الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون

                                                                                                                                                                                                                                      لو يجدون ملجأ استئناف مقرر لمضمون ما سبق من أنهم ليسوا من المسلمين، وأن التجاءهم إلى الانتماء إليهم إنما هو للتقية اضطرارا، حتى إنهم لو وجدوا غير ذلك ملجأ، أي: مكانا حصينا يلجؤون إليه من رأس جبل، أو قلعة، أو جزيرة، وإيثار صيغة الاستقبال في الشرط - وإن كان المعنى على المضي - لإفادة استمرار عدم الوجدان، فإن المضارع المنفي الواقع موقع الماضي ليس نصا في إفادة انتفاء استمرار الفعل كما هو الظاهر، بل قد يفيد استمرار انتفائه أيضا حسبما يقتضيه المقام، فإن معنى قولك: (لو تحسن إلي لشكرتك) أن انتفاء الشكر بسبب استمرار انتفاء الإحسان، لا أنه بسبب انتفاء استمرار الإحسان، فإن الشكر يتوقف على وجود الإحسان لا على استمراره كما حقق في موضعه.

                                                                                                                                                                                                                                      أو مغارات أي: غيرانا وكهوفا يخفون فيها أنفسهم، وقرئ بضم الميم، من أغار الرجل إذا دخل الغور، وقيل: هو متعد من غار إذا دخل الغور، أي: أمكنة يغيرون فيها أشخاصهم وأهليهم، ويجوز أن يكون من أغار الثعلب إذا أسرع بمعنى مهارب ومفار.

                                                                                                                                                                                                                                      أو مدخلا أي: نفقا يندسون فيه وينجحرون، وهو مفتعل من الدخول، وقرئ (مدخلا) من الدخول و(مدخلا) من الإدخال، أي: مكانا يدخلون فيه أنفسهم، وقرئ (متدخلا) و(مندخلا) من التدخل والاندخال.

                                                                                                                                                                                                                                      لولوا أي: لصرفوا وجوههم وأقبلوا، وقرئ (لوالوا) أي: لالتجأوا إليه أي: إلى أحد ما ذكر وهم يجمحون أي: يسرعون، بحيث لا يردهم شيء، من الفرس الجموح: وهو الذي لا يثنيه اللجام، وفيه إشعار بكمال عتوهم وطغيانهم، وقرئ (يجمزون) بمعنى: يجمحون ويشتدون، ومنه الجمازة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية