الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إذا عض رجلا فوقعت ثناياه

                                                                                                                                                                                                        6497 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا قتادة قال سمعت زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين أن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فمه فوقعت ثنيتاه فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب إذا عض يد رجل فوقعت ثناياه ) أي هل يلزمه فيه شيء أو لا؟ ذكر فيه حديثين :

                                                                                                                                                                                                        الأول : قوله : ( عن زرارة ) بضم الزاي المعجمة ثم مهملتين الأولى خفيفة بينهما ألف بغير همز ، وهو العامري ، ووقع عند الإسماعيلي في رواية علي بن الجعد عن شعبة : " أخبرني قتادة أنه سمع زرارة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن رجلا عض يد رجل ) في رواية محمد بن جعفر عن شعبة عند مسلم بهذا السند عن عمران قال : " قاتل يعلى بن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه " الحديث ، قال شعبة : وعن قتادة عن عطاء هو ابن أبي رباح عن أبي يعلى - يعني صفوان - عن يعلى بن أمية قال مثله ، وكذا أخرجه النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة بهذا السند فقال في روايته بمثل الذي قبله يعني حديث عمران بن حصين .

                                                                                                                                                                                                        قلت : ولشعبة فيه سند آخر إلى يعلى أخرجه النسائي من طريق ابن أبي عدي وعبيد بن عقيل كلاهما عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن يعلى ، ووقع في رواية عبيد بن عقيل : " أن رجلا من بني تميم قاتل رجلا فعض يده " .

                                                                                                                                                                                                        ويستفاد من هذه الرواية تعيين أحد الرجلين المبهمين وأنه يعلى بن أمية ، وقد روى يعلى هذه القصة وهي الحديث الثاني في الباب ، فبين في بعض طرقه أن أحدهما كان أجيرا له ، ولفظه في الجهاد : " غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فذكر الحديث وفيه : " فاستأجرت أجيرا فقاتل رجلا فعض أحدهما الآخر فعرف أن الرجلين المبهمين يعلى وأجيره وأن يعلى أبهم نفسه لكن عينه عمران بن حصين ، ولم أقف على تسمية أجيره .

                                                                                                                                                                                                        وأما تمييز العاض من المعضوض فوقع بيانه في غزوة تبوك من المغازي من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج في حديث يعلى قال عطاء : فلقد أخبرني صفوان بن يعلى أيهما عض الآخر فنسيته فظن أنه مستمر على الإبهام ، ولكن وقع عند مسلم والنسائي من طريق بديل بن ميسرة عن عطاء بلفظ : " أن أجيرا ليعلى عض رجل ذراعه " .

                                                                                                                                                                                                        وأخرجه النسائي أيضا عن إسحاق بن إبراهيم عن سفيان بلفظ : " فقاتل أجيري رجلا فعضه الآخر " ، ويؤيده ما أخرجه النسائي من طريق سفيان بن عبد الله عن عميه سلمة بن أمية ويعلى بن أمية قالا : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ومعنا صاحب لنا فقاتلا رجلا من المسلمين فعض الرجل ذراعه " .

                                                                                                                                                                                                        ويؤيده أيضا رواية عبيد بن عقيل التي ذكرتها من عند النسائي بلفظ : " أن رجلا من بني تميم عض " فإن يعلى تميمي وأما أجيره فإنه لم يقع التصريح بأنه تميمي ، وأخرج النسائي أيضا من رواية محمد بن مسلم الزهري عن صفوان بن يعلى عن أبيه نحو [ ص: 230 ] رواية سلمة ولفظه : " فقاتل رجلا فعض الرجل ذراعه فأوجعه " وعرف بهذا أن العاض هو يعلى بن أمية ، ولعل هذا هو السر في إبهامه نفسه .

                                                                                                                                                                                                        وقد أنكر القرطبي أن يكون يعلى هو العاض فقال : يظهر من هذه الرواية أن يعلى هو الذي قاتل الأجير ، وفي الرواية الأخرى : " أن أجيرا ليعلى عض يد رجل " وهذا هو الأولى والأليق إذ لا يليق ذلك الفعل بيعلى مع جلالته وفضله .

                                                                                                                                                                                                        قلت : لم يقع في شيء من الطرق أن الأجير هو العاض وإنما التبس عليه أن في بعض طرقه عند مسلم كما بينته " أن أجيرا ليعلى عض رجل ذراعه " فجوز أن يكون العاض غير يعلى ، وأما استبعاده أن يقع ذلك من يعلى مع جلالته فلا معنى له مع ثبوت التصريح به في الخبر الصحيح ، فيحتمل أن يكون ذلك صدر منه في أوائل إسلامه فلا استبعاد .

                                                                                                                                                                                                        وقال النووي : وأما قوله يعني في الرواية الأولى : " أن يعلى هو المعضوض " ، وفي الرواية الثانية والثالثة : المعضوض هو أجير يعلى لا يعلى فقال الحفاظ : الصحيح المعروف أن المعضوض أجير يعلى لا يعلى .

                                                                                                                                                                                                        قال : ويحتمل أنهما قضيتان جرتا ليعلى ولأجيره في وقت أو وقتين ، وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأنه ليس في رواية مسلم ولا رواية غيره في الكتب الستة ولا غيرها أن يعلى هو المعضوض لا صريحا ولا إشارة ، وقال شيخنا : فيتعين على هذا أن يعلى هو العاض ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وإنما تردد عياض وغيره في العاض هل هو يعلى أو آخر أجنبي كما قدمته من كلام القرطبي ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فنزع يده من فيه ) وكذا في حديث يعلى الماضي في الجهاد في رواية الكشميهني " من فمه " ، وفي رواية هشام عن عروة عند مسلم : " عض ذراع رجل فجذبه " .

                                                                                                                                                                                                        وفي حديث يعلى الماضي في الإجارة : " فعض إصبع صاحبه فانتزع إصبعه " وفي الجمع بين الذراع والإصبع عسر ، ويبعد الحمل على تعدد القصة لاتحاد المخرج ؛ لأن مدارها على عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه ، فوقع في رواية إسماعيل بن علية عن ابن جريج عنه " إصبعه " ، وهذه في البخاري ولم يسق مسلم لفظها .

                                                                                                                                                                                                        وفي رواية ابن ميسرة عن عطاء عند مسلم وكذا في رواية الزهري عن صفوان عند النسائي : " ذراعه " ، ووافقه سفيان بن عيينة عن ابن جريج في رواية إسحاق بن راهويه عنه ، فالذي يترجح الذراع ، وقد وقع أيضا في حديث سلمة بن أمية عند النسائي مثل ذلك ، وانفراد ابن علية عن ابن جريج بلفظ الإصبع لا يقاوم هذه الروايات المتعاضدة على الذراع ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فوقعت ثنيتاه ) كذا للأكثر بالتثنية و للكشميهني " ثناياه " بصيغة الجمع ، وفي رواية هشام المذكورة : " فسقطت ثنيته " بالإفراد وكذا له في رواية ابن سيرين عن عمران ، وكذا في رواية سلمة بن أمية بلفظ : " فجذب صاحبه يده فطرح ثنيته " ، وقد تترجح رواية التثنية لأنه يمكن حمل الرواية التي بصيغة الجمع عليها على رأي من يجيز في الاثنين صيغة الجمع ، ورد الرواية التي بالإفراد إليها على إرادة الجنس ، لكن وقع في رواية محمد بن بكر : " فانتزع إحدى ثنيتيه " ، فهذه أصرح في الوحدة ، وقول من يقول في هذا بالحمل على التعدد بعيد أيضا لاتحاد المخرج ، ووقع في رواية الإسماعيلي : " فندرت ثنيته " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم ) كذا في هذا الموضع ، والمراد يعلى وأجيره ومن انضم إليهما ممن يلوذ بهما أو بأحدهما ، وفي رواية هشام : فرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي رواية ابن سيرين : " فاستعدى عليه " .

                                                                                                                                                                                                        وفي حديث يعلى : " فانطلق " هذه رواية ابن علية ، وفي رواية سفيان : " فأتى " ، وفي رواية محمد بن بكر عن ابن جريج في المغازي : " فأتيا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال يعض ) بفتح أوله والعين المهملة بعدها ضاد معجمة ثقيلة ، وفي رواية مسلم : يعمد أحدكم [ ص: 231 ] إلى أخيه فيعضه وأصل عض عضض بكسر الأولى يعضض بفتحها فأدغمت .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كما يعض الفحل ) وفي حديث سلمة : " كعضاض الفحل " أي الذكر من الإبل ، ويطلق على غيره من ذكور الدواب ، ووقع في الرواية التي في الجهاد وكذا في حديث هشام : " ويقضمها " بسكون القاف وفتح الضاد المعجمة على الأفصح " كما يقضم الفحل " من القضم وهو الأكل بأطراف الأسنان ، والخضم بالخاء المعجمة بدل القاف الأكل بأقصاها وبأدنى الأضراس ، ويطلق على الدق والكسر ولا يكون إلا في الشيء الصلب ؛ حكاه صاحب الراعي في اللغة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا دية له ) في رواية الكشميهني : " لا دية لك " ، ووقع في رواية هشام : فأبطله وقال أردت أن تأكل لحمه وفي حديث سلمة : " ثم تأتي تلتمس العقل لا عقل لها فأبطلها " ، وفي رواية ابن سيرين : " فقال ما تأمرني؟ أتأمرني أن آمره أن يدع يده في فيك تقضمها قضم الفحل ادفع يدك حتى يقضمها ثم انزعها " ، كذا لمسلم وعند أبي نعيم في المستخرج من الوجه الذي أخرجه مسلم : " إن شئت أمرناه فعض يدك ثم انتزعها أنت " ، وفي حديث يعلى بن أمية : " فأهدرها " ، وفي هذا الباب " فأبطلها " وهي رواية الإسماعيلي .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية