الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وهناك نوع الجهاد بالمال، وقطع الفيافي والقفار، وما يكون فيه من جهد بالمال والنفس، وقد قال سبحانه فيه: ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون [ ص: 3481 ]

                                                          قد كان الجزاء على العمل الصالح، على المشقات التي تحملوها والجهود التي بذلوها من ظمأ قطع رقابهم وأمعاءهم، ومن جوع حرموا فيه من الزاد، ووطء أرض العدو وما فيه من إذلال كما قال علي: ما وطئت أرض قوم إلا ذلوا، ومن نيل نالوه منهم، أما في هذه الآية فالجزاء على النفقة: صغيرة كانت ولو بسوط أو علاقته، أو كبيرة كتجهيز عثمان جيش العسرة رضي الله عنه، وإن السير في الفيافي والقفار، ولو لم ينالوا ويطئوا أرض العدو هو ذاته له أجر وجزاء.

                                                          قوله تعالى: ولا يقطعون واديا الوادي: المنفرج بين الجبلين، ويراد به هنا الأرض، لأن قطع الوادي لا يكون إلا بقطع الجبلين اللذين تعرج بينهما، وقد قال الزمخشري: واديا ، أي: أرضا في ذهابهم ومجيئهم، والوادي كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذا للسيل، وهو في الأصل فاعل من ودى إذا سال، ومنه الودي، وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض، يقولون: لا تصل في وادي غيرك.

                                                          لا ينفقون ولا يقطعون أرضا إلا كتب لهم بذلك عمل صالح يستحقون عليه جزاء ما عملوا، ولذا قال تعالى: أحسن ما كانوا يعملون أي: كتب لهم ذلك ليعطيهم سبحانه وتعالى جزاء أحسن ما كانوا يعملون وعبر عن الجزاء بالعمل ذاته وقال: ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون لبيان المساواة التامة بين أحسن العمل والجزاء، وللإشارة إلى أن الجزاء ذاته مشتق من العمل فهو ثمرته، ولله تعالى الفضل والمنة.

                                                          وقبل أن نترك الكلام في معاني هاتين الآيتين اللتين فيهما تحريض على الجهاد ننبه إلى أمرين:

                                                          أولهما - أن قوله تعالى ولا ينالون من عدو نيلا أن النيل في أصل معناه بمعنى الأذى الذي ينزل بالعدو، ويقال نال منه بمعنى: نكبه بما يسوء ويلحق به ضررا. . [ ص: 3482 ]

                                                          الثاني - أن قطع الوادي والوصول إلى العدو، هو ذاته خير، لأنه قصد بقطع الوادي فعل أمر مثوب عليه، ومن يسعى في خير كان سعيه مشكورا، ولو لم يتم الفعل، ولقد قال تعالى: ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية