الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله في هذه الآية الكريمة : أم هي المنقطعة ، وهي بمعنى بل والهمزة ، فقد اشتملت على معنى الإضراب والإنكار ، والمعنى : ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعز حتى لا ينالهم عذابنا . ثم بين أن آلهتهم التي يزعمون لا تستطيع نفع أنفسها ، فكيف تنفع غيرها بقوله : لا يستطيعون نصر أنفسهم [ 21 \ 43 ] وقوله : من دوننا فيه وجهان : أحدهما أنه متعلق آلهة أي : ألهم آلهة من دوننا أي : سوانا تمنعهم مما نريد أن نفعله بهم من العذاب كلا ليس الأمر كذلك . الوجه الثاني : أنه متعلق بـ تمنعهم لقول العرب : منعت دونه ، أي : كففت أذاه . والأظهر عندي الأول ، ونحوه كثير في القرآن كقوله : ومن يقل منهم إني إله من دونه الآية [ 21 \ 29 ] وقوله : واتخذوا من دونه آلهة الآية [ 25 \ 3 ] إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون الآلهة التي اتخذوها لا تستطيع نصر أنفسها ، فكيف تنفع غيرها - جاء مبينا في غير هذا الموضع كقوله تعالى : أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون [ 7 \ 191 - 195 ] وقوله تعالى : والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون [ 7 \ 197 ] وقوله تعالى : ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم الآية [ 35 \ 13 - 14 ] وقوله تعالى : ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة الآية [ 46 \ 5 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن تلك الآلهة المعبودة من دون الله ليس فيها نفع ألبتة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 156 ] وقوله في هذه الآية الكريمة : ولا هم منا يصحبون أي : يجارون ، أي : ليس لتلك الآلهة مجير يجيرهم منا ؛ لأن الله يجير ولا يجار عليه كما صرح بذلك في سورة قد أفلح المؤمنون [ 23 \ 88 ] في قوله : قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون [ 23 \ 88 ] والعرب تقول : أنا جار لك وصاحب من فلان ، أي : مجير لك منه . ومنه قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      ينادي بأعلى صوته متعوذا ليصحب منا والرماح دواني

                                                                                                                                                                                                                                      يعني : ليجار ويغاث منا . وأغلب أقوال العلماء في الآية راجعة إلى ما ذكرنا ، كقول بعضهم : يصحبون يمنعون ، وقول بعضهم : ينصرون ، وقول بعضهم : ولا هم منا يصحبون أي : لا يصحبهم الله بخير ، ولا يجعل الرحمة صاحبا لهم . والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية