلك .
والمقصود من العبادة العبادة الحق التي لا يشرك معه فيها غيره ، بقرينة تفريع الأمر بها على الصفات المنفرد بها الله دون معبوداتهم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3أفلا تذكرون ابتدائية للتقريع . وهو غرض جديد ، فلذلك لم تعطف ، فالاستفهام إنكار لانتفاء تذكرهم إذ أشركوا معه غيره ولم يتذكروا في أنه المنفرد بخلق العوالم وبملكها وبتدبير أحوالها .
والتذكر : التأمل . وهو بهذه الصيغة لا يطلق إلا على ذكر العقل لمعقولاته ، أي حركته في معلوماته ، فهو قريب من التفكر ; إلا أن التذكر لما كان مشتقا من مادة الذكر التي هي في الأصل جريان اللفظ على اللسان ، والتي يعبر بها أيضا عن خطور المعلوم في الذهن بعد سهوه وغيبته عنه كان مشعرا بأنه حركة الذهن في معلومات متقررة فيه من قبل .
فلذلك أوثر هنا دون لعلكم تتفكرون للإشارة إلى أن الاستدلال على وحدانية الله - تعالى - قد تقرر في النفوس بالفطرة ، وبما تقدم لهم من الدعوة والأدلة فيكفي في الاستدلال مجرد إخطار هذه الأدلة في البال .
[ ص: 87 ] nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28981_31756_30377إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَّكَّرُونَ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى تَفَرُّدِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِالْإِلَهِيَّةِ . وَإِنَّمَا أُوقِعَ هُنَا لِأَنَّ أَقْوَى شَيْءٍ بَعَثَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى ادِّعَاءِ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيءُ سِحْرٌ هُوَ أَنَّهُ أَبْطَلَ الشُّرَكَاءَ لِلَّهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَنَفَاهَا عَنْ آلِهَتِهِمُ الَّتِي أَشْرَكُوا بِهَا فَقَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ فَلَا جَرَمَ أَنْ أُعْقِبَ إِنْكَارُ إِحَالَتِهِمْ ذَلِكَ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِهِ .
وَالْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ ، وَلِذَلِكَ أُكِّدَ الْخَبَرُ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ ، وَأُوقِعَ عَقِبَهُ ( أَفَلَا تَذَّكَّرُونَ ) ، فَهُوَ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا وَقَوْلِهِ : قَالَ الْكَافِرُونَ . وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي نَظِيرِ صَدْرِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ
وَقَوْلُهُ : ( اللَّهُ ) خَبَرُ ( إِنَّ ) ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ
وَجُمْلَةُ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ ، أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ ( رَبِّكُمْ )
وَالتَّدْبِيرُ : النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْمُقَدَّرَاتِ وَعَوَائِقِهَا لِقَصْدِ إِيقَاعِهَا تَامَّةً فِيمَا تُقْصَدُ لَهُ مَحْمُودَةَ الْعَاقِبَةِ .
وَالْغَايَةُ مِنَ التَّدْبِيرِ الْإِيجَادُ وَالْعَمَلُ عَلَى وَفْقِ مَا دُبِّرَ . وَتَدْبِيرُ اللَّهِ الْأُمُورَ عِبَارَةٌ عَنْ تَمَامِ الْعِلْمِ بِمَا يَخْلُقُهَا عَلَيْهِ ; لِأَنَّ لَفْظَ التَّدْبِيرِ هُوَ أَوْفَى الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ بِتَقْرِيبِ إِتْقَانِ الْخَلْقِ .
وَالْأَمْرُ : جِنْسٌ يَعُمُّ جَمِيعَ الشُّئُونِ وَالْأَحْوَالِ فِي الْعَالَمِ . وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=48وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ فِي سُورَةِ ( بَرَاءَةٌ ) .
وَفِي إِجْرَاءِ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - تَعْرِيضٌ بِالرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ جَعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ آلِهَةً لَا تَخْلُقُ وَلَا تَعْلَمُ ; كَمَا قَالَ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [ ص: 88 ] وَلِذَلِكَ حَسُنَ وَقْعُ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ عَقِبَ جُمْلَةِ ( الَّذِي خَلَقَ ) بِتَمَامِهَا ; لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ جَعَلُوا آلِهَتَهُمْ شُفَعَاءَ فَإِذَا أُنْذِرُوا بِغَضَبِ اللَّهِ يَقُولُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ، أَيْ حُمَاتُنَا مِنْ غَضَبِهِ . فَبَعْدَ أَنْ وُصِفَ الْإِلَهُ الْحَقُّ بِمَا هُوَ مُنْتَفٍ عَنْ آلِهَتِهِمْ نُفِيَ عَنْ آلِهَتِهِمْ وَصْفُ الشَّفَاعَةِ عِنْدَ اللَّهِ وَحِمَايَةِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ مِنْهُ .
وَأُكِّدَ النَّفْيُ بِـ ( مِنَ ) الَّتِي تَقَعُ بَعْدَ حَرْفِ النَّفْيِ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ وَانْتِفَاءِ الْوَصْفِ عَنْ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجِنْسِ الَّذِي دَخَلَتْ مِنْ عَلَى اسْمِهِ بِحَيْثُ لَمْ تَبْقَ لِآلِهَتِهِمْ خُصُوصِيَّةٌ .
وَزِيَادَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ احْتِرَاسٌ لِإِثْبَاتِ شَفَاعَةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِذْنِ اللَّهِ ، قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=28وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى . وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُ الشَّفَاعَةِ لِآلِهَتِهِمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ شُرَكَاءُ لِلَّهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ ، فَشَفَاعَتُهُمْ عِنْدَهُ نَافِذَةٌ كَشَفَاعَةِ النِّدِّ عِنْدَ نِدِّهِ . وَالشَّفَاعَةُ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَكَذَلِكَ الشَّفِيعُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ .
وَمَوْقِعُ جُمْلَةِ ( مَا مِنْ شَفِيعٍ ) مِثْلُ مَوْقِعِ جُمْلَةِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ
وَجُمْلَةُ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ ابْتِدَائِيَّةٌ فَذْلَكَةٌ لِلْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا وَنَتِيجَةٌ لَهَا ، وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ تِلْكَ الْجُمَلِ وَبَيْنَ الْجُمْلَةِ الْمُفَرَّعَةِ عَلَيْهَا ، وَهِيَ جُمْلَةُ ( فَاعْبُدُوهُ ) ، وَتَأْكِيدٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ جُمْلَةُ ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ )
وَالْإِتْيَانُ فِي صَدْرِهَا بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِتَمْيِيزِهِ أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ ; لِأَنَّهُمُ امْتَرَوْا فِي صِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَضَلُّوا فِيهَا ضَلَالًا مُبِينًا ، فَكَانُوا أَحْرِيَاءَ بِالْإِيقَاظِ بِطَرِيقِ اسْمِ الْإِشَارَةِ ، وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ حَقِيقٌ بِمَا سَيُذْكَرُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ اتَّصَفَ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ الَّتِي أُشِيرَ إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِهَا ، فَإِنَّ خَالِقَ الْعَوَالِمِ بِغَايَةِ الْإِتْقَانِ وَالْمَقْدِرَةِ وَمَالِكَ أَمْرِهَا وَمُدَبِّرَ شُئُونِهَا وَالْمُتَصَرِّفَ الْمُطْلَقَ مُسْتَحِقٌّ
[ ص: 89 ] لِلْعِبَادَةِ نَظِيرَ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2لِلْمُتَّقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4هُمْ يُوقِنُونَ )
وَفُرِّعَ عَلَى كَوْنِهِ رَبَّهُمْ أَنْ أُمِرُوا بِعِبَادَتِهِ ، وَالْمُفَرَّعُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْجُمْلَةِ وَمَا قَبْلَهُ مُؤَكِّدٌ لِجُمْلَةِ ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ ) تَأْكِيدًا بِفَذْلَكَةٍ وَتَحْصِيلٍ . وَالتَّقْدِيرُ : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ إِلَى قَوْلِهِ : فَاعْبُدُوهُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) إِذْ وَقَعَ قَوْلُهُ : ( فَبِذَلِكَ ) تَأْكِيدًا لِجُمْلَةِ ( بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ ) . وَأُوقِعُ بَعْدَهُ الْفَرْعُ وَهُوَ ( فَلْيَفْرَحُوا ) . وَالتَّقْدِيرُ : قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَلْيَفْرَحُوا بِذَلِكَ .
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْعِبَادَةِ الْعِبَادَةُ الْحَقُّ الَّتِي لَا يُشْرَكُ مَعَهُ فِيهَا غَيْرُهُ ، بِقَرِينَةِ تَفْرِيعِ الْأَمْرِ بِهَا عَلَى الصِّفَاتِ الْمُنْفَرِدِ بِهَا اللَّهُ دُونَ مَعْبُودَاتِهِمْ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3أَفَلَا تَذَّكَّرُونَ ابْتِدَائِيَّةٌ لِلتَّقْرِيعِ . وَهُوَ غَرَضٌ جَدِيدٌ ، فَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ ، فَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ لِانْتِفَاءِ تَذَكُّرِهِمْ إِذْ أَشْرَكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ وَلَمْ يَتَذَكَّرُوا فِي أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِخَلْقِ الْعَوَالِمِ وَبِمُلْكِهَا وَبِتَدْبِيرِ أَحْوَالِهَا .
وَالتَّذَكُّرُ : التَّأَمُّلُ . وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى ذِكْرِ الْعَقْلِ لِمَعْقُولَاتِهِ ، أَيْ حَرَكَتِهِ فِي مَعْلُومَاتِهِ ، فَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ التَّفَكُّرِ ; إِلَّا أَنَّ التَّذَكُّرَ لَمَّا كَانَ مُشْتَقًّا مِنْ مَادَّةِ الذِّكْرِ الَّتِي هِيَ فِي الْأَصْلِ جَرَيَانُ اللَّفْظِ عَلَى اللِّسَانِ ، وَالَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا أَيْضًا عَنْ خُطُورِ الْمَعْلُومِ فِي الذِّهْنِ بَعْدَ سَهْوِهِ وَغَيْبَتِهِ عَنْهُ كَانَ مُشْعِرًا بِأَنَّهُ حَرَكَةُ الذِّهْنِ فِي مَعْلُومَاتٍ مُتَقَرِّرَةٍ فِيهِ مِنْ قَبْلُ .
فَلِذَلِكَ أُوثِرَ هُنَا دُونَ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ - تَعَالَى - قَدْ تَقَرَّرَ فِي النُّفُوسِ بِالْفِطْرَةِ ، وَبِمَا تَقَدَّمَ لَهُمْ مِنَ الدَّعْوَةِ وَالْأَدِلَّةِ فَيَكْفِي فِي الِاسْتِدْلَالِ مُجَرَّدُ إِخْطَارِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ فِي الْبَالِ .