الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 420 ] مسألة :

                                                                                                                                                                                          وفرض على كل آخذ حظه من المقسوم أن يعطي منه من حضر القسمة من ذوي قربى أو مسكين ما طابت به نفسه ، ويعطيه الولي عن الصغير ، والمجنون ، والغائب ، لقول الله تعالى : { وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } .

                                                                                                                                                                                          وأمر الله تعالى فرض حتى يأتي نص ثابت بأنه ليس فرضا وإلا فقول من قال : لا يلزم إنفاذ أمر الله تعالى لخصوص ادعاه ، أو نسخ زعمه ، أو لندب أطلقه بظنه قول ساقط مردود فاسد فاحش ، إلا أن يخبرنا بشيء من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعا وطاعة ، لأنه المبلغ عن الله تعالى أحكامه ، وأما من دونه فلا .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن يونس - هو ابن عبيد - ومنصور بن المعتمر ، والمغيرة بن مقسم قال يونس ، ومنصور عن الحسن ، وقال المغيرة : عن إبراهيم ، ثم اتفق الحسن وإبراهيم ، قالا جميعا في قول الله تعالى : { وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } هي محكمة وليست بمنسوخة .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى هشيم عن عوف - هو ابن أبي جميلة - عن ابن سيرين قال : كانوا [ ص: 421 ] يرضخون لهم إذا حضر أحدهم القسمة ، وابن سيرين أدرك الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أحمد بن محمد بن إسماعيل الصفار النحوي نا جعفر بن مجاشع نا إبراهيم بن إسحاق نا عبد الله نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان - هو الثوري - عن ابن أبي نجيح عن مجاهد { وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } قال : هي واجبة عند قسمة الميراث ما طابت به أنفسهم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في هذه الآية قال : هي محكمة ما طابت به أنفسهم عند أهل الميراث ، فإن قيل : قد روي عن الضحاك وابن المسيب ، وابن عباس أنها منسوخة ، وقال قوم : إنها ندب ؟ قلنا : أما الاحتجاج بقول ابن المسيب ، والضحاك فقول يستغنى عن تكلف الرد عليه بأكثر من إيراده فكيف وقد خالفهما : الحسن ، وابن سيرين ، والنخعي ، والزهري ، ومجاهد ، وغيرهم ؟ وأما ابن عباس فما قول أحد حجة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف وقد جاء عن ابن عباس خلاف هذا ؟ كما روينا من طريق أحمد بن محمد بن إسماعيل الصفار النجوي نا بكر بن سهل نا أبو صالح نا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } قال : أمر الله عز وجل عند قسمة مواريثهم أن يصلوا أرحامهم ويتاماهم ومساكينهم من الوصية ، فإن لم تكن وصية وصل لهم من الميراث ، وقد حكم بهذه الآية في ميراث عبد الرحمن بن أبي بكر بعلم عائشة أم المؤمنين فلم تنكر ذلك .

                                                                                                                                                                                          ولا عجب أعجب ممن يأتي إلى ما قد صح عن ابن عباس من أن قول الله تعالى : { فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } منسوخ بقوله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } فلا يلتفت إليه - وهو قول قد صح برهانه بإنكار الله تعالى حكم الجاهلية .

                                                                                                                                                                                          وكل ما خالف دين الإسلام فهو حكم جاهلية سواء كان مفترى من أهله أو كان من عند الله تعالى ثم نسخه بغيره ، كالصلاة إلى بيت المقدس ، وتربص المتوفى عنها حولا ، والتزام السبت ، وغير ذلك ، ثم يأتي فيحتج بقول جاء عن ابن عباس في هذه الآية قد [ ص: 422 ] جاء عنه خلافه ، وهذا هو اتباع الهوى والتحكم بالباطل في دين الله عز وجل ; ولئن كان قول ابن عباس المختلف عنه فيه هاهنا حجة فأحرى أن يكون حجة حيث لم يختلف عنه ، وإن كان ليس قوله هنالك حجة فليس هاهنا حجة .

                                                                                                                                                                                          ثم إن قول القائل : هذه الآية منسوخة أو غير واجبة قول لا يحل اتباعه لأنه دعوى بلا برهان ونهي عن اتباع أمر الله تعالى وأمر رسوله عليه السلام بلا برهان أو إباحة لمخالفتهما كذلك ، وكل ذلك باطل متيقن إلا بنص ثابت من قرآن ، أو سنة - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية