الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وهي تجري بهم في موج كالجبال " شبهه بالجبال في عظمه وارتفاعه ، ويقال : إن الماء ارتفع على أطول جبل في الأرض أربعين ذراعا ، ويروى خمس عشرة ذراعا . وذكر بعض المفسرين أنه ارتفع نحو السماء سبعين فرسخا من الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ونادى نوح ابنه " لا يختلفون أنه كان كافرا . وفي اسمه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : كنعان ، وهو قول الأكثرين . والثاني : اسمه يام ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال عبيد بن عمير ، وابن إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 110 ] قوله تعالى : " وكان في معزل " المعزل : المكان المنقطع . ومعنى العزل : التنحية . وفي معنى الكلام وجهان ذكرهما الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : في معزل من السفينة . والثاني : في معزل من دين أبيه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " يا بني اركب معنا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : " يابني اركب " مضافة ، بكسر الياء . وروى أبوبكر عن عاصم " يابني " مفتوحة الياء ها هنا ، وباقي القرآن مكسورة . وروى حفص عنه بالفتح في كل القرآن " يابني " إذا كان واحدا . قال النحويون : الأصل في " بني " ثلاث ياءات ، ياء التصغير ، وياء بعدها هي لام الفعل ، وياء بعد لام الفعل هي ياء الإضافة . فمن قرأ " يابني " أراد يابنيي ، فحذف ياء الإضافة ، وترك الكسرة تدل عليها ، كما يقال : يا غلام أقبل . ومن فتح الياء ، أبدل من كسرة لام الفعل فتحة ، استثقالا لاجتماع الياءات مع الكسرة ، فانقلبت ياء الإضافة ألفا ، ثم حذفت الألف كما تحذف الياء ، فبقيت الفتحة على حالها . وقيل : إن المعنى : يا بني آمن واركب معنا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " سآوي " أي : سأصير وأرجع " إلى جبل يعصمني " أي : يمنعني " من الماء " أي : من تغريق الماء .

                                                                                                                                                                                                                                      " قال لا عاصم اليوم " فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : لا مانع اليوم من أمر الله ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : لا معصوم ، ومثله : ماء دافق ، أي : مدفوق ، وسر كاتم ، وليل نائم ، قاله ابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " إلا من رحم " قال الزجاج : هذا استثناء ليس من الأول ، والمعنى : لكن من رحم الله فإنه معصوم ، قال مقاتل : إلا من رحم فركب السفينة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 111 ] قوله تعالى : " وحال بينهما الموج " في المكني عنها قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنهما ابن نوح والجبل الذي زعم أنه يعصمه ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد . والثاني : نوح وابنه ، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية