الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ) .

أي ( قل ) يا محمد للكافرين هل نخبركم . الآية ، فإذا طلبوا ذلك فقل لهم ( أولئك الذين كفروا ) والأخسرون أعمالا عن علي هم الرهبان كقوله ( عاملة ناصبة ) . وعن مجاهد : هم أهل الكتاب . وقيل : هم الصابئون . وسأل ابن الكواء عليا عنهم فقال : منهم أهل حروراء . وينبغي حمل هذه الأقوال على [ ص: 167 ] التمثيل على الحصر إذ الأخسرون أعمالا هم كل من دان بدين غير الإسلام ، أو راءى بعمله ، أو أقام على بدعة تئول به إلى الكفر ، والأخسر من أتعب نفسه فأدى تعبه به إلى النار . وانتصب ( أعمالا ) على التمييز وجمع ؛ لأن أعمالهم في الضلال مختلفة وليسوا مشتركين في عمل واحد و ( الذين ) يصح رفعه على أنه خبر مبتدإ محذوف ، أي : هم ( الذين ) وكأنه جواب عن سؤال ، ويجوز نصبه على الذم وخبره على الوصف أو البدل ( ضل سعيهم ) ، أي : هلك وبطل وذهب و ( يحسبون ) و ( يحسنون ) من تجنيس التصحيف وهو أن يكون النقط فرقا بين الكلمتين . ومنه قول أبي عبادة البحتري :


ولم يكن المغتر بالله إذ سرى ليعجز والمعتز بالله طالبه



ومن غريب هذا النوع من التجنيس . قال الشاعر :


سقينني ربي وغنينني بحت     بحبي حين بن الخرد



صحف بقوله :

سقيتني ربي وغنيتني     بحب يحيى بن الجرد



وقرأ ابن عباس وأبو السمال ( فحبطت ) بفتح الباء والجمهور بكسرها . وقرأ الجمهور ( فلا نقيم ) بالنون ( وزنا ) بالنصب ومجاهد وعبيد بن عمير ( فلا يقيم ) بالياء لتقدم قوله ( بآيات ربهم ) وعن عبيد أيضا ( يقوم ) بفتح الياء كأنه جعل قام متعديا . وعن مجاهد وابن محيصن ويعقوب بخلاف عنهم : فلا يقوم مضارع قام ( وزن ) مرفوع به . واحتمل قوله ( فلا نقيم ) إلا به أنهم لا حسنة لهم توزن في موازين القيامة ، ومن لا حسنة له فهو في النار . واحتمل أن يريد المجاز كأنه قال : فلا قدر لهم عندنا يومئذ .

وفي الحديث : " يؤتى بالأكول الشروب الطويل فلا يزن جناح بعوضة " ثم قرأ ( فلا نقيم ) الآية . وفي الحديث أيضا : " يأتي ناس بأعمال يوم القيامة هي عندهم في العظم كجبال تهامة فإذا وزنوها لم تزن شيئا " .

( ذلك جزاؤهم ) مبتدأ وخبر و ( جهنم ) بدل و ( ذلك ) إشارة إلى ترك إقامة الوزن ، ويجوز أن يشار بذلك وإن كان مفردا إلى الجمع فيكون بمعنى أولئك ويكون ( جزاؤهم جهنم ) مبتدأ وخبرا . وقال أبو البقاء : ( ذلك ) ، أي : الأمر ذلك وما بعده مبتدأ وخبر ، ويجوز أن يكون ( ذلك ) مبتدأ و ( جزاؤهم ) مبتدأ ثان و ( جهنم ) خبره . والجملة خبر الأول والعائد محذوف ، أي : جزاؤه انتهى . ويحتاج هذا التوجيه إلى نظر قال : ويجوز أن يكون ( ذلك ) مبتدأ و ( جزاؤهم ) بدل أو عطف بيان و ( جهنم ) الخبر . ويجوز أن يكون ( جهنم ) بدلا من جزاء أو خبر لابتداء محذوف ، أي : هو جهنم و ( بما كفروا ) خبر ذلك ، ولا يجوز أن تتعلق الباء بـ ( جزاؤهم ) للفصل بينهما و ( اتخذوا ) يجوز أن يكون معطوفا على ( كفروا ) وأن يكون مستأنفا انتهى . والآيات هي المعجزات الظاهرة على أيدي الأنبياء ، والصحف الإلهية المنزلة عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية