[ ص: 177 ] أبواب إخراج الزكاة باب المبادرة إلى إخراجها
1564 - ( عن عقبة بن الحارث قال : { } رواه صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر فأسرع ، ثم دخل البيت فلم يلبث أن خرج ، فقلت : أو قيل له : فقال كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته ) . البخاري
1565 - ( وعن قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { عائشة } رواه ما خالطت الصدقة مالا قط إلا أهلكته الشافعي في تاريخه والبخاري والحميدي ، وزاد قال : { يكون قد وجب عليك في صدقة فلا تخرجها فيهلك الحرام الحلال مالك } وقد احتج به من يرى تعلق الزكاة بالعين )
التالي
السابق
قوله : ( تبرا ) بكسر المثناة وسكون الموحدة : الذهب الذي لم يصف ولم يضرب قال : لا يقال إلا للذهب ، وقد قاله بعضهم في الفضة انتهى . الجوهري
، وأطلقه بعضهم على جميع جواهر الأرض قبل أن تصاغ وتضرب ، حكاه عن ابن الأنباري ، كذا أشار إليه الكسائي قوله : ( أن أبيته ) أي أتركه يبيت عندي قوله : ( فقسمته ) في رواية ابن دريد " فأمرت بقسمته " والحديث الأول يدل على مشروعية المبادرة بإخراج الصدقة البخاري
قال : فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به ، فإن الآفات تعرض والموانع تمنع ، والموت لا يؤمن ، والتسويف غير محمود زاد غيره : وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد من المطل المذموم وأرضى للرب تعالى وأمحى للذنب ، والحديث الثاني : يدل على أن مجرد مخالطة الصدقة لغيرها من الأموال سبب لإهلاكه وظاهره وإن كان الذي خلطها بغيرها من الأموال عازما على إخراجها بعد حين ; لأن التراخي عن الإخراج مما لا يبعد أن يكون سببا لهذه العقوبة ، أعني هلاك المال ، واحتجاج من احتج به على تعلق الزكاة بالعين صحيح ; لأنها لو كانت متعلقة بالذمة لم يستقم هذا الحديث لأنها لا تكون في جزء من أجزاء المال فلا يستقيم اختلاطها بغيرها ولا كونها سببا لإهلاك ما خالطته ابن بطال
باب ما جاء في تعجيلها
1566 - ( عن عليه السلام { علي سأل النبي صلى الله عليه وسلم في [ ص: 178 ] تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك العباس بن عبد المطلب } رواه الخمسة إلا أن ) . النسائي
1567 - ( وعن قال : { أبي هريرة عمر على الصدقة ، فقيل : منع ابن جميل وخالد بن الوليد عم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ينقم وعباس ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ; وأما فإنكم تظلمون خالد ، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله تعالى ; وأما خالدا فهي علي ومثلها معها ; ثم قال : يا العباس أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه ؟ عمر } رواه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحمد وأخرجه ومسلم وليس فيه ذكر البخاري ، ولا ما قيل له في عمر ، وقال فيه " فهي عليه ومثلها معها " قال العباس أبو عبيد : أرى - والله أعلم - أنه أخر عنه الصدقة عامين لحاجة عرضت وللإمام أن يؤخر على وجه النظر ، ثم يأخذه ، ومن روى فهي علي ومثلها ، فيقال : كان تسلف منه صدقة عامين ، ذلك العام والذي قبله ) حديث للعباس أخرجه أيضا علي الحاكم والدارقطني ، فيه اختلاف ذكره والبيهقي ورجح إرساله ، وكذا رجحه الدارقطني أبو داود وقال : لا أدري أثبت أم لا ، يعني هذا الحديث ويشهد له ما أخرجه الشافعي عن البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { علي صدقة عامين العباس } رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا ، ويعضده أيضا حديث إنا كنا احتجنا ، فأسلفنا المذكور بعده قوله : ( ينقم ) بكسر القاف وفتحها والكسر أفصح أبي هريرة وابن جميل هذا قال : لا يعرف اسمه ، لكن وقع في تعليق القاضي ابن الأثير حسين الشافعي وتبعه الروياني أن اسمه عبد الله ، وذكر الشيخ سراج الدين بن الملقن أن بعضهم سماه حميدا ووقع في رواية ابن جريج أبو جهم بن حذيفة بدل ابن جميل وهو خطأ لإطباق الجميع على ابن جميل وقول الأكثر : إنه كان أنصاريا ، وأما أبو جهم بن حذيفة فهو قرشي فافترقا
قوله : ( وأعتاده ) جمع عتاد بفتح العين المهملة بعدها فوقية وبعد الألف دال مهملة ، والأعتاد : آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها ويجمع أيضا على أعتدة ومعنى ذلك أنهم طلبوا من زكاة أعتاده ظنا منهم أنها للتجارة وأن الزكاة فيها واجبة ، فقال لهم : لا زكاة فيها علي ، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن خالد منع الزكاة فقال : إنكم تظلمونه ; لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله تعالى قبل الحول عليها فلا زكاة فيها ، ويحتمل أن يكون المراد : لو وجبت عليه الزكاة لأعطاها ولم يشح بها ; لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعا فكيف يشح بواجب عليه واستنبط بعضهم من هذا وجوب خالدا ، وبه قال جمهور زكاة [ ص: 179 ] التجارة السلف والخلف خلافا وفيه دليل على صحة الوقف وصحة وقف المنقول وبه قالت الأمة بأسرها إلا لداود وبعض أبا حنيفة الكوفيين وقال بعضهم : هذه الصدقة التي منعها ابن جميل وخالد لم تكن زكاة إنما كانت صدقة تطوع ، حكاه القاضي والعباس عياض قال : ويؤيده أن روى هذا الحديث وذكر في روايته { عبد الرزاق } وذكر تمام الحديث قال أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى الصدقة من المالكية : وهذا التأويل أليق بالقصة ، ولا يظن بالصحابة منع الواجب ، وعلى هذا فعذر ابن القصار واضح لأنه أخرج ماله في سبيل الله ، فما بقي له مال يحتمل المواساة بصدقة التطوع ، ويكون خالد ابن جميل شح بصدقة التطوع فعتب عليه وقال في : " هي علي ومثلها معها " أي أنه لا يمتنع إذا طلبت منه ، انتهى كلام العباس ابن القصار قال القاضي عياض : ولكن ظاهر الأحاديث في الصحيحين أنها في الزكاة لقوله : { عمر على الصدقة وإنما كان يبعث في الفريضة } ورجح هذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم النووي قوله : ( فهي علي ومثلها معها ) مما يقوي أن المراد بهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنه تعجل من صدقة عامين ما أخرجه العباس من حديث أبو داود الطيالسي أبي رافع { : إنا كنا تعجلنا صدقة مال لعمر عام الأول العباس } وما أخرجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الطبراني من حديث والبزار { ابن مسعود صدقة عامين العباس } وفي إسناده أنه صلى الله عليه وسلم تسلف من محمد بن ذكوان وهو ضعيف ورواه من حديث البزار عن أبيه نحوه ، في إسناده موسى بن طلحة الحسن بن عمارة وهو متروك ورواه من حديث الدارقطني وفي إسناده ابن عباس مندل بن علي والعزرمي وهما ضعيفان ، والصواب أنه : مرسل ومما يرجح أن المراد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يتحمل ما عليه لأجل امتناعه لكفاه أن يتحمل مثلها من غير زيادة ، وأيضا الحمل على الامتناع فيه سوء ظن بالعباس
والحديثان يدلان على أنه يجوز ولو لعامين ، وإلى ذلك ذهب تعجيل الزكاة قبل الحول الشافعي وأحمد ، وبه قال وأبو حنيفة الهادي والقاسم قال المؤيد بالله : وهو أفضل ، وقال مالك وربيعة وسفيان والثوري وداود وأبو عبيد بن الحارث ، ومن أهل البيت الناصر : إنه لا يجزئ حتى يحول الحول ، واستدلوا بالأحاديث التي فيها تعليق الوجوب بالحول وقد تقدم وتسليم ذلك لا يضر من قال بصحة التعجيل ; لأن الوجوب متعلق بالحول فلا نزاع وإنما النزاع في الإجزاء قبله
، وأطلقه بعضهم على جميع جواهر الأرض قبل أن تصاغ وتضرب ، حكاه عن ابن الأنباري ، كذا أشار إليه الكسائي قوله : ( أن أبيته ) أي أتركه يبيت عندي قوله : ( فقسمته ) في رواية ابن دريد " فأمرت بقسمته " والحديث الأول يدل على مشروعية المبادرة بإخراج الصدقة البخاري
قال : فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به ، فإن الآفات تعرض والموانع تمنع ، والموت لا يؤمن ، والتسويف غير محمود زاد غيره : وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد من المطل المذموم وأرضى للرب تعالى وأمحى للذنب ، والحديث الثاني : يدل على أن مجرد مخالطة الصدقة لغيرها من الأموال سبب لإهلاكه وظاهره وإن كان الذي خلطها بغيرها من الأموال عازما على إخراجها بعد حين ; لأن التراخي عن الإخراج مما لا يبعد أن يكون سببا لهذه العقوبة ، أعني هلاك المال ، واحتجاج من احتج به على تعلق الزكاة بالعين صحيح ; لأنها لو كانت متعلقة بالذمة لم يستقم هذا الحديث لأنها لا تكون في جزء من أجزاء المال فلا يستقيم اختلاطها بغيرها ولا كونها سببا لإهلاك ما خالطته ابن بطال
باب ما جاء في تعجيلها
1566 - ( عن عليه السلام { علي سأل النبي صلى الله عليه وسلم في [ ص: 178 ] تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك العباس بن عبد المطلب } رواه الخمسة إلا أن ) . النسائي
1567 - ( وعن قال : { أبي هريرة عمر على الصدقة ، فقيل : منع ابن جميل وخالد بن الوليد عم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ينقم وعباس ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ; وأما فإنكم تظلمون خالد ، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله تعالى ; وأما خالدا فهي علي ومثلها معها ; ثم قال : يا العباس أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه ؟ عمر } رواه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحمد وأخرجه ومسلم وليس فيه ذكر البخاري ، ولا ما قيل له في عمر ، وقال فيه " فهي عليه ومثلها معها " قال العباس أبو عبيد : أرى - والله أعلم - أنه أخر عنه الصدقة عامين لحاجة عرضت وللإمام أن يؤخر على وجه النظر ، ثم يأخذه ، ومن روى فهي علي ومثلها ، فيقال : كان تسلف منه صدقة عامين ، ذلك العام والذي قبله ) حديث للعباس أخرجه أيضا علي الحاكم والدارقطني ، فيه اختلاف ذكره والبيهقي ورجح إرساله ، وكذا رجحه الدارقطني أبو داود وقال : لا أدري أثبت أم لا ، يعني هذا الحديث ويشهد له ما أخرجه الشافعي عن البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { علي صدقة عامين العباس } رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا ، ويعضده أيضا حديث إنا كنا احتجنا ، فأسلفنا المذكور بعده قوله : ( ينقم ) بكسر القاف وفتحها والكسر أفصح أبي هريرة وابن جميل هذا قال : لا يعرف اسمه ، لكن وقع في تعليق القاضي ابن الأثير حسين الشافعي وتبعه الروياني أن اسمه عبد الله ، وذكر الشيخ سراج الدين بن الملقن أن بعضهم سماه حميدا ووقع في رواية ابن جريج أبو جهم بن حذيفة بدل ابن جميل وهو خطأ لإطباق الجميع على ابن جميل وقول الأكثر : إنه كان أنصاريا ، وأما أبو جهم بن حذيفة فهو قرشي فافترقا
قوله : ( وأعتاده ) جمع عتاد بفتح العين المهملة بعدها فوقية وبعد الألف دال مهملة ، والأعتاد : آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها ويجمع أيضا على أعتدة ومعنى ذلك أنهم طلبوا من زكاة أعتاده ظنا منهم أنها للتجارة وأن الزكاة فيها واجبة ، فقال لهم : لا زكاة فيها علي ، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن خالد منع الزكاة فقال : إنكم تظلمونه ; لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله تعالى قبل الحول عليها فلا زكاة فيها ، ويحتمل أن يكون المراد : لو وجبت عليه الزكاة لأعطاها ولم يشح بها ; لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعا فكيف يشح بواجب عليه واستنبط بعضهم من هذا وجوب خالدا ، وبه قال جمهور زكاة [ ص: 179 ] التجارة السلف والخلف خلافا وفيه دليل على صحة الوقف وصحة وقف المنقول وبه قالت الأمة بأسرها إلا لداود وبعض أبا حنيفة الكوفيين وقال بعضهم : هذه الصدقة التي منعها ابن جميل وخالد لم تكن زكاة إنما كانت صدقة تطوع ، حكاه القاضي والعباس عياض قال : ويؤيده أن روى هذا الحديث وذكر في روايته { عبد الرزاق } وذكر تمام الحديث قال أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى الصدقة من المالكية : وهذا التأويل أليق بالقصة ، ولا يظن بالصحابة منع الواجب ، وعلى هذا فعذر ابن القصار واضح لأنه أخرج ماله في سبيل الله ، فما بقي له مال يحتمل المواساة بصدقة التطوع ، ويكون خالد ابن جميل شح بصدقة التطوع فعتب عليه وقال في : " هي علي ومثلها معها " أي أنه لا يمتنع إذا طلبت منه ، انتهى كلام العباس ابن القصار قال القاضي عياض : ولكن ظاهر الأحاديث في الصحيحين أنها في الزكاة لقوله : { عمر على الصدقة وإنما كان يبعث في الفريضة } ورجح هذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم النووي قوله : ( فهي علي ومثلها معها ) مما يقوي أن المراد بهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنه تعجل من صدقة عامين ما أخرجه العباس من حديث أبو داود الطيالسي أبي رافع { : إنا كنا تعجلنا صدقة مال لعمر عام الأول العباس } وما أخرجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الطبراني من حديث والبزار { ابن مسعود صدقة عامين العباس } وفي إسناده أنه صلى الله عليه وسلم تسلف من محمد بن ذكوان وهو ضعيف ورواه من حديث البزار عن أبيه نحوه ، في إسناده موسى بن طلحة الحسن بن عمارة وهو متروك ورواه من حديث الدارقطني وفي إسناده ابن عباس مندل بن علي والعزرمي وهما ضعيفان ، والصواب أنه : مرسل ومما يرجح أن المراد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يتحمل ما عليه لأجل امتناعه لكفاه أن يتحمل مثلها من غير زيادة ، وأيضا الحمل على الامتناع فيه سوء ظن بالعباس
والحديثان يدلان على أنه يجوز ولو لعامين ، وإلى ذلك ذهب تعجيل الزكاة قبل الحول الشافعي وأحمد ، وبه قال وأبو حنيفة الهادي والقاسم قال المؤيد بالله : وهو أفضل ، وقال مالك وربيعة وسفيان والثوري وداود وأبو عبيد بن الحارث ، ومن أهل البيت الناصر : إنه لا يجزئ حتى يحول الحول ، واستدلوا بالأحاديث التي فيها تعليق الوجوب بالحول وقد تقدم وتسليم ذلك لا يضر من قال بصحة التعجيل ; لأن الوجوب متعلق بالحول فلا نزاع وإنما النزاع في الإجزاء قبله