الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب البكران يجلدان وينفيان الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين قال ابن عيينة رأفة في إقامة الحد

                                                                                                                                                                                                        6443 حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز أخبرنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن زيد بن خالد الجهني قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن زنى ولم يحصن جلد مائة وتغريب عام قال ابن شهاب وأخبرني عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب غرب ثم لم تزل تلك السنة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب البكران يجلدان وينفيان ) هذه الترجمة لفظ خبر أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عن [ ص: 163 ] مسروق عن أبي بن كعب مثله وزاد : " والثيبان يجلدان ويرجمان " ، وأخرج ابن المنذر الزيادة بلفظ : " والثيبان يرجمان واللذان بلغا سنا يجلدان ثم يرجمان " .

                                                                                                                                                                                                        وأخرج عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن مسروق : " البكران يجلدان وينفيان ، والثيبان يرجمان ولا يجلدان ، والشيخان يجلدان ثم يرجمان " ورجاله رجال الصحيح ، وقد تقدمت الإشارة إلى هذه الزيادة في " باب رجم المحصن " ، ونقل محمد بن نصر في " كتاب الإجماع " الاتفاق على نفي الزاني إلا عن الكوفيين ، ووافق الجمهور منهم ابن أبي ليلى وأبو يوسف ، وادعى الطحاوي أنه منسوخ ، وسأذكره في " باب لا تغريب على الأمة ولا تنفى " .

                                                                                                                                                                                                        واختلف القائلون بالتغريب فقال الشافعي والثوري وداود والطبري بالتعميم ، وفي قول للشافعي : لا ينفى الرقيق ، وخص الأوزاعي النفي بالذكورية ، وبه قال مالك وقيده بالحرية ، وبه قال إسحاق ، وعن أحمد روايتان .

                                                                                                                                                                                                        واحتج من شرط الحرية بأن في نفي العبد عقوبة لمالكه لمنعه منفعته مدة نفيه ، وتصرف الشرع يقتضي أن لا يعاقب إلا الجاني ، ومن ثم سقط فرض الحج والجهاد عن العبد .

                                                                                                                                                                                                        وقال ابن المنذر : أقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة العسيف أنه يقضي فيه بكتاب الله ثم قال : إن عليه جلد مائة وتغريب عام ، وهو المبين لكتاب الله ، وخطب عمر بذلك على رءوس الناس ، وعمل به الخلفاء الراشدون فلم ينكره أحد فكان إجماعا ، واختلف في المسافة التي ينفى إليها : فقيل هو إلى رأي الإمام ، وقيل يشترط مسافة القصر ، وقيل إلى ثلاثة أيام ، وقيل إلى يومين ، وقيل يوم وليلة ، وقيل من عمل إلى عمل ، وقيل إلى ميل ، وقيل إلى ما ينطلق عليه اسم نفي .

                                                                                                                                                                                                        وشرط المالكية الحبس في المكان الذي ينفى إليه ، وسيأتي البحث فيه في باب " لا تغريب على الأمة ولا نفي " ومن عجيب الاستدلال احتجاج الطحاوي لسقوط النفي أصلا بأن نفي الأمة ساقط بقوله : " بيعوها " كما سيأتي تقريره قال : وإذا سقط عن الأمة سقط عن الحرة لأنها في معناها ، ويتأكد بحديث لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم قال : وإذا انتفى أن يكون على النساء نفي انتفى أن يكون على الرجال ، كذا قال وهو مبني على أن العموم إذا سقط خص الاستدلال به ، وهو مذهب ضعيف جدا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله الآية كذا لأبي ذر ، وساق في رواية كريمة إلى قوله : المؤمنين والمراد بذكر هذه الآية أن الجلد ثابت بكتاب الله ، وقام الإجماع ممن يعتد به على اختصاصه بالبكر وهو غير المحصن ، وقد تقدم بيان المحصن في " باب رجم المحصن " واختلفوا في كيفية الجلد ؛ فعن مالك : يختص بالظهر لقوله في حديث اللعان " البينة وإلا جلد في ظهرك " .

                                                                                                                                                                                                        وقال غيره : يفرق على الأعضاء ويتقى الوجه والرأس ، ويجلد في الزنا والشرب والتعزير قائما مجردا ، والمرأة قاعدة ، وفي القذف وعليه ثيابه .

                                                                                                                                                                                                        وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور : لا يجرد أحد في الحد ، وليس في الآية للنفي ذكر فتمسك به الحنفية فقالوا : لا يزاد على القرآن بخبر الواحد ، والجواب أنه مشهور لكثرة طرقه ومن عمل به من الصحابة ، وقد عملوا بمثله بل بدونه كنقض الوضوء بالقهقهة وجواز الوضوء بالنبيذ وغير ذلك مما ليس في القرآن .

                                                                                                                                                                                                        وقد أخرج مسلم من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا : " خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " ، وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس قال : كن يحبسن في البيوت إن ماتت ماتت وإن عاشت عاشت : لما نزل واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا حتى نزلت : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 164 ] قوله : ( قال ابن عيينة رأفة في إقامة الحد ) كذا للأكثر وسقط " في " لبعضهم ولبعضهم " ابن علية " بلام وتحتانية ثقيلة وعليه جرى ابن بطال والأول المعتمد ، وقد ذكر مغلطاي في شرحه أنه رآه في تفسير سفيان بن عيينة .

                                                                                                                                                                                                        قلت : ووقع نظيره عند ابن أبي شيبة عن مجاهد بسند صحيح إليه وزاد بعد قوله في إقامة الحد : " يقام ولا يعطل " والمراد بتعطيل الحد تركه أصلا أو نقصه عددا ومعنى ، وقوله تعالى : وليشهد عذابهما طائفة نقل ابن المنذر عن أحمد الاجتزاء بواحد ، وعن إسحاق اثنين ، وعن الزهري ثلاثة ، وعن مالك والشافعي أربعة ، وعن ربيعة ما زاد عليها ، وعن الحسن عشرة . ونقل ابن أبي شيبة بأسانيده عن مجاهد أدناها رجل ، وعن محمد بن كعب في قوله : إن نعف عن طائفة منكم قال : هو رجل واحد ، وعن عطاء اثنان ، وعن الزهري ثلاثة ، وسيأتي في أول خبر الواحد ما جاء في قوله : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عبد العزيز ) هو ابن أبي سلمة الماجشون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن زيد بن خالد ) هكذا اختصر عبد العزيز من السند ذكر أبي هريرة ومن المتن سياق قصة العسيف كلها واقتصر منها على قوله : " يأمر فيمن زنى ولم يحصن جلد مائة وتغريب عام " ، ويحتمل أن يكون ابن شهاب اختصره لما حدث به عبد العزيز ، وقوله : " جلد مائة " بالنصب على نزع الخافض .

                                                                                                                                                                                                        ووقع في رواية النسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن عبد العزيز بلفظ : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر فيمن زنى ولم يحصن بجلد مائة وتغريب عام " وقوله : " قال ابن شهاب " هو موصول بالسند المذكور .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن عمر بن الخطاب ) هو منقطع لأن عروة لم يسمع من عمر ، لكنه ثبت عن عمر من وجه آخر أخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن خزيمة والحاكم من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب وغرب ، وأن أبا بكر ضرب وغرب ، وأن عمر ضرب وغرب " أخرجوه من رواية عبد الله بن إدريس عنه ، وذكر الترمذي أن أكثر أصحاب عبيد الله بن عمر رووه عنه موقوفا على أبي بكر وعمر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( غرب ثم لم تزل تلك السنة ) زاد عبد الرزاق في روايته عن مالك : " حتى غرب مروان " ثم ترك الناس ذلك يعني أهل المدينة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية