الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين

                                                          هذا جزاء الذين يرجون لقاء الله ويتوقعونه مستيقنين به; لأنهم آمنوا فيخافون العذاب ويرجون الثوابيهديهم ربهم بإيمانهم ذكر الله لهم جزاءين أولهما - أنهم بسبب الإيمان والعمل الصالح يهديهم ربهم إلى الحق دائما فلا تغمرهم الشهوات ولا يرتعون في الفاسد; لأن الإيمان نور في قلب المؤمن، به لا يفكر إلا في الحق، ولا يقول إلا الحق، ولا يعمل إلا الحق وسيره بين الناس لا يكون إلا بالحق، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم " ذلك أن النور يهدي فيزداد المؤمن بإيمانه إيمانا.

                                                          والعمل السيئ تظلم به النفس فتضل، تبدأ في طريق الضلالة وتنتهي إلى الضلال البعيد، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " يتلقى المؤمن عمله في أحسن صورة فيؤنسه ويهديه، ويتلقى الكافر عمله في أقبح صورة فيوحشه ويضله " .

                                                          وفي قوله تعالى: يهديهم ربهم بإيمانهم إشارتان:

                                                          أولاهما - أن ذلك من الربوبية فهو يربي نفوس المؤمنين بما يهيئها للخير [ ص: 3523 ] والحق دائما، كما قال تعالى: ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها

                                                          فإذا ألهمت التقوى سارت في طريقها تبلغ غايته، وهذا أمر معنوي تطيب به النفوس المؤمنة وترضاه وتطمئن به.

                                                          ثانيتهما - جزاء مادي في اليوم الآخر، وهو روح وريحان.

                                                          تجري من تحتهم الأنهار أي: أنهم يدخلون الجنة تجري من تحتها الأنهار.

                                                          وهنا إشارتان بيانيتان:

                                                          الأولى - أنه إذا كان ثمة جزاءان فإنه يعطف بينهما بالواو ولكن لا عطف، وذكرا منفصلين فما حكمة ذلك; نجيب قائلين: إن الانفصال هو الأولى; لأن زيادة الإيمان في الدنيا وجريان الأنهار تحت الجنان في الآخرة. هو جزاء للأول وثمرة له فكان مقتضى ذلك أن يذكر منفصلا عنه، وتجري من تحتهم هو جريانها من تحت المستقر الذي استقروا عليه تعطيهم منظرا يسر الناظرين وتنعم به النفس والقلب والعين، وتكون الراحة الخالدة.

                                                          الثانية - أنه سبحانه قدم جريان الأنهار من تحتهم على جنة النعيم، للمبادرة بذكر المتعة النفسية الروحية، ولبيان أنها تحتهم هم، وذكر بعد ذلك أن هذا في جنات النعيم، أي: في الجنات التي خصصت للنعيم أو هي النعيم ذاته، وفي قوله تعالى: يهديهم ربهم بإيمانهم اقتصرت الهداية على أنها بالإيمان مع أنه ذي الإيمان والعمل الصالح، فلماذا اختص الإيمان بالذكر هنا; نقول عن ذلك أمرين: أولهما - أن العمل الصالح ثمرة من ثمرات الإيمان الذي هو النور الهادي والمصباح المضيء فذكر الإيمان استتبع ذكر ما هو أثر له.

                                                          ثانيهما - أن الإيمان وحده هو الذي يهدي.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية