الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن طبخ اللبن الذي خلط بطينة السرجين لا يطهر ; لأن النار لا تطهر النجاسة ، وقال أبو الحسن بن المرزبان : إذا غسل طهر ظاهره ، فتجوز الصلاة عليه ولا تجوز الصلاة فيه ; لأن ما فيه من السرجين كالزئبر [ في الثوب ] فيحترق بالنار ، ولهذا يتثقب موضعه فإذا غسل طهر فجازت الصلاة عليه ، والمذهب الأول ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : قال أصحابنا : اللبن النجس ضربان مختلط بنجاسة جامدة ، كالروث والعذرة وعظام الميتة ، وغير مختلط بها ، فالمختلط نجس لا طريق إلى تطهيره ; لأن الأعيان النجسة لا تطهر بالغسل ، وهذا فيه عين نجسة فإن طبخ أي أحرق فالمذهب : أنه لا يطهر ، وبه قطع الجمهور وخرج أبو زيد والخضري وآخرون قولا : أن النار تؤثر فيطهر خرجوه من القول القديم أن الأرض تطهر بالشمس .

                                      قالوا : فالنار أبلغ ، فعلى قول الجمهور لو غسل لم يطهر على الصحيح المنصوص ، وقال ابن المرزبان والقفال : يطهر ظاهره واختاره ابن الصباغ .

                                      قال صاحب البيان : فإذا قلنا : إنه لا يطهر بالإحراق فكسر منه موضع فما ظهر بالكسر نجس لا يطهر بالغسل [ ص: 618 ] وتصح الصلاة على ما لم يكسر منه ولكنها مكروهة كما لو صلى في مقبرة غير منبوشة لكونها مدفن النجاسة قال الشافعي والأصحاب : ويكره أن يبني به مسجدا .

                                      قال القاضي أبو الطيب : لا يجوز أن يبني به مسجدا ولا يفرش به فإن فرش به وصلى عليه لم تصح صلاته فإن بسط عليه شيئا صحت مع الكراهة ، ولو حمله مصل في صحة صلاته الوجهان فيمن حمل قارورة فيها نجاسة وسد رأسها بنحاس الصحيح أنه لا تصح صلاته .

                                      ( والضرب الثاني ) : غير المختلط بنجاسة جامدة ، كالمعجون ببول أو بماء نجس أو خمر فيطهر ظاهره بإفاضة الماء عليه ويطهر باطنه بأن ينقع في الماء حتى يصل إلى جميع أجزائه كما لو عجن عجين بماء نجس ، فلو طبخ هذا اللبن طهر - على تخريج أبي زيد - ظاهره ، وكذا باطنه على الأصح ، وأما على المذهب وقول الجمهور فهو باق على نجاسته ويطهر - بالغسل - ظاهره دون باطنه ، وإنما يطهر باطنه بأن يدق حتى يصير ترابا ثم يفاض الماء عليه ، فلو كان بعد الطبخ رخوا لا يمنع نفوذ الماء فهو كما قبل الطبخ .

                                      وقول المصنف : كالزئبر هو بزاي مكسورة ثم همزة ثم باء موحدة مكسورة على المشهور عند أهل اللغة . قال الجوهري : ويقال بضم الباء وهو ما يعلو الثوب الجديد كالزغب وقوله : قال ابن المرزبان : هو بميم مفتوحة ثم راء ساكنة ثم زاي مضمومة ثم باء موحدة ، والمرزبان بالفارسية وهو معرب وهو زعيم فلاحي العجم وجمعه مرازبة ، ذكر هذا كله الجوهري في صحاحه .

                                      وابن المرزبان هذا هو أبو الحسن علي بن أحمد المرزبان البغدادي صاحب ابن القطان ، تفقه عليه الشيخ أبو حامد ، كان إماما في المذهب ورعا ، قال : ما أعلم أن لأحد علي مظلمة .

                                      وهو يعلم أن الغيبة مظلمة ، توفي في رجب سنة ست وستين وثلاثمائة ، ذكرت أحواله في الطبقات والتهذيب .




                                      الخدمات العلمية