الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 406 ] [ ص: 407 ] الباب الرابع

                        في الخاص والتخصيص والخصوص

                        وفيه ثلاثون مسألة

                        المسألة الأولى : في حده

                        فقيل : الخاص هو اللفظ الدال على مسمى واحد .

                        ويعترض عليه بأن تقييده بالوحدة غير صحيح فإن تخصيص العام قد يكون بإخراج أفراد كثيرة من أفراد العام ، وقد يكون بإخراج نوع من أنواعه ، أو صنف من أصنافه إلا أن يراد بالمسمى الواحد ما هو أعم من أن يكون فردا أو نوعا أو صنفا ، لكنه يشكل عليه إخراج أفراد متعددة ، نحو : أكرم القوم إلا زيدا ، وعمرا ، وبكرا .

                        ثم يرد على هذا الحد أيضا : أنه يصدق على كل دال على مسمى واحد ، سواء كان مخرجا من عموم أو لا .

                        وقيل في حده : هو ما دل على كثرة مخصوصة .

                        ويعترض عليه : بأن التخصيص قد يكون بفرد من الأفراد ، نحو أكرم القوم إلا زيدا ، وليس زيد وحده بكثرة .

                        وأيضا يعترض عليه : بأنه يصدق على كل لفظ يدل على كثرة سواء كان مخرجا من عموم أم لا ، إلا أن يراد بهذين الحدين تحديد الخاص من حيث هو خاص ، ومن غير اعتبار كونه مخرجا من عموم ، ولكنه يأبى ذلك كون المقام مقام تحديد الخاص المخرج من العام ، لا تحديد الخاص من حيث هو خاص .

                        وأما التخصيص : وهو المقصود بالذكر هنا ، فهو في اللغة الإفراد ، ومنه الخاصة .

                        وفي الاصطلاح : تمييز بعض الجملة بالحكم ، كذا قال ابن السمعاني .

                        ويرد عليه : العام الذي أريد به الخصوص .

                        وقيل : بيان ما لم يرد بلفظ العام .

                        ويرد عليه أيضا : بيان ما لم يرد بالعام الذي أريد به الخصوص ، وليس من التخصيص .

                        [ ص: 408 ] وقال العبادي : التخصيص بيان المراد بالعام .

                        ويعترض عليه : بأن التخصيص هو بيان ما لم يرد بالعام ، لا بيان ما أريد به .

                        وأيضا : يدخل فيه العام الذي أريد به الخصوص .

                        وقال ابن الحاجب : التخصيص قصر العام على بعض مسمياته .

                        واعترض عليه : بأن لفظ القصر يحتمل القصر في التناول أو الدلالة أو الحمل أو الاستعمال .

                        وقال أبو الحسين : هو إخراج بعض ما يتناوله الخطاب عنه .

                        واعترض عليه : بأن ما أخرج فالخطاب لم يتناوله .

                        وأجيب : بأن المراد ما يتناوله الخطاب بتقدير عدم المخصص .

                        وقيل : وهو تعريف أن العموم للخصوص .

                        وأورد عليه : أنه تعريف التخصيص بالخصوص ، وفيه دور .

                        وأجيب : بأن المراد بالتخصيص المحدود التخصيص في الاصطلاح ، وبالخصوص المذكور في الحد هو الخصوص في اللغة فتغايرا فلا دور .

                        قال القفال الشاشي : إذا ثبت تخصيص العام ببعض ما اشتمل عليه علم أنه غير مقصود بالخطاب ، وأن المراد ما عداه ، ولا نقول إنه داخل في الخطاب ، فخرج منه بدليل ، وإلا لكان نسخا ، ولم يكن تخصيصا فإن الفارق بينهما أن النسخ رفع الحكم بعد ثبوته ، والتخصيص بيان ما قصد له اللفظ العام .

                        قال إلكيا الطبري ، والقاضي عبد الوهاب : معنى قولنا إن العموم مخصوص أن المتكلم به قد أراد بعض ما وضع له دون بعض ، وذلك مجاز ; لأنه شبيه بالمخصوص الذي يوضع في الأصل للخصوص ، وإرادة البعض لا تصيره موضوعا في الأصل لذلك ، [ ص: 409 ] ولو كان حقيقة لكان العام خاصا ، وهو متناف ، وإنما يصير خاصا بالقصد كالأمر يصير أمرا بالطلب والاستدعاء ، وقد ذكر مثل هذا القاضي أبو بكر الباقلاني ، والغزالي .

                        وأما الخصوص : فقيل هو كون اللفظ متناولا لبعض ما يصلح له لا لجميعه .

                        ويعترض عليه : بالعام الذي أريد به الخصوص .

                        وقيل هو كون اللفظ متناولا للواحد المعين ، الذي لا يصلح إلا له .

                        ويعترض على تقييده بالوحدة مثل ما تقدم .

                        قال العسكري : الفرق بين الخاص والخصوص ، بأن الخاص : هو ما يراد به بعض ما ينطوي عليه لفظه بالوضع ، والخصوص : ما اختص بالوضع لا بالإرادة .

                        وقيل : الخاص ما يتناول أمرا واحدا بنفس الوضع ، والخصوص : أن يتناول شيئا دون غيره ، وكان يصح أن يتناوله ذلك الغير .

                        وأما المخصص : فيطلق على معان مختلفة : فيوصف المتكلم بكونه مخصصا للعام : بمعنى أنه أراد به بعض ما تناوله ، ويوصف الناصب لدلالة التخصيص بأنه مخصص ، ويوصف الدليل بأنه مخصص : كما يقال : السنة تخصص الكتاب ، ويوصف المعتقد لذلك بأنه مخصص .

                        وإذا عرفت أن المقصود في هذا الباب ذكر حد التخصيص ، دون الخاص والخصوص ، فالأولى في حده أن يقال : هو إخراج بعض ما كان داخلا تحت العموم على تقدير عدم المخصص .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية