الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 610 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وما سوى ذلك من النجاسات ينظر فيه فإن كانت جامدة كالعذرة أزيلت ثم غسل موضعها على ما نبينه إن شاء الله - تعالى - وإن كانت ذائبة كالبول والدم والخمر فإنه يستحب [ أن يغسل ] منه ثلاثا ; لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9619إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده } فندب صلى الله عليه وسلم إلى الثلاث للشك في النجاسة ، فدل على أن ذلك يستحب إذا تيقن ، ويجوز الاقتصار على [ غسل ] مرة ; لما روى nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=28457كانت الصلاة خمسين ، والغسل من الجنابة سبع مرات ، وغسل الثوب من البول سبع مرات ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسا ، والغسل من الجنابة مرة ، وغسل الثوب من البول مرة } والغسل الواجب من ذلك أن تكاثر النجاسة بالماء حتى تستهلك فيه ، فإن كانت النجاسة على الأرض أجزأته المكاثرة ; لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=1912أمر في بول الأعرابي بذنوب من ماء } وإنما أمر بالذنوب ; لأن ذلك يغمر النجاسة وتستهلك فيه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13785أبو سعيد الإصطخري وأبو القاسم الأنماطي : الذنوب تقدير فيجب في بول واحد ذنوب ، وفي بول اثنين ذنوبان ، والمذهب : أن ذلك ليس بتقدير ; لأن ذلك يؤدي إلى أن يطهر البول الكثير من رجل بذنوب ، وما دون ذلك من رجلين لا يطهر إلا بذنوبين وإن nindex.php?page=treesubj&link=25645_25646كانت النجاسة على الثوب ففيه وجهان : ( أحدهما ) يجزئه المكاثرة كالأرض ( والثاني ) : لا يجزئه حتى يعصر ; لأنه يمكن عصره بخلاف الأرض ، والأول أصح .
وإن nindex.php?page=treesubj&link=25938_27979كانت النجاسة في إناء فيه شيء ، فوجهان : ( أحدهما ) : يجزئ فيه المكاثرة كالأرض ( والثاني ) : لا يجزئ حتى يراق ما فيه ثم يغسل لقوله صلى الله عليه وسلم في الكلب يلغ في الإناء : { nindex.php?page=hadith&LINKID=24821فليهرقه ثم ليغسله سبع مرات } ) .
أما الأحاديث فالأول حديث : " إذا استيقظ أحدكم " رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بلفظه من رواية nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه وأصله في الصحيحين وقد سبق بيانه وما يتعلق به من الفوائد في أول صفة الوضوء ، وينكر على المصنف قوله فيه : روي بصيغة تمريض ، وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما فرواه أبو داود ولم يضعفه ، لكن في إسناده nindex.php?page=showalam&ids=12344أيوب بن جابر وقد اختلفوا في تضعيفه .
وأما حديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=1912أمر النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 611 ] أن يصبوا على بول الأعرابي ذنوبا } فرواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من طرق من رواية nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا بمعناه من رواية nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وأما حديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=24821فليهرقه ثم ليغسله سبع مرات } فصحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وقد قدمناه في مواضع من هذا الباب ، وقوله : يلغ هو بفتح اللام كما سبق بيانه .
أما المسائل ( فإحداها ) : nindex.php?page=treesubj&link=25646_1346_608الأعيان النجسة كالميتة والروث وغيرهما لا يطهر بالغسل بل إذا وقعت على طاهر ونجس لا يمكن تطهيره حتى تزول عين النجاسة ، وهكذا إذا اختلطت هذه النجاسات بتراب وغيره فصب عليه الماء لم يطهر ، قال أصحابنا : ولا طريق إلى طهارة هذه الأرض إلا بأن يحفر ترابها ويرمى ، فلو ألقى عليها ترابا طاهرا أو طينها صحت الصلاة عليها .
( الثانية ) : nindex.php?page=treesubj&link=613_608_25938إذا كانت النجاسة ذائبة كأثر البول والدم والخمر وغيرها استحب غسلها ثلاث مرات ، والواجب مرة واحدة ، ودليلهما ما ذكره المصنف ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل رواية أنه يجب غسل النجاسة كلها سبع مرات كالكلب ; ودليلنا حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وهو صريح في المرة وإطلاق الأحاديث الصحيحة المشهورة كحديث غسل دم الحيض : { nindex.php?page=hadith&LINKID=40730وصبوا عليه ذنوبا من ماء } وغير ذلك ، وبمذهبنا قال الجمهور ، قال أصحابنا : فإن لم يزل عين الدم أو طعمه أو طعم سائر النجاسات إلا بغسلات كفاه زوال العين ، ويستحب بعد ذلك غسله ثانية وثالثة لحديث : " إذا استيقظ أحدكم " ( الثالثة ) : الواجب في nindex.php?page=treesubj&link=608_25646إزالة النجاسة الذائبة من الأرض المكاثرة بالماء ، بحيث تستهلك فيه وتطهر الأرض بمجرد ذلك وإن لم ينصب الماء ، سواء كانت الأرض صلبة أم رخوة ، هذا هو الصحيح وفيه وجه أنها لا تطهر حتى ينصب ، حكاه الخراسانيون بناء على اشتراط العصر في الثوب ، ووجه حكاه الخراسانيون وجماعة من العراقيين أنه يشترط كون الماء المصبوب سبعة أمثال البول ، ووجه أنه يشترط في بول كل رجل ذنوب من ماء ، فلو كان مائة ، وجب مائة ذنوب وهذا الوجه هو الذي حكاه المصنف عن الأنماطي والإصطخري .
وهذه الأوجه كلها ضعيفة والمذهب الأول .
وأما نص [ ص: 612 ] nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله أنه يصب على البول سبعة أضعافه ، وقوله : وإن بال اثنان لم يطهر إلا بذنوبين محمول على ما إذا لم تحصل المكاثرة إلا بذلك أو على الاستحباب والاحتياط ، ولا يشترط جفاف الأرض بلا خلاف كما لا يشترط جفاف الثوب بلا خلاف ، وإن شرطنا العصر قال أصحابنا : ولو وقع على الأرض والثوب وغيرهما ماء المطر حصلت الطهارة بلا خلاف قال أصحابنا : ثم الخمر والبول والدم وسائر النجاسات الذائبة حكمها ما ذكرنا ، هذا مذهبنا ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود والجمهور .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة - رحمه الله : إن كانت الأرض رخوة ينزل الماء فيها أجزأه صبه عليها ، وإن كانت صلبة لم يجزئه إلا حفرها ونقل ترابها ، دليلنا حديث بول الأعرابي في المسجد وصب الذنوب عليه ، وأما الحديث الوارد في الأمر بحفره فضعيف .
( الرابعة ) : إذا nindex.php?page=treesubj&link=608_25645كانت النجاسة على ثوب ونحوه فالواجب المكاثرة بالماء ، وفيه وجه سبعة الأمثال الذي سبق وليس بشيء ، وفي اشتراط العصر وجهان أصحهما : لا يشترط بل يطهر في الحال ، وهما مبنيان على الخلاف في طهارة غسالة النجاسة .
والأصح طهارتها إذا انفصلت غير متغيرة وقد طهر المحل ; ولهذا كان الأصح أنه لا يشترط العصر .
فإن شرطناه لم يحكم بطهارة الثوب ما دام الماء فيه ، فإن عصره طهر حينئذ ، وإن لم يعصره حتى جف فهل يطهر ؟ وجهان حكاهما الخراسانيون الصحيح يطهر ; لأنه أبلغ في زوال الماء .
والثاني : لا يطهر ; لأن الماء الذي وجبت إزالته باق ، ولأن وجوب العصر مفرع على نجاسة الغسالة ، وهي باقية في الثوب حكما ، وهذا ضعيف ، والمعتمد الجزم بالطهارة ولو عصره وبقيت رطوبة فهو طاهر بلا خلاف .
( الخامسة ) : إذا nindex.php?page=treesubj&link=608_25647_463كانت النجاسة مائعا في إناء فصب عليه ماء غمره ولم يرقه فهل يطهر الإناء وما فيه ؟ فيه وجهان ذكرهما المصنف بدليلهما وهما مشهوران ، الصحيح منهما : لا يطهر .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=608_465_25645غمس الثوب النجس في إناء دون قلتين من الماء فوجهان : الصحيح ، وبه قطع الجمهور : ينجس الماء ولا يطهر الثوب ، وقال ابن سريج : يطهر الثوب ولا ينجس الماء ، ولو ألقت الريح الثوب في الماء وهو دون القلتين نجس الماء ، ولم يطهر الثوب بلا خلاف ، [ ص: 613 ] ووافق ابن سريج على النجاسة هنا ، واستدلوا بهذا على اشتراطه النية في إزالة النجاسة ، وأنكر إمام الحرمين والغزالي وغيرهما هذا الاستدلال .
( السادسة ) : إذا nindex.php?page=treesubj&link=463_25647كان داخل الإناء متنجسا فصب فيه ماء غمر النجاسة ، فهل يطهر في الحال قبل إراقة الغسالة ؟ وجهان بناء على اشتراط العصر أصحهما الطهارة كالأرض ، والله أعلم .