الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وكلا نقص " قال الزجاج : " كلا " منصوب بـ " نقص " ، [ ص: 173 ] المعنى : كل الذي تحتاج إليه من أنباء الرسل نقص عليك ، و " ما " منصوبة بدلا من كل ، المعنى : نقص عليك ما نثبت به فؤادك ; ومعنى تثبيت الفؤاد تسكين القلب هاهنا ، ليس للشك ، ولكن كلما كان البرهان والدلالة أكثر ، كان القلب أثبت .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وجاءك في هذه الحق " في المشار إليه بـ " هذه " أربعة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنها السورة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبو العالية ، ورواه شيبان عن قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنها الدنيا ، فالمعنى : وجاءك في هذه الدنيا ، رواه سعيد عن قتادة ; وعن الحسن كالقولين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنها الأقاصيص المذكورة .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : أنها هذه الآية بعينها ، ذكر القولين ابن الأنباري .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المراد بالحق هاهنا ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنها البيان . والثاني : صدق القصص والأنباء . والثالث : النبوة .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل : أليس قد جاءه الحق في كل القرآن ، فلم خص هذه السورة ؟

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب : أنا إن قلنا : إن الحق النبوة ، فالإشارة بـ " هذه " إلى الدنيا ، فيكون المعنى : وجاءك في هذه الدنيا النبوة ، فيرتفع الإشكال . وإن قلنا : إنها السورة ، فعنه أربعة أجوبة :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أن المراد بالحق البيان ، وهذه السورة جمعت من تبيين إهلاك الأمم ، وشرح مآلهم ، ما لم يجمع غيرها ، فبان أثر التخصيص ، وهذا مذهب بعض المفسرين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن بعض الحق أوكد من بعض في ظهوره عندنا وخفائه علينا ، [ ص: 174 ] ولهذا يقول الناس : فلان في الحق : إذا كان في الموت ، وإن لم يكن قبله في باطل ، ولكن لتعظيم ما هو فيه ، فكأن الحق المبين في هذه السورة أجلى من غيره ، وهذا مذهب الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنه خص هذه السورة بذلك لبيان فضلها ، وإن كان في غيرها حق أيضا ، فهو كقوله : والصلاة الوسطى [البقرة :238] ، وقوله : وجبريل وميكال [البقرة :98] ، وهذا مذهب ابن الأنباري .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : أن المعنى : وجاءك في هذه السورة الحق مع ما جاءك من سائر السور ، قاله ابن جرير الطبري .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وموعظة وذكرى للمؤمنين " أي : يتعظون إذا سمعوا هذه السورة وما نزل بالأمم فتلين قلوبهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية