الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1265 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          وكل من عدا عليه حيوان متملك من بعير ، أو فرس أو بغل ، أو [ ص: 443 ] فيل ، أو غير ذلك ، فلم يقدر على دفعه عن نفسه إلا بقتله فقتله فلا ضمان عليه فيه - وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          وقال الحنفيون : يضمنه ، واحتجوا بالخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم { العجماء جرحها جبار } . وبالخبر الذي رويناه من طريق عبد الكريم " إن إنسانا عدا عليه فحل ليقتله فضربه بالسيف فقتله فأغرمه أبو بكر إياه ، وقال : بهيمة لا تعقل " .

                                                                                                                                                                                          وعن علي بن أبي طالب نحوه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال " من أصاب العجماء غرم " .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سفيان الثوري عن الأسود بن قيس عن أشياخ لهم : أن غلاما دخل دار زيد بن صوحان فضربته ناقة لزيد فقتلته فعمد أولياء الغلام فعقروها فأبطل عمر بن الخطاب دم الغلام وأغرم والد الغلام ثمن الناقة .

                                                                                                                                                                                          وعن شريح مثل هذا .

                                                                                                                                                                                          قال علي : أما الحديث { جرح العجماء جبار } ففي غاية الصحة ، وبه نقول ولا حجة لهم فيه ، لأننا لم نخالفهم في أن ما جرحته العجماء لا يغرم وليس فيه إلا هذا بل هو حجة عليهم في تضمينهم الراكب ، والسائق ، والقائد ، ما أصاب العجماء مما لم يحملها عليه فهم المخالفون لهذا الأثر .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث عمر بن الخطاب ، وشريح ، فيه نقول : من قتلت بهيمة وليه فمضى [ ص: 444 ] بعد جنايتها فقتلها فهو ضامن لها ، لأنها لا ذنب لها - وأما قول أبي هريرة فصحيح ، ومن أصاب العجماء قاصدا لها غير مضطر فهو غارم .

                                                                                                                                                                                          وأما الرواية عن أبي بكر ، وعلي ، فمنقطعة ولا حجة في منقطع لو كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف عمن دونه ؟ ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة وكم قصة خالفوا فيها أبا بكر وغيره حيث لا يجوز خلافه ، أقرب ذلك ما أوردنا عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي رضي الله عنهم من تقيئهم ما أكلوا أو شربوا مما لا يحل فخالفوا ، فإنما هم حجة عندهم ، حيث وافقوا أبا حنيفة لا حيث خالفوه ، وهذا تلاعب بالدين . والعجب أنهم يقولون : إن الأسد ، والسبع ، حرام قتله في الحرم وعلى قاتله الجزاء ، إلا أن يبتدئ المحرم بأذى فله قتله ولا يجزيه - فكم هذا التناقض ، والهدم ، والبناء ؟ ولقد كان يلزم المالكيين المشنعين بقول الصاحب إذا وافقهم والقائلين بأن المرسل والمسند سواء أن يقولوا بهذا ، ولكنه مما تناقضوا فيه .

                                                                                                                                                                                          قال علي : لا يخلو من عدت البهيمة عليه فخشي أن تقتله أو أن تجرحه ، أو أن تكسر له عضوا أو أن تفسد ثيابه من أن يكون مأمورا بإباحة ذلك لها ، منهيا عن الامتناع منها ودفعها ، وهذا مما لا يقولونه ، ولو قالوه لكان زائدا في ضلالهم ، لأن الله تعالى يقول : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } وهذا على عمومه ، أو يكون مأمورا بدفعها عن نفسه منهيا عن إمكانها من روحه ، أو جسمه ، أو ماله ، أو أخيه المسلم ، وهذا هو الحق لما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                          فإذا هو مأمور بذلك ولم يقدر على النجاة منها إلا بقتلها فهو مأمور بقتلها ، لأن قتلها هو الدفع الذي أمر به [ ومن فعل ما أمر به ] فهو محسن [ وإذ هو محسن ] فقد قال تعالى : { ما على المحسنين من سبيل }

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية