الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين أنه في محل نصب عطفا على معمول سخرنا أي : وسخرنا له من يغوصون له من الشياطين . وقيل : " من " مبتدأ ، والجار والمجرور قبله خبره .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه سخر لسليمان من يغوصون له من الشياطين ، أي : يغوصون له في البحار فيستخرجون له منها الجواهر النفيسة ، كاللؤلؤ والمرجان . والغوص : النزول تحت الماء ، والغواص : الذي يغوص البحر ليستخرج منه اللؤلؤ ونحوه . ومنه قول نابغة ذبيان :


                                                                                                                                                                                                                                      أو درة صدفية غواصها بهج متى يرها يهل ويسجد

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أيضا أن الشياطين المسخرين له يعملون له عملا دون ذلك ، أي : سوى ذلك الغوص المذكور ، أي : كبناء المدائن ، والقصور ، وعمل المحاريب ، والتماثيل ، والجفان ، والقدور الراسيات ، وغير ذلك من اختراع الصنائع العجيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله في هذه الآية الكريمة : وكنا لهم حافظين أي : من أن يزيغوا عن أمره ، أو يبدلوا أو يغيروا ، أو يوجد منهم فساد فيما هم مسخرون فيه . وهذه المسائل الثلاث التي تضمنتها هذه الآية الكريمة جاءت مبينة في غير هذا الموضع ، كقوله في الغوص والعمل سواء : والشياطين كل بناء وغواص الآية [ 38 \ 37 ] وقوله في العمل غير الغوص : ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه [ 34 \ 12 ] وقوله : يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات [ 34 \ 13 ] وكقوله في حفظهم من أن يزيغوا عن أمره : ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير [ 34 \ 12 ] [ ص: 237 ] وقوله : وآخرين مقرنين في الأصفاد [ 38 \ 38 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وصفة البساط ، وصفة حمل الريح له ، وصفة جنود سليمان من الجن والإنس والطير كل ذلك مذكور بكثرة في كتب التفسير ، ونحن لم نطل به الكلام في هذا الكلام المبارك .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية