الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 56 ] باب كيف الغسل

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } ( قال الشافعي ) فكان فرض الله الغسل مطلقا لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شيء فإذا جاء المغتسل بالغسل أجزأه والله أعلم كيفما جاء به وكذلك لا وقت في الماء في الغسل إلا أن يأتي بغسل جميع بدنه ( قال الشافعي ) كذلك دلت السنة ، فإن قال قائل : فأين دلالة السنة ؟ قيل لما { حكت عائشة أنها كانت تغتسل والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد } كان العلم يحيط أن أخذهما منه مختلف لو كان فيه وقت غير ما وصفت ما أشبه أن يغتسل اثنان يفرغان من إناء واحد عليهما وأكثر ما حكت عائشة غسله وغسلها فرق ( قال ) والفرق ثلاثة آصع ( قال الشافعي ) وروي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر فإذا وجدت الماء فأمسسه جلدك } ولم يحك أنه وصف له قدرا من الماء إلا إمساس الجلد والاختيار في الغسل من الجنابة ما حكت عائشة ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه ثم يفيض الماء على جلده كله } .

( قال الشافعي ) فإذا كانت المرأة ذات شعر تشد ضفرها فليس عليها أن تنقضه في غسل الجنابة وغسلها من الحيض كغسلها من الجنابة لا يختلفان يكفيها في كل ما يكفيها في كل ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة فقال : لا ، إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين أو قال فإذا أنت قد طهرت } وإن حست رأسها فكذلك ( قال الشافعي ) وكذلك الرجل يشد ضفر رأسه أو يعقصه فلا يحله ويشرب الماء أصول شعره ( قال الشافعي ) فإن لبد رأسه بشيء يحول بين الماء وبين أن يصل إلى شعره وأصوله كان عليه غسله حتى يصل إلى بشرته وشعره وإن لبده بشيء لا يحول دون ذلك فهو كالعقص والضفر الذي لا يمنع الماء الوصول إليه وليس عليه حله ويكفيه أن يصل الماء إلى الشعر [ ص: 57 ] والبشرة . ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء ثم يغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يشرب شعره الماء ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات } .

( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغرف على رأسه من الجنابة ثلاثا } .

( قال الشافعي ) ولا أحب لأحد أن يحفن على رأسه في الجنابة أقل من ثلاث وأحب له أن يغلغل الماء في أصول شعره حتى يعلم أن الماء قد وصل إلى أصوله وبشرته قال وإن صب على رأسه صبا واحدا يعلم أنه قد تغلغل الماء في أصوله وأتى على شعره وبشرته أجزأه وذلك أكثر من ثلاث غرفات يقطع بين كل غرفة منها ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن كان شعره ملبدا كثيرا فغرف عليه ثلاث غرفات وكان يعلم أن الماء لم يتغلغل في جميع أصول الشعر ويأت على جميع شعره كله فعليه أن يغرف على رأسه ويغلغل الماء حتى يعلم علما مثله أن قد وصل الماء إلى الشعر والبشرة ( قال الشافعي ) وإن كان محلوقا أو أصلع أو أقرع يعلم أن الماء يأتي على باقي شعره وبشرته في غرفة عامة أجزأته وأحب له أن يكون ثلاثا وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة بثلاث للضفر وأنا أرى أنه أقل ما يصير الماء إلى بشرتها وكان النبي صلى الله عليه وسلم ذا لمة يغرف عليها الماء ثلاثا وكذلك كان وضوءه في عامة عمره ثلاثا للاختيار صلى الله عليه وسلم وواحدة سابغة كافية في الغسل والوضوء ; لأنه يقع بها اسم غسل ووضوء إذا علم أنها قد جاءت على الشعر والبشر .

التالي السابق


الخدمات العلمية