الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد بين سبحانه وتعالى أن الدنيا دار الابتلاء، والآخرة دار الجزاء، فقال عز من قائل:

                                                          هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون

                                                          هنالك إشارة إلى ذلك الموقف الرهيب والمكان الرفيع، وهو الحشر أمام الله تعالى، وكانت الإشارة بالبعيد; لرفعة الموقف أمام الله وشرفه، ولأنهم كانوا يستبعدونه ويظنونه مستحيلا.

                                                          تبلو كل نفس ما أسلفت فيها ثلاث قراءات، قراءة بالتاء تبلو وقراءتان بالنون (نبلو) إحداهما بنصب (كل)، أي: النفوس كلها هي المختبرة، والثانية برفع (كل) .

                                                          وفي الأولى تبلو أي: تبلو كل نفس ما أسلفته من أعمال في كتابها الذي تحمله بيمينها أو شمالها فتقرأ عملها محضرا، كما قال تعالى في سورة الإسراء:

                                                          ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا

                                                          أما في القراءة بالنون برفع كل " نبلو كل " أي: نعاملهم معاملة التعرف لما [ ص: 3559 ] وقوله: ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر فالاختبار هنا يكشفه الله ويستحضر لهم فيه ما أسلفوا.

                                                          أما القراءة بالنون مع نصب "كل" أي (نبلو كل) فهي نصب في المعنى السابق والاختلاف في الإعراب ولا اختلاف في المعنى.

                                                          ومن هذا نجد أن الاختلاف الحقيقي يكون بين القراءتين بالتاء والنون وكله من عند الله تعالى.

                                                          وردوا إلى الله مولاهم الحق المولى بمعنى الناصر وبمعنى الخالق وبمعنى المالك، أي: مالكهم الحق، أي: الثابت ملكيته، وسلطانه. والحق للاحتراز عما ادعوا من أوثان وأنداد اتخذوها، ففي هذا اليوم يتبدى سلطان الله تعالى حقا وتتبدد أوهامهم عن أولياء الشيطان وما زعموه.

                                                          ولذا قال سبحانه: وضل عنهم ما كانوا يفترون أي: غاب عنهم وبعد عن عقولهم ما كانوا يفترونه في عبادات باطلة وافتراء كاذب كانوا مستمرين عليه يكررونه ليلا نهارا، وفي قوله تعالى: ما كانوا يدل على الاستمرار وذلك بالجمع بين الماضي في (كانوا) والمستقبل في يفترون فالجمع بين الماضي والمستقبل يدل على استمرار الفعل.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية