[ ص: 118 ] nindex.php?page=treesubj&link=18580_30481شفقة التاجر على دينه :
لا ينبغي للتاجر أن يشغله معاشه عن معاده فيكون عمره ضائعا وصفقته خاسرة ، وما يفوته من الربح في الآخرة لا يفي به ما ينال في الدنيا ، فيكون ممن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة ، بل العاقل ينبغي أن يشفق على نفسه ، وشفقته على نفسه بحفظ رأس ماله ، ورأس ماله دينه وتجارته فيه ، وإنما تتم شفقته على دينه بمراعاة سبعة أمور :
الأول : حسن النية في ابتداء التجارة ، فلينو بها الاستعفاف عن السؤال وكف الطمع عن الناس استغناء بالحلال عنهم واستعانة بما يكسبه على الدين وقياما بكفاية العيال ليكون من جملة المجاهدين به .
ولينو النصح للمسلمين وأن يحب لسائر الخلق ما يحب لنفسه ، ولينو اتباع طريق العدل والإحسان في معاملته كما ذكرناه ، ولينو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل ما يراه في السوق .
فإذا أضمر هذه النيات كان عاملا في طريق الآخرة ، فإن استفاد مالا فهو مزيد ، وإن خسر في الدنيا ربح في الآخرة .
الثاني : أن يقصد القيام في صنعته أو تجارته بفرض من فروض الكفايات ، فإن الصناعات والتجارات لو تركت بطلت المعايش وهلك أكثر الخلق ، فانتظام أمر الكل بتعاون الكل وتكفل كل فريق بعمل ، ومن الصناعات ما هي مهمة ، ومنها ما يستغنى عنها لرجوعها إلى طلب التنعم والتزين في الدنيا ، فليشتغل بصناعة مهمة ليكون لقيامه بها كافيا عن المسلمين مهما في الدين .
الثالث : أن لا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة ، وأسواق الآخرة المساجد ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=37رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) [ النور : 37 ] وكان السلف يبتدرون عند الأذان ، ويخلون الأسواق لأهل الذمة والصبيان .
الرابع : أن لا يقتصر على هذا بل يلازم ذكر الله سبحانه في السوق ويشتغل بالتهليل والتسبيح ، فذكر الله في السوق بين الغافلين أفضل .
الخامس : أن لا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة ، وذلك بأن يكون أول داخل وآخر خارج .
السادس : أن لا يقتصر على اجتناب الحرام بل يتقي مواقع الشبهات ومظان الريب ويستفتي قلبه ، فإذا وجد فيه حزازة اجتنبه ، وإذا حمل إليه سلعة رابه أمرها سأل عنها ، وكل منسوب إلى ظلم أو خيانة أو سرقة أو ربا فلا يعامله .
السابع : ينبغي أن يراقب جميع مجاري معاملته مع كل واحد من معامليه فإنه مراقب ومحاسب فليعد الجواب ليوم الحساب .
[ ص: 118 ] nindex.php?page=treesubj&link=18580_30481شَفَقَةُ التَّاجِرِ عَلَى دِينِهِ :
لَا يَنْبَغِي لِلتَّاجِرِ أَنْ يَشْغَلَهُ مَعَاشُهُ عَنْ مَعَادِهِ فَيَكُونَ عُمْرُهُ ضَائِعًا وَصَفْقَتُهُ خَاسِرَةً ، وَمَا يَفُوتُهُ مِنَ الرِّبْحِ فِي الْآخِرَةِ لَا يَفِي بِهِ مَا يَنَالُ فِي الدُّنْيَا ، فَيَكُونُ مِمَّنِ اشْتَرَى الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ، بَلِ الْعَاقِلُ يَنْبَغِي أَنْ يُشْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَشَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِحِفْظِ رَأْسِ مَالِهِ ، وَرَأْسُ مَالِهِ دِينُهُ وَتِجَارَتُهُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا تَتِمُّ شَفَقَتُهُ عَلَى دِينِهِ بِمُرَاعَاةِ سَبْعَةِ أُمُورٍ :
الْأَوَّلُ : حُسْنُ النِّيَّةِ فِي ابْتِدَاءِ التِّجَارَةِ ، فَلْيَنْوِ بِهَا الِاسْتِعْفَافَ عَنِ السُّؤَالِ وَكَفَّ الطَّمَعِ عَنِ النَّاسِ اسْتِغْنَاءً بِالْحَلَالِ عَنْهُمْ وَاسْتِعَانَةً بِمَا يَكْسِبُهُ عَلَى الدِّينِ وَقِيَامًا بِكِفَايَةِ الْعِيَالِ لِيَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُجَاهِدِينَ بِهِ .
وَلْيَنْوِ النُّصْحَ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يُحِبَّ لِسَائِرِ الْخَلْقِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ، وَلْيَنْوِ اتِّبَاعَ طَرِيقِ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ فِي مُعَامَلَتِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَلْيَنْوِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي كُلِّ مَا يَرَاهُ فِي السُّوقِ .
فَإِذَا أَضْمَرَ هَذِهِ النِّيَّاتِ كَانَ عَامِلًا فِي طَرِيقِ الْآخِرَةِ ، فَإِنِ اسْتَفَادَ مَالًا فَهُوَ مَزِيدٌ ، وَإِنْ خَسِرَ فِي الدُّنْيَا رَبِحَ فِي الْآخِرَةِ .
الثَّانِي : أَنْ يَقْصِدَ الْقِيَامَ فِي صَنْعَتِهِ أَوْ تِجَارَتِهِ بِفَرْضٍ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ ، فَإِنَّ الصِّنَاعَاتِ وَالتِّجَارَاتِ لَوْ تُرِكَتْ بَطَلَتِ الْمَعَايِشُ وَهَلَكَ أَكْثَرُ الْخَلْقِ ، فَانْتِظَامُ أَمْرِ الْكُلِّ بِتَعَاوُنِ الْكُلِّ وَتَكَفُّلِ كُلِّ فَرِيقٍ بِعَمَلٍ ، وَمِنَ الصِّنَاعَاتِ مَا هِيَ مُهِمَّةٌ ، وَمِنْهَا مَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا لِرُجُوعِهَا إِلَى طَلَبِ التَّنَعُّمِ وَالتَّزَيُّنِ فِي الدُّنْيَا ، فَلْيَشْتَغِلْ بِصِنَاعَةٍ مُهِمَّةٍ لِيَكُونَ لِقِيَامِهِ بِهَا كَافِيًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ مُهِمًّا فِي الدِّينِ .
الثَّالِثُ : أَنْ لَا يَمْنَعَهُ سُوقُ الدُّنْيَا عَنْ سُوقِ الْآخِرَةِ ، وَأَسْوَاقُ الْآخِرَةِ الْمَسَاجِدُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=37رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ) [ النُّورِ : 37 ] وَكَانَ السَّلَفُ يَبْتَدِرُونَ عِنْدَ الْأَذَانِ ، وَيُخْلُونَ الْأَسْوَاقَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالصِّبْيَانِ .
الرَّابِعُ : أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى هَذَا بَلْ يُلَازِمَ ذِكْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي السُّوقِ وَيَشْتَغِلَ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ ، فَذِكْرُ اللَّهِ فِي السُّوقِ بَيْنَ الْغَافِلِينَ أَفْضَلُ .
الْخَامِسُ : أَنْ لَا يَكُونَ شَدِيدَ الْحِرْصِ عَلَى السُّوقِ وَالتِّجَارَةِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَوَّلَ دَاخِلٍ وَآخِرَ خَارِجٍ .
السَّادِسُ : أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى اجْتِنَابِ الْحَرَامِ بَلْ يَتَّقِيَ مَوَاقِعَ الشُّبُهَاتِ وَمَظَانَّ الرِّيَبِ وَيَسْتَفْتِيَ قَلْبَهُ ، فَإِذَا وَجَدَ فِيهِ حَزَازَةً اجْتَنَبَهُ ، وَإِذَا حُمِلَ إِلَيْهِ سِلْعَةٌ رَابَهُ أَمْرُهَا سَأَلَ عَنْهَا ، وَكُلُّ مَنْسُوبٍ إِلَى ظُلْمٍ أَوْ خِيَانَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ رِبًا فَلَا يُعَامِلُهُ .
السَّابِعُ : يَنْبَغِي أَنْ يُرَاقِبَ جَمِيعَ مَجَارِيَ مُعَامَلَتِهِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مُعَامِلِيهِ فَإِنَّهُ مُرَاقَبٌ وَمُحَاسَبٌ فَلْيَعُدَّ الْجَوَابَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ .