[ ص: 141 ] nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=28981إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلنها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون
هذه الآية تتنزل منزلة البيان لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23متاع الحياة الدنيا المؤذنة بأن تمتعهم بالدنيا ما هو إلا لمدة قصيرة ، فبينت هذه الآية أن التمتع صائر إلى زوال ، وأطنبت فشبهت هيئة التمتع بالدنيا لأصحابها بهيئة الزرع في نضارته ثم في مصيره إلى الحصد .
والمثل : الحال الماثلة على هيئة خاصة ، كان التشبيه هنا تشبيه حالة مركبة بحالة مركبة . عبر عن ذلك بلفظ المثل الذي شاع في التشبيه المركب كما تقدم في أول سورة البقرة .
وصيغة القصر لتأكيد المقصود من التشبيه وهو سرعة الانقضاء . ولتنزيل السامعين منزلة من يحسب دوام بهجة الحياة الدنيا لأن حالهم في الانكباب على نعيم الدنيا كحال من يحسب دوامه وينكر أن يكون له انقضاء سريع ومفاجئ . والمعنى : قصر حالة الحياة الدنيا على مشابهة حالة النبات الموصوف ، فالقصر قصر قلب ، بني على تنزيل المخاطبين منزلة من يعتقد عكس تلك الحالة .
شبهت حالة الحياة في سرعة تقضيها وزوال نعيمها بعد البهجة به وتزايد نضارتها بحال نبات الأرض في ذهابه حطاما ومصيره حصيدا .
ومن بديع هذا التشبيه تضمنه لتشبيهات مفرقة من أطوار الحالين المتشابهين بحيث يصلح كل جزء من هذا التشبيه المركب لتشبيه جزء من الحالين المتشابهين ، ولذلك أطنب وصف الحالين من ابتدائه .
[ ص: 142 ] فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24كماء أنزلناه من السماء شبه به ابتداء أطوار الحياة من وقت الصبا إذ ليس ثمة سوى الأمل في نعيم العيش ونضارته ، فذلك الأمل يشبه حال نزول المطر من السماء في كونه سبب ما يؤمل منه من زخرف الأرض ونضارتها .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24فاختلط به نبات الأرض شبه به طور ابتداء نضارة العيش وإقبال زهرة الحياة ، فذلك يشبه خروج الزرع بعيد المطر فيما يشاهد من بوارق المأمول ، ولذلك عطف بفاء التعقيب للإيذان بسرعة ظهور النبات عقب المطر فيؤذن بسرعة نماء الحياة في أول أطوارها . وعبر عنه بالاختلاط بالماء بحيث ظهر قبل جفاف الماء ، أي فاختلط النبات بالماء أي جاوره وقارنه .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24مما يأكل الناس والأنعام وصف لنبات الأرض الذي منه أصناف يأكلها الناس من الخضراوات والبقول ، وأصناف تأكلها الأنعام من العشب والكلأ ، وذلك يشبه به ما ينعم به الناس في الحياة من اللذات وما ينعم به الحيوان ، فإن له حظا في نعيم الحياة بمقدار نطاق حياته .
ولما كان ذلك قد تضمن المأكول والآكل صح أن تشبه به رغبات الناس في تناول لذائذ الحياة على حسب اختلاف مراتب الهمم ، وذلك يتضمن تشبيه معالي الأمور من نعم الدنيا التي تسمو إليها الهمم العوالي بالنبات الذي يقتاته الناس ، وتشبيه سفاسف الأمور بالنبات الذي يأكله الأنعام ، ويتضمن تشبيه الذين يجنحون إلى تلك السفاسف بالأنعام ، كقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=12والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام
والقول في
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24حتى إذا أخذت الأرض زخرفها كالقول في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حتى إذا كنتم في الفلك ، وهو غاية شبه بها بلوغ الانتفاع بخيرات الدنيا إلى أقصاه ونضوجه وتمامه وتكاثر أصنافه وانهماك الناس في تناولها ونسيانهم المصير إلى الفناء .
وأمر الله : تقديره وتكوينه . وإتيانه : إصابة تلك الأرض بالجوائح المعجلة لها باليبس والفناء .
[ ص: 143 ] وفي معنى الغاية المستفاد من حتى ما يؤذن بأن بين مبدأ ظهور لذات الحياة وبين منتهاها مراتب جمة وأطوارا كثيرة ، فذلك طوي في معنى حتى
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24ليلا أو نهارا ترديد في الوقت لإثارة التوقع من إمكان زوال نضارة الحياة في جميع الأزمنة لأن الشيء الموقت بمعين من التوقيت يكون الناس في أمن من حلوله في غير ذلك الوقت .
والزخرف : اسم الذهب . وأطلق على ما يتزين به مما فيه ذهب وتلوين من الثياب والحلي .
وإطلاق أخذ الأرض زخرفها على حصول الزينة فيها استعارة مكنية . شبهت الأرض بالمرأة حين تريد التزين فتحضر فاخر ثيابها من حلي وألوان . والعرب يطلقون على ذلك التناول اسم الأخذ ، قال - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15529بشار بن برد :
وخذي ملابس زينة ومصبغات وهي أفخر
وذكر ( ازينت ) عقب زخرفها ترشيح للاستعارة ; لأن المرأة تأخذ زخرفها للتزين .
و ( ازينت ) أصله تزينت فقلبت التاء زايا لتدغم في الزاي فسكنت وأدغمت واجتلبت همزة الوصل لأجل النطق بالساكن .
واعلم أن في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا إشارة لإدارة الاستئصال فهو
nindex.php?page=treesubj&link=30539ينذر بالتهديد للكافرين ويجعل التمثيل أعلق بحياتهم ، كقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون لا سيما وقد ضرب هذا المثل لتمتع الكافرين ببغيهم وإمهالهم عليه ، ويزيد تلك الإشارة وضوحا قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24وظن أهلها أنهم قادرون عليها المؤذن بأن أهلها مقصودون بتلك الإصابة .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24أنهم قادرون عليها أنهم مستمرون على الانتفاع بها محصلون لثمراتها ، فأطلق على التمكن من الانتفاع ودوامه لفظ القدرة على وجه الاستعارة .
[ ص: 144 ] والحصيد : المحصود ، وهو الزرع المقطوع من منابته . والإخبار عن الأرض بحصيد على طريقة المجاز العقلي وإنما المحصود نباتها . ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24لم تغن لم تعمر ، أي لم تعمر بالزرع . يقال : غني المكان إذا عمر . ومنه المغنى للمكان المأهول . وضد أغنى أقفر المكان .
والباء بالأمس للظرفية . والأمس : اليوم الذي قبل يومك . واللام فيه مزيدة لتملية اللفظ مثل التي في كلمة الآن . والمراد بالأمس في الآية مطلق الزمن الذي مضى لأن أمس يستعمل بمعنى ما مضى من الزمان ، كما يستعمل الغد في معنى المستقبل واليوم في معنى الحال . وجمعها قول
زهير :
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عم
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32كذلك نفصل الآيات إلى آخرها تذييل جامع ، أي مثل هذا التفصيل نفصل أي نبين الدلالات كلها الدالة على عموم العلم والقدرة وإتقان الصنع . فهذه آية من الآيات المبينة وهي واحدة من عموم الآيات . وتقدم نظيره في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=55وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين في سورة الأنعام .
واللام في
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24لقوم يتفكرون لام الأجل .
والتفكر : التأمل والنظر ، وهو تفعل مشتق من الفكر ، وقد مر عند قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=50قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون في سورة الأنعام . وفيه تعريض بأن الذين لم ينتفعوا بالآيات ليسوا من أهل التفكر ولا كان تفصيل الآيات لأجلهم . وتقدم ذكر لفظ القوم غير مرة في هذه السورة .
[ ص: 141 ] nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=28981إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
هَذِهِ الْآيَةُ تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْمُؤْذِنَةِ بِأَنَّ تَمَتُّعَهُمْ بِالدُّنْيَا مَا هُوَ إِلَّا لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ ، فَبَيَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ التَّمَتُّعَ صَائِرٌ إِلَى زَوَالٍ ، وَأَطْنَبَتْ فَشَبَّهَتْ هَيْئَةَ التَّمَتُّعِ بِالدُّنْيَا لِأَصْحَابِهَا بِهَيْئَةِ الزَّرْعِ فِي نَضَارَتِهِ ثُمَّ فِي مَصِيرِهِ إِلَى الْحَصْدِ .
وَالْمَثَلُ : الْحَالُ الْمَاثِلَةُ عَلَى هَيْئَةٍ خَاصَّةٍ ، كَانَ التَّشْبِيهُ هُنَا تَشْبِيهَ حَالَةٍ مُرَكَّبَةٍ بِحَالَةٍ مُرَكَّبَةٍ . عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْمَثَلِ الَّذِي شَاعَ فِي التَّشْبِيهِ الْمُرَكَّبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَصِيغَةُ الْقَصْرِ لِتَأْكِيدِ الْمَقْصُودِ مِنَ التَّشْبِيهِ وَهُوَ سُرْعَةُ الِانْقِضَاءِ . وَلِتَنْزِيلِ السَّامِعِينَ مَنْزِلَةَ مَنْ يَحْسَبُ دَوَامَ بَهْجَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِأَنَّ حَالَهُمْ فِي الِانْكِبَابِ عَلَى نَعِيمِ الدُّنْيَا كَحَالِ مَنْ يَحْسَبُ دَوَامَهُ وَيُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ انْقِضَاءٌ سَرِيعٌ وَمُفَاجِئٌ . وَالْمَعْنَى : قَصْرُ حَالَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَلَى مُشَابَهَةِ حَالَةِ النَّبَاتِ الْمَوْصُوفِ ، فَالْقَصْرُ قَصْرُ قَلْبٍ ، بُنِيَ عَلَى تَنْزِيلِ الْمُخَاطَبِينَ مَنْزِلَةَ مَنْ يَعْتَقِدُ عَكْسَ تِلْكَ الْحَالَةِ .
شُبِّهَتْ حَالَةُ الْحَيَاةِ فِي سُرْعَةِ تَقَضِّيهَا وَزَوَالِ نَعِيمِهَا بَعْدَ الْبَهْجَةِ بِهِ وَتَزَايُدِ نَضَارَتِهَا بِحَالِ نَبَاتِ الْأَرْضِ فِي ذَهَابِهِ حُطَامًا وَمَصِيرِهِ حَصِيدًا .
وَمِنْ بَدِيعِ هَذَا التَّشْبِيهِ تَضَمُّنُهُ لِتَشْبِيهَاتٍ مُفَرَّقَةٍ مِنْ أَطْوَارِ الْحَالَيْنِ الْمُتَشَابِهَيْنِ بِحَيْثُ يَصْلُحُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ هَذَا التَّشْبِيهِ الْمُرَكَّبِ لِتَشْبِيهِ جُزْءٍ مِنَ الْحَالَيْنِ الْمُتَشَابِهَيْنِ ، وَلِذَلِكَ أَطْنَبَ وَصْفَ الْحَالَيْنِ مِنِ ابْتِدَائِهِ .
[ ص: 142 ] فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ شَبَّهَ بِهِ ابْتِدَاءَ أَطْوَارِ الْحَيَاةِ مِنْ وَقْتِ الصِّبَا إِذْ لَيْسَ ثَمَّةَ سِوَى الْأَمَلِ فِي نَعِيمِ الْعَيْشِ وَنَضَارَتِهِ ، فَذَلِكَ الْأَمَلُ يُشْبِهُ حَالَ نُزُولِ الْمَطَرِ مِنَ السَّمَاءِ فِي كَوْنِهِ سَبَبَ مَا يُؤَمَّلُ مِنْهُ مِنْ زُخْرُفِ الْأَرْضِ وَنَضَارَتِهَا .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ شَبَّهَ بِهِ طَوْرَ ابْتِدَاءِ نَضَارَةِ الْعَيْشِ وَإِقْبَالِ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ ، فَذَلِكَ يُشْبِهُ خُرُوجَ الزَّرْعِ بُعَيْدَ الْمَطَرِ فِيمَا يُشَاهَدُ مِنْ بِوَارِقِ الْمَأْمُولِ ، وَلِذَلِكَ عُطِفَ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ لِلْإِيذَانِ بِسُرْعَةِ ظُهُورِ النَّبَاتِ عَقِبَ الْمَطَرِ فَيُؤْذَنُ بِسُرْعَةِ نَمَاءِ الْحَيَاةِ فِي أَوَّلِ أَطْوَارِهَا . وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالِاخْتِلَاطِ بِالْمَاءِ بِحَيْثُ ظَهَرَ قَبْلَ جَفَافِ الْمَاءِ ، أَيْ فَاخْتَلَطَ النَّبَاتُ بِالْمَاءِ أَيْ جَاوَرَهُ وَقَارَنَهُ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ وَصْفٌ لِنَبَاتِ الْأَرْضِ الَّذِي مِنْهُ أَصْنَافٌ يَأْكُلُهَا النَّاسُ مِنَ الْخَضْرَاوَاتِ وَالْبُقُولِ ، وَأَصْنَافٌ تَأْكُلُهَا الْأَنْعَامُ مِنَ الْعُشْبِ وَالْكَلَأِ ، وَذَلِكَ يُشَبَّهُ بِهِ مَا يُنَعَّمُ بِهِ النَّاسُ فِي الْحَيَاةِ مِنَ اللَّذَّاتِ وَمَا يُنَعَّمُ بِهِ الْحَيَوَانُ ، فَإِنَّ لَهُ حَظًّا فِي نَعِيمِ الْحَيَاةِ بِمِقْدَارِ نِطَاقِ حَيَاتِهِ .
وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ قَدْ تَضَمَّنَ الْمَأْكُولَ وَالْآكِلَ صَحَّ أَنْ تُشَبَّهَ بِهِ رَغَبَاتُ النَّاسِ فِي تَنَاوُلِ لَذَائِذِ الْحَيَاةِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ مَرَاتِبِ الْهِمَمِ ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَشْبِيهَ مَعَالِي الْأُمُورِ مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا الَّتِي تَسْمُو إِلَيْهَا الْهِمَمُ الْعَوَالِي بِالنَّبَاتِ الَّذِي يَقْتَاتُهُ النَّاسُ ، وَتَشْبِيهَ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ بِالنَّبَاتِ الَّذِي يَأْكُلُهُ الْأَنْعَامُ ، وَيَتَضَمَّنُ تَشْبِيهَ الَّذِينَ يَجْنَحُونَ إِلَى تِلْكَ السَّفَاسِفِ بِالْأَنْعَامِ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=12وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ
وَالْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا كَالْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ ، وَهُوَ غَايَةٌ شُبِّهَ بِهَا بُلُوغُ الِانْتِفَاعِ بِخَيْرَاتِ الدُّنْيَا إِلَى أَقْصَاهُ وَنُضُوجِهِ وَتَمَامِهِ وَتَكَاثُرِ أَصْنَافِهِ وَانْهِمَاكِ النَّاسِ فِي تَنَاوُلِهَا وَنِسْيَانِهِمُ الْمَصِيرَ إِلَى الْفَنَاءِ .
وَأَمْرُ اللَّهِ : تَقْدِيرُهُ وَتَكْوِينُهُ . وَإِتْيَانُهُ : إِصَابَةُ تِلْكَ الْأَرْضِ بِالْجَوَائِحِ الْمُعَجَّلَةِ لَهَا بِالْيُبْسِ وَالْفَنَاءِ .
[ ص: 143 ] وَفِي مَعْنَى الْغَايَةِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ حَتَّى مَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ بَيْنَ مَبْدَأِ ظُهُورِ لَذَّاتِ الْحَيَاةِ وَبَيْنَ مُنْتَهَاهَا مَرَاتِبَ جَمَّةً وَأَطْوَارًا كَثِيرَةً ، فَذَلِكَ طُوِيَ فِي مَعْنَى حَتَّى
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24لَيْلًا أَوْ نَهَارًا تَرْدِيدٌ فِي الْوَقْتِ لِإِثَارَةِ التَّوَقُّعِ مِنْ إِمْكَانِ زَوَالِ نَضَارَةِ الْحَيَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُوَقَّتَ بِمُعَيَّنٍ مِنَ التَّوْقِيتِ يَكُونُ النَّاسُ فِي أَمْنٍ مِنْ حُلُولِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ .
وَالزُّخْرُفُ : اسْمُ الذَّهَبِ . وَأُطْلِقَ عَلَى مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ مِمَّا فِيهِ ذَهَبٌ وَتَلْوِينٌ مِنَ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ .
وَإِطْلَاقُ أَخْذِ الْأَرْضِ زُخْرُفَهَا عَلَى حُصُولِ الزِّينَةِ فِيهَا اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ . شُبِّهَتِ الْأَرْضُ بِالْمَرْأَةِ حِينَ تُرِيدُ التَّزَيُّنَ فَتُحْضِرُ فَاخِرَ ثِيَابِهَا مِنْ حُلِيٍّ وَأَلْوَانٍ . وَالْعَرَبُ يُطْلِقُونَ عَلَى ذَلِكَ التَّنَاوُلِ اسْمَ الْأَخْذِ ، قَالَ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15529بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ :
وَخُذِي مَلَابِسَ زِينَةٍ وَمُصَبَّغَاتٍ وَهْيَ أَفْخَرُ
وَذُكِرَ ( ازَّيَّنَتْ ) عَقِبَ زُخْرُفَهَا تَرْشِيحٌ لِلِاسْتِعَارَةِ ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْخُذُ زُخْرُفَهَا لِلتَّزَيُّنِ .
وَ ( ازَّيَّنَتْ ) أَصْلُهُ تَزَيَّنَتْ فَقُلِبَتِ التَّاءُ زَايًا لِتُدْغَمَ فِي الزَّايِ فَسُكِّنَتْ وَأُدْغِمَتْ وَاجْتُلِبَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِأَجْلِ النُّطْقِ بِالسَّاكِنِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا إِشَارَةً لِإِدَارَةِ الِاسْتِئْصَالِ فَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=30539يُنْذِرُ بِالتَّهْدِيدِ لِلْكَافِرِينَ وَيَجْعَلُ التَّمْثِيلَ أَعْلَقَ بِحَيَاتِهِمْ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ضُرِبَ هَذَا الْمَثَلُ لِتَمَتُّعِ الْكَافِرِينَ بِبَغْيِهِمْ وَإِمْهَالِهِمْ عَلَيْهِ ، وَيَزِيدُ تِلْكَ الْإِشَارَةَ وُضُوحًا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا الْمُؤْذِنُ بِأَنَّ أَهْلَهَا مَقْصُودُونَ بِتِلْكَ الْإِصَابَةِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَنَّهُمْ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا مُحَصِّلُونَ لِثَمَرَاتِهَا ، فَأَطْلَقَ عَلَى التَّمَكُّنِ مِنَ الِانْتِفَاعِ وَدَوَامِهِ لَفْظَ الْقُدْرَةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ .
[ ص: 144 ] وَالْحَصِيدُ : الْمَحْصُودُ ، وَهُوَ الزَّرْعُ الْمَقْطُوعُ مِنْ مَنَابِتِهِ . وَالْإِخْبَارُ عَنِ الْأَرْضِ بِحَصِيدٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ وَإِنَّمَا الْمَحْصُودُ نَبَاتُهَا . وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24لَمْ تَغْنَ لَمْ تَعْمُرْ ، أَيْ لَمْ تَعْمُرْ بِالزَّرْعِ . يُقَالُ : غَنِيَ الْمَكَانُ إِذَا عَمَرَ . وَمِنْهُ الْمَغْنَى لِلْمَكَانِ الْمَأْهُولِ . وَضِدَّ أَغْنَى أَقْفَرَ الْمَكَانُ .
وَالْبَاءُ بِالْأَمْسِ لِلظَّرْفِيَّةِ . وَالْأَمْسُ : الْيَوْمُ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِكَ . وَاللَّامُ فِيهِ مَزِيدَةٌ لِتَمْلِيَةِ اللَّفْظِ مِثْلَ الَّتِي فِي كَلِمَةِ الْآنَ . وَالْمُرَادُ بِالْأَمْسِ فِي الْآيَةِ مُطْلَقُ الزَّمَنِ الَّذِي مَضَى لِأَنَّ أَمْسَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ ، كَمَا يُسْتَعْمَلُ الْغَدُ فِي مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ وَالْيَوْمُ فِي مَعْنَى الْحَالِ . وَجَمَعَهَا قَوْلُ
زُهَيْرٍ :
وَأَعْلَمُ عِلْمَ الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ قَبْلَهُ وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ إِلَى آخِرِهَا تَذْيِيلٌ جَامِعٌ ، أَيْ مِثْلَ هَذَا التَّفْصِيلِ نُفَصِّلُ أَيْ نُبَيِّنُ الدَّلَالَاتِ كُلَّهَا الدَّالَّةَ عَلَى عُمُومِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَإِتْقَانِ الصُّنْعِ . فَهَذِهِ آيَةٌ مِنَ الْآيَاتِ الْمُبِيَّنَةِ وَهِيَ وَاحِدَةٌ مِنْ عُمُومِ الْآيَاتِ . وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=55وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ .
وَاللَّامُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ لَامُ الْأَجَلِ .
وَالتَّفَكُّرُ : التَّأَمُّلُ وَالنَّظَرُ ، وَهُوَ تَفَعُّلٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْفِكْرِ ، وَقَدْ مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=50قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ . وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ الَّذِينَ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِالْآيَاتِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ التَّفَكُّرِ وَلَا كَانَ تَفْصِيلُ الْآيَاتِ لِأَجْلِهِمْ . وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ لَفْظِ الْقَوْمِ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي هَذِهِ السُّورَةِ .