الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولا يظلمون فتيلا ( 49 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ولا يظلم الله هؤلاء الذين أخبر عنهم أنهم يزكون أنفسهم ولا غيرهم من خلقه فيبخسهم في تركه تزكيتهم ، وتزكية من ترك تزكيته ، وفي تزكية من زكى من خلقه شيئا من حقوقهم ، ولا يضع شيئا في غير موضعه ، ولكنه يزكي من يشاء من خلقه فيوفقه ، ويخذل من يشاء من أهل معاصيه . كل ذلك إليه وبيده ، وهو في كل ذلك غير ظالم أحدا ممن زكاه أو لم يزكه فتيلا .

واختلف أهل التأويل في معنى : " الفتيل " .

فقال بعضهم : هو ما خرج من بين الإصبعين والكفين من الوسخ ، إذا فتلت إحداهما بالأخرى .

ذكر من قال ذلك :

9745 - حدثني سليمان بن عبد الجبار [ قال : حدثنا محمد بن الصلت ] [ ص: 457 ] قال : حدثنا أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : الفتيل ما خرج من بين إصبعيك . 9746 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن التيمي قال : سألت ابن عباس عن قوله : " ولا يظلمون فتيلا " قال : ما فتلت بين إصبعيك .

9747 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن يزيد بن درهم أبي العلاء قال : سمعت أبا العالية ، عن ابن عباس : " ولا يظلمون فتيلا " قال : الفتيل هو الذي يخرج من بين إصبعي الرجل .

9748 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ولا يظلمون فتيلا " ، والفتيل : هو أن تدلك إصبعيك فما خرج بينهما فهو ذلك .

9749 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، [ ص: 458 ] عن أبي مالك في قوله : " ولا يظلمون فتيلا " قال : الفتيل : الوسخ الذي يخرج من بين الكفين .

9750 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : الفتيل : ما فتلت به يديك فخرج وسخ .

9751 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : " ولا يظلمون فتيلا " قال : ما تدلكه في يديك فيخرج بينهما .

وأناس يقولون : الذي يكون في بطن النواة .

ذكر من قال ذلك :

9752 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " فتيلا " قال : الذي في بطن النواة .

9753 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء قال : الفتيل : الذي في بطن النواة .

9754 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني طلحة بن عمرو أنه سمع عطاء بن أبي رباح يقول ، فذكر مثله .

9755 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال قال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن كثير : أنه سمع مجاهدا يقول : الفتيل : الذي في شق النواة .

9756 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن سعيد قال : حدثنا سفيان بن سعيد ، عن منصور ، عن مجاهد قال : الفتيل : في النوى .

9757 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 459 ] معمر ، عن قتادة في قوله : " ولا يظلمون فتيلا " قال : الفتيل : الذي في شق النواة .

9758 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول : الفتيل : شق النواة .

9759 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : الفتيل : الذي في بطن النواة .

9760 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك قال : الفتيل : الذي يكون في شق النواة .

9761 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولا يظلمون فتيلا " : فتيل النواة .

9762 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عامر قال : حدثنا قرة ، عن عطية قال : الفتيل : الذي في بطن النواة .

قال أبو جعفر : وأصل الفتيل المفتول ، صرف من مفعول إلى فعيل كما قيل : صريع ودهين من مصروع ومدهون .

وإذ كان ذلك كذلك وكان الله - جل ثناؤه - إنما قصد بقوله : " ولا يظلمون فتيلا " الخبر عن أنه لا يظلم عباده أقل الأشياء التي لا خطر لها ، فكيف بما له خطر ؟ وكان الوسخ الذي يخرج من بين إصبعي الرجل أو من بين كفيه إذا فتل إحداهما على الأخرى ، كالذي هو في شق النواة وبطنها ، وما أشبه ذلك من [ ص: 460 ] الأشياء التي هي مفتولة مما لا خطر له ولا قيمة ، فواجب أن يكون كل ذلك داخلا في معنى الفتيل ، إلا أن يخرج شيئا من ذلك ما يجب التسليم له ، مما دل عليه ظاهر التنزيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية