الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          لا يجوز إلا بشرطين ، أحدهما : دخول الوقت ، فلا يجوز لفرض قبل وقته ، ولا لنفل في وقت النهي عنه . الثاني : العجز عن استعمال الماء لعدمه أو لضرر لاستعماله من جرح ، أو برد شديد أو مرض يخشى زيادته أو تطاوله أو عطش يخافه على نفسه أو رقيقه أو بهيمته أو خشية على نفسه أو ماله في طلبه أو تعذره إلا بزيادة كثيرة على ثمن المثل أو ثمن يعجز عن أدائه ، فإن كان بعض بدنه جريحا تيمم له ، وغسل الباقي وإن وجد ماء يكفي بعض بدنه لزمه استعماله ، وتيمم للباقي إن كان جنبا وإن كان محدثا ، فهل يلزمه استعماله ؛ على وجهين . ومن عدم الماء لزمه طلبه في رحله وما قرب منه ، فإن دل عليه لزمه قصده وعنه : لا يجب الطلب . وإن نسي الماء بموضع يمكنه استعماله ، وتيمم لم يجزئه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( لا يجوز إلا بشرطين ، أحدهما : الوقت ، فلا يجوز لفرض قبل وقته ) في الصحيح من المذهب ، لأن القائم إلى الصلاة أمر بالوضوء; فإن لم يجده تيمم ، وهذا يقتضي أن لا يفعله إلا بعد قيامه إليها ، وإعوازه الماء ، والوضوء إنما جاز قبل الوقت لكونه رافعا للحدث ، بخلاف التيمم فإنه طهارة ضرورة ، فلم يجز قبل الوقت ، كطهارة المستحاضة ، وعنه : يجوز قبل الوقت ، قال القاضي : القياس أن التيمم بمنزلة الطهارة حتى يجد الماء أو يحدث ، فعلى هذا يجوز قبله كالماء ، ويشهد له عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : الصعيد الطيب طهور المسلم ، وإن لم يجد الماء عشر سنين ولأنه بدل فيتساوى بمبدله إلا ما خرج بدليل ، كالإطعام مع العتق في الكفارة ، واختاره الشيخ تقي الدين ، ولقد أبعد عبد العزيز في حكايته الإجماع على منع التيمم قبل الوقت ( ولا لنفل في وقت النهي عنه ) لأنه ليس بوقت لها ، فعلى ما ذكره وقت المكتوبة دخول وقتها ، والفائتة كل وقت ، وكذلك المنذورة على المذهب ، وصلاة الاستسقاء باجتماع الناس ، والصلاة على الميت بفراغ طهره ، لكن يقال : شخص لا يصح تيممه حتى ييمم غيره ، وصلاة الكسوف به إن أجيزا في وقت نهي ، وإلا فمقيد بخروجه ، وجميع التطوعات بجواز فعلها .

                                                                                                                          ( الثاني : العجز عن استعمال الماء ) لأن غير العاجز يجد الماء على وجه لا يضره فلم يتناوله النص ، ( لعدمه ) حضرا كان أو سفرا ، قصيرا كان أو طويلا ، مباحا أو غيره ، هذا هو المذهب لقوله تعالى وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا [ النساء 43 ، والمائدة 6 ] [ ص: 207 ] دل بمطلقه على إباحته في كل سفر ، أو السفر القصير يكثر ، فيكثر فيه عدم الماء ، فلو لم يجز التيمم إذن لأفضى إلى حرج ومشقة ، وهو ينافي مشروعية التيمم ، ولأنه عزيمة لا يجوز تركها بخلاف الرخص ، لحديث أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الصعيد الطيب طهور المسلم ، وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجده فليمسه بشرته ، فإن ذلك خير رواه أحمد ، والنسائي ، والترمذي ، وصححه لكنه من رواية عمرو بن بجدان ، ولم يرو عنه غير أبي قلابة ، وقد قيل لأحمد : معروف ؛ قال : لا ، وروى أبو بكر البزار معناه من حديث أبي هريرة ، وصححه ابن القطان .

                                                                                                                          فلو خرج من المصر إلى أرض من أعماله لحاجة كالحراثة والاحتطاب ونحوهما ، ولا يمكنه حمل الماء معه ، ولا الرجوع للوضوء إلا بتفويت حاجته ، فله التيمم ، ولا إعادة عليه في الأشهر ، وقيل : بلى ، لأنه كالمقيم ، ولو كانت الأرض التي يخرج إليها من عمل قرية أخرى فلا إعادة ، وكذا إذا تيمم ، وصلى في سفر المعصية ، قال الشيخ تقي الدين : ويتخرج أنه يعيد ، وقيل : يختص بالسفر المباح الطويل ، وعن أحمد فيمن عدم الماء في الحضر : لا يصلي حتى يجد الماء أو يسافر ، اختارها الخلال ، لأن ظاهر الآية يقتضي جوازه بحالة عدم الماء في السفر ، وإلا لم يكن للتقيد به فائدة ، وجمهور الأصحاب على ما ذكره المؤلف ، لخبر أبي ذر ، ولأنه عادم أشبه المسافر ، والتقييد بالسفر خرج مخرج الغالب ، لأنه محمل العدم غالبا ، فعلى الأصح لا إعادة ، ولو حضر ، لأنه أتى بما أمر به . وعنه : يعيد الحاضر ، لأنه عذر نادر ، وفيه وجه إن لم يطل العدم .



                                                                                                                          [ ص: 208 ] تنبيه : إذا عجز المريض عن الحركة أو عمن يوضئه ، فكالعادم ، وإن خاف فوت الوقت إن انتظر من يوضئه ، فالأصح : يتيمم ويصلي ولا إعادة .

                                                                                                                          ( أو لضرر في استعماله من جرح ) لقوله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم [ النساء 29 ] ولحديث جابر في قصة صاحب الشجة ، رواه أبو داود ، والدارقطني ، وكما لو خاف من عطش أو شبع ، وهذا مع الخوف في استعماله ، فإن لم يخف لزمه استعمال الماء كالصحيح ، والخوف المبيح : هو زيادة المرض أو بطؤه ، لا خوف التلف ( أو برد شديد ) للنص ، ولحديث عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة ، في غزوة ذات السلاسل ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيممت ، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا عمرو صليت بأصحابك ، وأنت جنب ، قلت : ذكرت قول الله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم [ النساء 29 ] فضحك ، ولم يقل شيئا رواه أحمد ، وأبو داود ، ولأنه خائف على نفسه أشبه المريض ، وعنه : لا يتيمم لخوف البرد لمن قدر على تسخين الماء في الوقت ، قال في " الشرح " وغيره : متى أمكنه تسخين الماء أو استعماله على وجه يأمن الضرر ، بأنه كلما غسل عضوا ستره لزمه ، وظاهر المتن أنه لا إعادة ، وهو الصحيح كالمريض ، وعنه : بلى مطلقا ، وعنه : يعيد الحاضر فقط ، لأنه عذر نادر .

                                                                                                                          مسألة : إذا خاف البردان سقوط أصابع قدميه ، فخلع خفيه ، سقط المسح ، وكفى غسل غيرهما ، وتيمم لترك مسح حائل رجليه ، إن كان مانع ، وإن قدر على غسل بعض عضو ، تيمم للباقي .

                                                                                                                          [ ص: 209 ] فرع : إذا أعاد القادر أو البردان الصلاة ، فالأولى فرضه ، قاله أبو المعالي . وفيه وجه : الثانية ، وهو الأصح عند جمهور الشافعية ، وللشافعي قول : فرضه إحداهما لا بعينها ، وله قول : كلاهما فرض ، واختاره القفال والفوراني وصاحب " الشامل " قال الشيخ محيي الدين : وهو قوي فإنه مكلف بهما ، واختاره الشيخ تقي الدين في " شرح العمدة " .



                                                                                                                          ( أو مرض ) لقوله تعالى وإن كنتم مرضى [ النساء 44 ، والمائدة 6 ] الآية ، وإذا جاز لشدة البرد ، فلأن يجوز للمريض بطريق الأولى ، وشرطه أنه ( يخشى زيادته أو تطاوله ) لأن من لا يخشى ذلك لا يخاف الضرر ، ولأنه يجوز له التيمم إذا خاف ذهاب شيء من ماله ، أو ضررا على نفسه من سبع ونحوه ، فهنا أولى ، ولأن ترك القيام في الصلاة ، وترك الصوم في المرض لا ينحصر في خوف التلف ، فكذا هنا ، وعنه : لا يبيحه إلا خوف التلف ، كما إذا جبر زنده بعظم نجس ، والأول أولى ، لأن مقتضى الآية إباحته لكل مريض ترك العمل به فيمن لا يخشى ، فيبقى ما عداه على مقتضاها .

                                                                                                                          ( أو عطش يخافه على نفسه ) حكاه ابن المنذر إجماعا ، وسنده ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في الرجل يكون في السفر فتصيبه الجنابة ، ومعه الماء القليل يخاف أن يعطش : يتيمم ولا يغتسل . رواه الدارقطني ، ولأنه يخشى الضرر على نفسه أشبه المريض بل أولى .

                                                                                                                          ( أو رقيقه ) المحترم ، لأن حرمة الآدمي تقدم على الصلاة ، بدليل ما لو رأى [ ص: 210 ] حريقا عند ضيق وقتها فيتركها ، ويخرج لإنقاذه ، فلأن يقدم على الطهارة بالماء بطريق الأولى ، قال أحمد : عدة من الصحابة تيمموا ، وحبسوا الماء لشفاههم ، ولا فرق بين المزامل له ، أو واحد من أهل الركب ، لأنه لا يخل بالمرافقة ، ودفعه إلى عطشان يخشى تلفه واجب ، وصرح به في " المغني " وغيره ، وقيل : يستحب ، اختاره أبو بكر ، والقاضي ، والأصوب كما ذكره الزركشي : أنهما في حبس الماء لعطش الغير المتوقع ، واختار الشريف ، وابن عقيل وجوبه ، فإن مات صاحبه ، ورفقته عطاش يمموه ، وغرموا للورثة الثمن وقت إتلافه في مكانه ، وظاهر ما في " النهاية " إن غرموه فيه فبمثله ، وقال أبو بكر : الميت أولى به ، لأنه ملكه ، وقيل : إن خافوا الموت فهم أولى ، وإلا فلا ، صححه ابن حمدان ، وهل يؤثر أبويه لغسل ووضوء أو تيمم ؛ فيه وجهان .

                                                                                                                          ( أو بهيمته ) وكذا إن كانت لغيره ، لأن الروح حرمة ، وسقيها واجب ، وقصة البغي مشهورة ، ويشترط فيها أن تكون محترمة حتى كلب صيد لا عقور ، وخنزير .

                                                                                                                          فرع : إذا وجد العطشان ماء طاهرا ونجسا ، شرب الطاهر ، وتيمم ، وأراق النجس إن استغنى عنه ، سواء كان في الوقت أو قبله ، وذكر الأزجي : يشرب النجس ، لأن الطاهر مستحق للطهارة فهو كالمعدوم ، وجوابه أن شرب النجس حرام ، فإن خاف على نفسه العطش تيمم ، نصره في " المغني " و " الشرح " كما لو انفرد ، وقال القاضي : يتوضأ بالطاهر ، ويحبس النجس لشربه .

                                                                                                                          [ ص: 211 ] وإن أمكنه أن يتوضأ به ثم يجمعه ويشربه ، قال في " الفروع " : فإطلاق كلامهم لا يلزمه ، لأن النفس تعافه ، ويتوجه احتمال ، ( أو خشية على نفسه أو ماله في طلبه ) كمن بينه وبين الماء سبع أو عدو أو حريق ، أو يخاف إن ذهب إلى الماء شرود دابته أو سرقتها أو فوت رفقته ، لأن في طلبه ضررا ، وهو منفي شرعا ، وكذا إن خافت امرأة على نفسها فساقا لم يلزمها المضي ، نص عليه ، قال المؤلف وغيره : بل يحرم خروجها إليه ، ولا إعادة على المذهب ، وقدم في " الرعاية " خلافه ، وعنه : الوقف ، وكذا إذا خاف غريما يطالبه ، ويعجز عن وفائه ، وعلى الأول : لو كان خوفه جبنا لم يجز له التيمم ، نص عليه ، وفيه وجه : يباح إذا اشتد خوفه ، ويعيد ، لأنه بمنزلة الخائف لسبب ، فإن كان خوفه لسبب ظنه ، فتيمم وصلى ، فبان خلافه ، ففي الإعادة وجهان : أصحهما عند الشيخ تقي الدين وجماعة : أنه لا يعيد لكثرة البلوى به .



                                                                                                                          ( أو تعذره إلا بزيادة كثيرة على ثمن المثل ) أقول : متى وجد ماء بثمن مثله عادة مكانه غالبا ، وقيل : بل أجرة مثله إلى مكان بيعه ، وهو قادر عليه ، غني عنه ، فاضلا عن نفقة نفسه ، وقضاء دينه ، ونفقة حيوان محترم ، لزمه شراؤه ، لأنه قادر على استعماله من غير ضرر ، ولأنه يلزمه شراء ستر عورته للصلاة فكذا هنا ، فإذا كثرت الزيادة على ثمن المثل فلا يلزمه شراؤه ، لأنها تجعل الموجود حسا كالمعدوم شرعا ، وقيده في " المغني " بما إذا أجحفت بماله ، لأن عليه ضررا ، فلو كثرت من غير إجحاف بماله ، فوجهان ، وظاهره أنه إذا كانت يسيرة فإنه يلزمه شراؤه ، وهو كذلك على الأصح ، كضرر يسير في بدنه من صداع ، أو [ ص: 212 ] برد فهنا أولى ، ولأن القدرة على ثمن العين كالقدرة عليها في المنع من الانتقال إلى البدل ، كما لو بيعت بثمن مثلها ، وعنه : لا يلزمه شراء مع زيادة مطلقا ، لأن عليه ضررا بالزيادة كما لو خاف لصا يأخذ من ماله ذلك .

                                                                                                                          فرع : إذا بذل له بثمن في الذمة يقدر على أدائه في بلده لم يلزمه في الأصح ، واختاره أبو الحسن الآمدي ، لأن عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته ، وربما تلف ماله قبل أدائه ، وكالهدي . وقال القاضي : يلزمه كالكفارة في شراء الرقبة ، وأجيب بأن الفرض متعلق بالوقت بخلاف المكفر ، وظاهره أنه إذا لم يكن له في بلده ما يوفيه لم يلزمه شراؤه ، وصرح به في " المغني " وغيره ، لأن عليه ضررا ( أو ثمن يعجز عن أدائه ) لأن العجز عن الثمن يبيح الانتقال إلى البدل ، دليله العجز عن ثمن الرقبة في الكفارة ، فلو وهب له الماء لزمه قبوله في الأصح لا ثمنه في الأشهر ، لأن فيه منة ، وحبل ودلو ، كماء ، ويلزمه قبولهما عارية ، وإن استغنى صاحب الماء عنه ، ولم يبذله لم يكن له أخذه قهرا ، لأن له بدلا ، ومن ترك ما لزمه قبوله وتحصيله من ماء وغيره ، تيمم ، وصلى ، فإنه يعيد .



                                                                                                                          ( فإن كان بعض بدنه جريحا ) وتضرر ( تيمم له وغسل الباقي ) يعني أن الجريح يتيمم للمحتاج ، ويغسل غيره ، ولا يعتبر الأكثر لقصة صاحب الشجة : إنما كان يكفيه أن يتيمم ، ويعصب على جرحه ، ثم يمسح عليه ، ويغسل سائر جسده ، وظاهر الخبر يجمع بين المسح ، والتيمم ، ولم يذكره المؤلف ، وفيه روايتان : إحداهما : يجب الجمع لهذا الخبر ، والثانية : لا ، لأنه جمع بين بدل ومبدل كالصيام والإطعام ، والخبر محمول على جواز المسح بعد ذلك ، ولذلك [ ص: 213 ] ذكره بـ " ثم " المقتضية للتراخي ، ولأن المكلف له استطاعة على التطهير بالماء في بعض البدن ، فلزمه ، والتيمم لما لم يصبه ، والطهارة شرط للصلاة ، فالعجز عن بعضها لا يوجب سقوط جميعها كالستارة ، فعلى هذا يغسل من الصحيح ما لا ضرر في غسله ، فإن لم يمكنه ضبطه لزمه أن يستنيب إن قدر ، وإلا كفاه التيمم ، ثم إن أمكنه مسح الجرح بالماء لزمه مع التيمم كما سبق ، نص عليه ، وقدمه ابن تميم ، لأن الغسل مأمور به ، والمسح بعضه ، فوجب ، كمن عجز عن الركوع والسجود ، وقدر على الإيماء ، وعنه : لا يحتاج إلى تيمم ، وعنه : يكفيه التيمم وحده ، اختاره الخرقي ، لأنه محل واحد ، فلا يجمع فيه بين المسح ، والتيمم كالجبيرة ، ومحل الخلاف ما لم يكن الجرح نجسا ، فإن كان نجسا فقال في " التلخيص " : يتيمم ، ولا يمسح ، ثم إن كانت النجاسة معفوا عنها ألغيت ، واكتفي بنية الحدث ، وإلا نوى الحدث والنجاسة إن شرطت فيها .



                                                                                                                          وهل يكتفي بتيمم واحد ؛ فيه وجهان : فعلى الأول : إن عجز عن مسحه تيمم ، وصلى على حسب حاله ، ولا إعادة ، وقال القاضي : يمسح الجرح بالتراب ، وفيه نظر ، فإن كان على الجرح عصابة ، أو لصوق يضره إزالتها فحكمه ما سبق ، وقال الآمدي : يتيمم ، وفي المسح معه روايتان ، والجنب الجريح إن شاء بدأ بالغسل أو بالتيمم ، وإن كان حدث الجريح أصغر راعى الترتيب والموالاة ، ويعيد غسل الصحيح عند كل تيمم في وجه ، وفي آخر : لا ترتيب ولا موالاة ، فعلى هذا لا يعيد الغسل إلا إذا أحدث ( وإن وجد ماء يكفي بعض بدنه ، لزمه استعماله ، وتيمم للباقي إن كان جنبا ) لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ولأنه قدر على بعض الشرط فلزمه ، كالسترة .

                                                                                                                          [ ص: 214 ] وظاهره أنه يجب استعمال الماء قبل التيمم ، وهو كذلك ليتحقق العدم الذي هو شرط التيمم ، وليتميز المغسول عن غيره ، ليعلم ما يتيمم له ، وعنه : لا يجب استعمال الماء مطلقا كالماء المستعمل ، فعلى هذا يتيمم ، وفي وجوب إراقته قبل التيمم روايتان ، قاله ابن الزاغوني : فلو وجد الجنب ماء يكفي أعضاء الحدث ، زاد في " الرعاية " وقد دخل وقت صلاة الفرض ، غسلها بنية الحدثين جميعا ، وتيمم للباقي ، فتحصل له الصغرى ، وبعض الكبرى كما فعل عمر رضي الله عنه .

                                                                                                                          ( وإن كان محدثا فهل يلزمه استعماله ؛ على وجهين ) أصحهما يلزمه كالجنب ، والثاني : لا ، اختاره أبو بكر ، وهما مبنيان على وجوب الموالاة ، وقيل : يستعمله ، وإن قلنا بوجوبها ، صححها ابن تميم ، واختار ابن حمدان أن الخلاف ينبني على أنه هل يصح كل عضو بنية ؛ وعلى الأول : إن كان يكفي بعض عضو ، فوجهان .



                                                                                                                          ( ومن عدم الماء لزمه طلبه ) هذا هو المشهور ، والمختار لعامة الأصحاب لقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا [ النساء : 43 ، والمائدة : 6 ] ، ولا يقال : لم يجد إلا لمن طلب ، لجواز أن يكون بقربه ماء لا يعلمه ، ولا يرد قوله تعالى فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا [ الأعراف : 44 ] ، لانتفاء الطلب منهم ، وكذا قوله عليه السلام : من وجد لقطة لأن الكلام في جانب النفي لا الإثبات فينتقض بقوله تعالى وما وجدنا لأكثرهم من عهد [ الأعراف 102 ] لاستحالة الطلب على الله تعالى ، وجوابه أنه يقال : [ ص: 215 ] طلب منهم الثبات على العهد ، ولأنه بدل ، فلم يجز العدول إليه إلا عند عدم مبدله ، ولا يكون إلا بعد الطلب ، كالصيام مع الرقبة في الكفار ، ومع الهدي في الحج ، والقياس مع النص ، والميتة مع المذكي ، ولأنه سبب للصلاة يختص بها ، فلزمه الاجتهاد في طلبه عند الإعواز كالقبلة .



                                                                                                                          ثم بين صفة الطلب فقال ( في رحله ) أي : في مسكنه ، وما يستصحبه من الأثاث ( وما قرب منه ) عرفا ، لأن ذلك هو الموضع الذي يطلب فيه الماء عادة ، وقيل : قدر ميل أو فرسخ في ظاهر كلامه ، وقيل : ما تتردد القوافل إليه للرعي والاحتطاب ، ورجحه جماعة ، وقيل : مد نظره ، وقيل : ما يدركه الغوث بشرط الأمن على نفسه وأهله وماله ، وعدم فوت رفقته ، ويطلبه في جهاته الأربع ، وقال القاضي : لا يلزمه أن يمشي في طلبه ، ويعدل عن طريقه ، وإن ظنه فوق جبل علاه ، وإن ظنه وراءه ، فوجهان مع الأمن ، وإن وجد من له خبرة بالمكان سأله ، وإن كان له رفقة زاد في " المغني " و " الشرح " : يدل عليهم ، طلب منهم ، وقال ابن حامد : لا يلزمه فلو رأى خضرة أو شيئا يدل عليه قصده واستبرأه ، ومحل الطلب عند دخول الوقت ، فلو طلب قبله جدده بعد دخوله ، لأنه طلب قبل المخاطبة به ، كالشفيع إذا طلبها قبل البيع ، ويعيده في وقت كل صلاة ، ولا يشترط أن يتيمم عقيبه ، بل يجوز بعده تجديد من غير طلب .

                                                                                                                          ( فإن دل ) أي : دله ثقة ( عليه لزمه قصده ) لأنه قادر على استعمالها شرط العبادة بقطع مسافة قريبة ، فلزمه كغيره من الشروط ما لم يخف فوت الوقت [ ص: 216 ] وعنه : والبعيد كذلك ( وعنه : لا يجب الطلب ) اختارها أبو بكر ، لقوله عليه السلام : التراب كافيك ما لم تجد الماء ولأنه غير واجد ، واعتمادا على ظاهر الحال كالفقير لا يلزمه طلب الرقبة ، ومحل الخلاف كما ذكره ابن تميم ، وصاحب " التلخيص " ، و " الفروع " إذا احتمل وجوده ، ولم يكن ظاهرا ، فإن قطع بعدمه لم يجب ، ومع ظن وجوده يجب ، حكاه الزركشي إجماعا ، وعنه : لا يلزمه إن ظن عدمه ذكره في " التبصرة " .



                                                                                                                          تنبيه : لو مر بماء قبل الوقت ، أو كان معه فأراقه قبله ، وعدم الماء ، تيمم وصلى إعادة ، وإن كان فيه ففي الإعادة أوجه ، ثالثها : يجب في الإراقة فقط ، وإن وهبه أو باعه في الوقت حرم ، ولم يصح في الأشهر ، لتعلق حق الله تعالى ، كالأضحية ، فهو عاجز عن التسليم شرعا ، والثاني : يصح ، لأن توجه الفرض ، وتعلقه به ، لا يمنع صحة التصرف ، كتصرفه فيما وجب فيه الزكاة ، وتصرف المدين ، والفرق ظاهر ، ويعيد إن صلى به مع بقائه ، وفي التلف وجهان .

                                                                                                                          ( وإن نسي الماء ) أو ثمنه قاله في " الفروع " توجيها ( بموضع يمكنه استعماله ، وتيمم ، لم يجزئه ) على المذهب المنصوص ، لأن النسيان لا يخرجه عن كونه واجدا ، وشرط إباحة التيمم عدم الوجدان ، ولأنها طهارة تجب مع الذكر فلم تسقط بالنسيان كالحدث ، وكما لو نسي الرقبة ، وكفر بالصوم ، وكنسيان السترة ، وعنه : يجزئه ، لأنه مع النسيان غير قادر ، أشبه العادم ، ومثله الجاهل به ، فلو ضل عن رحله الذي الماء فيه ، أو كان يعرف بئرا فضاعت عنه ، فقال [ ص: 217 ] ابن عقيل : يحتمل أن يكون كالناسي ، وصحح في " المغني " و " الشرح " أنه لا إعادة ، لأنه ليس بواجد ، وغير مفرط ، بخلاف الناسي ، فإن كان مع عبده ، ونسيه حتى صلى سيده فقيل : لا يعيد ، لأن التفريط من غيره ، وقيل : كالناسي ، لنسيانه رقبة مع عبده ، لا يجزئه الصوم ، فلو صلى ثم وجد بقربه بئرا ، أو غديرا ، أعاد إن كان له علامة ظاهرة ، وإن كانت خفية ، وطلب فلا .




                                                                                                                          الخدمات العلمية