الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا حاتم بن الليث ، ثنا عبد الله بن بكر السهمي ، حدثني رجل : أن عمر بن عبد العزيز خطب الناس بخناصرة ، فقال : يا أيها الناس ما منكم من أحد [ يبلغنا عنه حاجة إلا أحببت أن أسد من حاجته بما قدرت عليه ، وما منكم من أحد ] لا يسعه ما عندنا إلا وددت أنه بدئ بي وبلحمتي الذين يلونني ، حتى يستوي عيشنا وعيشه ، وايم الله ، إني لو أردت غير ذلك من الغضارة والعيش لكان اللسان به مني ذلولا عالما بأسبابه ، ولكنه قضاء من الله كتاب ناطق وسنة عادلة يدل فيها على طاعته ، وينهى [ ص: 295 ] فيها عن معصيته ، ثم رفع طرف ردائه وبكى ، حتى شهق وأبكى الناس حوله ، ثم نزل فكانت إياها ، لم يخطب بعدها حتى مات رحمه الله .

              حدثنا محمد بن أحمد ، ثنا الحسين بن محمد ، ثنا أبو زرعة ، ثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبي المعمر المصري ، ثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : خطب عمر بن عبد العزيز هذه الخطبة ، وكانت آخر خطبة خطبها ؛ حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنكم لم تخلقوا عبثا ، ولم تتركوا سدى ، وإن لكم معادا ينزل الله فيه ليحكم بينكم ويفصل بينكم ، وخاب وخسر من خرج من رحمة الله ، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض ، ألم تعلموا أنه لا يأمن غدا إلا من حذر الله اليوم وخافه ، وباع نافدا بباق ، وقليلا بكثير ، وخوفا بأمان ؟ ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين ، وستصير من بعدكم للباقين ، وكذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين .

              ثم إنكم تشيعون كل يوم غاديا ورائحا ، قد قضى نحبه ، وانقضى أجله ، حتى تغيبوه في صدع من الأرض ، في شق صدع ، ثم تتركوه غير ممهد ، ولا موسد ، فارق الأحباب ، وباشر التراب ، ووجه للحساب ، مرتهن بما عمل ، غني عما ترك ، فقير إلى ما قدم ، فاتقوا الله وموافاته ، وحلول الموت بكم ، أما والله إني لأقول هذا وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي ، وأستغفر الله ، وما منكم من أحد يبلغنا حاجته لا يسع له ما عندنا إلا تمنيت أن يبدأ بي وبخاصتي ، حتى يكون عيشنا وعيشه واحدا ، أما والله لو أردت غير هذا من غضارة العيش لكان اللسان به ذلولا ، وكنت بأسبابه عالما ، ولكن سبق من الله كتاب ناطق ، وسنة عادلة ، دل فيها على طاعته ، ونهى فيها عن معصيته . ثم رفع طرف ردائه ، فبكى وأبكى من حوله .

              حدثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، ثنا محمد بن يزيد ، قال : قال وهيب : خطب عمر بن عبد العزيز ذات يوم ، فحمد الله ، وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : إن الله لم يبعث نبيا بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، [ ولم ينزل كتابا من بعد كتابه الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله [ ص: 296 ] عليه وسلم ، ألا وإن ما أنزل الله على محمد ] فهو الحق إلى يوم القيامة ، ألا وإني لست بمبتدع ، ولكني متبع ، ألا وإني لست بخيركم ، ولكني أثقلكم حملا ، ألا وإن السمع والطاعة واجبان على كل مسلم ، ما لم يؤمر لله بمعصية ، فمن أمر لله بمعصية ألا فلا طاعة لمخلوق بمعصية الخالق ، ألا هل أسمعت ؟ قالها ثلاثا .

              حدثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا يحيى بن عثمان الحربي ، ثنا إسماعيل بن عياش ، عن عاصم بن رجاء بن حيوة قال : كان عمر بن عبد العزيز يخطب فيقول : أيها الناس من ألم بذنب فليستغفر الله وليتب ، [ فإن عاد فليستغفر الله وليتب ، فإن عاد فليستغفر الله وليتب ] ، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال ، وإن الهلاك كل الهلاك الإصرار عليها .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا محمد بن شبل ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا إسماعيل بن علية ، عن أبي مخزوم ، حدثني عمر بن أبي الوليد ، قال : خرج عمر بن عبد العزيز يوم جمعة وهو ناحل الجسم ، فخطب كما يخطب ، ثم قال : أيها الناس من أحسن منكم فليحمد الله ، ومن أساء فليستغفر الله ، فإنه لا بد لأقوام من أن يعملوا أعمالا وظفها الله في رقابهم ، وكتبها عليهم .

              حدثنا أبو حامد بن جبلة ، حدثنا محمد بن إسحاق ، ثنا رجاء بن الجارود ، ثنا عبد الملك بن قريب الأصمعي ، عن عدي بن المفضل ، قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب ، فقال : اتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب ، فإنه إن كان لأحدكم رزق في رأس جبل أو حضيض أرض يأته .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ح .

              وحدثنا الحسن بن أنس بن عثمان الأنصاري ، ثنا أحمد بن حمدان بن إسحاق العسكري ، ثنا علي بن المديني ، قالا : ثنا معتمر بن سليمان ، قال : سمعت علي بن زيد بن جدعان يقول : شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب بخناصرة ، فسمعته يقول : ألا إن أفضل العبادة أداء الفرائض واجتناب المحارم .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، قال : قرأت على زيد بن الحباب ، حدثني الحباب ، حدثني عياش بن عقبة الحضرمي - وهو ابن عم ابن [ ص: 297 ] لهيعة - حدثني بحدل الشامي ، عن أبيه - وكان صاحبا لعمر بن عبد العزيز - أخبره قال : رأيت عمر بن عبد العزيز على المنبر يتلو هذه الآية : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ) حتى ختمها ، فمال على أحد شقيه يريد أن يقع .

              حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد ، ثنا محمد بن شبل ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا عبد الله بن إدريس ، عن أبيه ، عن أزهر - بياع الخمر - قال : رأيت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يخطب الناس عليه قميص مرقوع .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين بن نصر ، ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا سلام بن مسكين ، قال : سمعت بعض أصحابنا يقول : إن عمر بن عبد العزيز صعد المنبر فقال : يا أيها الناس اتقوا الله ، فإن تقوى الله خلف من كل شيء ، وليس لتقوى الله خلف ، يا أيها الناس اتقوا وأطيعوا من أطاع الله ، ولا تطيعوا من عصا الله .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا حزم ، حدثني رجل يقال له زيد ، أنه سمع عمر بن عبد العزيز يوم عيد - جاء راكبا - فنزل ونزل من معه ، ثم جاء يمشي وعليه جبة محشوة بيضاء ، وعمامة شامية صفيقة ، وسراويل يمنية ، وخفان ساذجان ، فصعد المنبر ، فأتي بعصا مضببة بفضة عرضها بين يديه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم تلا آيات من كتاب الله ، ثم قال : أيها الناس ، إني وجدت هذا القلب لا يعبر عنه إلا باللسان ، ولعمري - وإن لعمري مني الحق - لوددت أنه ليس من الناس عبد ابتلي بسعة إلا نظر قطيعا من ماله فجعله في الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل ، بدأت أنا بنفسي وأهل بيتي ، ثم كان الناس بعد . ثم كان آخر كلمة تكلم بها حين نزل : لولا سنة أحييها أو بدعة أميتها لم أبال أن لا أبقى في الدنيا فواقا .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا أحمد بن عبدة ، ثنا حماد بن زيد ، ح .

              وحدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا خلف بن الوليد ، ثنا يحيى بن زكريا ، قالا : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : خطب عمر بن عبد العزيز بعرفات فقال : إنكم وفد غير واحد ، وإنكم قد شخصتم [ ص: 298 ] من القريب والبعيد ، وأنضيتم الظهر وأرملتم ، وليس السابق اليوم من سبق بعيره ولا فرسه ، ولكن السابق اليوم من غفر الله له . زاد حماد في حديثه : فقال له رجل : أين أصلي المغرب ؟ فقال : حيث أدركتك من واديك هذا .

              حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن عبد الجبار ، ثنا سفيان ، قال : سمعت شيخا من شيوخنا قال : سمعت عمر بن عبد العزيز وهو على المنبر بعرفة وهو يقول : اللهم زد في إحسان محسنهم ، وراجع لمسيئهم التوبة ، وحط من وراءهم بالرحمة ، قال : وأومأ بيده إلى الناس .

              حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد ، ثنا سعيد بن عامر ، عن محمد بن عمرو قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب قال : ما أنعم الله على عبد نعمة ثم انتزعها منه فعاضه مما انتزع منه الصبر إلا كان ما عاضه خيرا مما انتزع منه ، ثم قرأ هذه الآية : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) .

              حدثنا عمر بن أحمد بن شاهين ، ثنا عبد الله بن محمد البغوي ، ثنا عبد الله بن عمر القواريري ، ثنا زائدة بن أبي الرقاد ، ثنا عبد الله بن العيزار ، قال : خطبنا عمر بن عبد العزيز بالشام على منبر من طين ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس أصلحوا سرائركم تصلح علانيتكم ، واعملوا لآخرتكم تكفوا أمر دنياكم .

              حدثنا أبو بكر بن خلاد ، ثنا محمد بن غالب ، ثنا القعنبي ، عن مالك بن أنس ، عن إسماعيل بن أبي حكيم ، أنه أخبره أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول : كان يقال : إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصة ، ولكن إذا عمل المنكر جهارا استحقوا العقوبة كلهم .

              حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا جعفر بن محمد بن الفريابي ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا عرعرة بن البرند ، عن حاجب بن خليف البرجمي ، قال : شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس وهو خليفة ، فقال في خطبته : ألا إن ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه فهو دين نأخذ به وننتهي إليه ، وما سن سواهما فإنا نرجئه .

              حدثنا عمر بن أحمد بن شاهين ، حدثنا نصر بن القاسم الفرائضي ، ثنا عبد الله بن [ ص: 299 ] عمر القواريري ، ثنا المنهال بن عيسى ، ثنا غالب القطان ، قال : قال عمر بن عبد العزيز : اللهم إن لم أكن أهلا أن أبلغ رحمتك ، فإن رحمتك أهل أن تبلغني ، رحمتك وسعت كل شيء ، وأنا شيء ، فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم إنك خلقت قوما فأطاعوك فيما أمرتهم ، وعملوا في الذي خلقتهم له ، فرحمتك إياهم كانت قبل طاعتهم لك يا أرحم الراحمين .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية