الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1253 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          ويقسم كل شيء سواء أرضا كان ، أو دارا صغيرة ، أو كبيرة ، أو حماما ، أو ثوبا ، أو سيفا ، أو لؤلؤة ، أو غير ذلك ، إذا لم يكن بينهما مال مشترك سواه حاشا الرأس الواحد من الحيوان ، والمصحف فلا يقسم أصلا ، لكن يكون بينهم يؤاجرونه ويقتسمون أجرته ، أو يخدمهم أياما معلومة .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : قول الله تعالى : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } إلى قوله تعالى : { مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا } .

                                                                                                                                                                                          وقال قوم : إن لم ينتفع واحد من الشركاء بما يقع له وانتفع سائرهم : لم يقسم - وقال آخرون : إن انتفع بما يقع له واحد منهم أجبروا على القسمة وإن لم ينتفع الآخرون - وقال قوم : إن استضر أحدهم بالقسمة في انحطاط قيمة نصيبه لم يقسم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذه أقوال فاسدة متناقضة ، لا يدل على صحة شيء منها قرآن ، ولا سنة ، ولا قياس ، ولا رأي سديد - : أما من منع من القسمة إن كان فيهم واحد لا ينتفع بما يقع له فقد عجل الضرر لغيره منهم بمنعه من أخذ حقه والتصرف فيه بما يشاء ، فما الذي جعل ضرر زيد مباحا خوف أن يستضر عمرو ؟ وكذلك يقال لمن راعى انحطاط قيمة حصة أحدهم بالقسمة . [ ص: 424 ] وأما تناقضهم فإنهم لا يختلفون في قسمة الأرض الواسعة - وإن انحطت قيمة بعض الحصص انحطاطا ظاهرا - فظهر تناقضهم .

                                                                                                                                                                                          وفي المسألة التي قبل هذه زيادة في بيان فساد أقوالهم غنينا عن تكرارهما ولا فرق بين قسمة السيف ، واللؤلؤة ، والثوب ، والسفينة ، وبين قسمة الدار ، والحمام ، والأرض ، وقد ينتفع المرء بكل ما يقع له من ذلك ، وقد ينحط النصيب من الأرض ، والدار ، من قيمته المئين من الدنانير أضعاف ما ينحط النصيب من السيف ، والثوب ، واللؤلؤة .

                                                                                                                                                                                          ومالك ، والشافعي : يبيحان قسمة الحمام إذا دعا إلى ذلك أحدهما وإن لم ينتفع شريكه بما يقع له من ذلك - وأبو حنيفة : يرى ذلك إذا اتفقا عليه .

                                                                                                                                                                                          وقد يسقط في هذا من القيمة ، ويبطل من المنفعة ما لا يسقط من اللؤلؤة إذا قسمت ، والسيف إذا قسم ، ولا سبيل إلى وجود قول صاحب بخلاف هذا ، فكيف دعوى الإجماع بالباطل ؟ فظهر فساد نظرهم وبطل احتياطهم بإباحتهم في موضع ما منعوا منه في آخر .

                                                                                                                                                                                          وأما الرأس الواحد من الحيوان : فإن كان إنسانا فتفصيل أعضائه حرام ، وإن كان مما لا يؤكل لحمه كالحمار ، والكلب ، والسنور ، فقتله حرام ، وذبحه لا يكون ذكاة ، فهو إضاعة للمال ، ومعصية مجردة ، وإن كان مما يؤكل لحمه لم يحل ذبحه بغير إذن كل من له فيه ملك ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فلا يحل لأحد ذبح حصة شريكه بغير إذنه إلا أن يرى به موت فيبادر بذبحه ، لأن تركه ميتة إضاعة للمال ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال .

                                                                                                                                                                                          وأما المصحف : فلا يحل تقطيعه ولا تفريق أوراقه ، لأن رتبة كتاب الله منزلة من عنده فلا تحال - وقد روينا عن مجاهد : لا يقسم المصحف .

                                                                                                                                                                                          واحتج المانعون من هذا بخبر فيه { لا تعضية على أهل الميراث إلا فيما احتمل القسم } وهذا خبر مرسل رويناه من طريق ابن وهب عن ابن جريج عن صديق بن موسى [ ص: 425 ] عن محمد بن أبي بكر بن محمد عمرو بن حزم عن أبيه .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح لكان حجة لنا لأن " التعضية " مأخوذة من قسمة الأعضاء وإنما الأعضاء للحيوان فقط .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية