الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2403 باب ثواب الحج والعمرة

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب فضل الحج والعمرة ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 117 - 118 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما. والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ". ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ( عن أبي هريرة ) رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما " ).

                                                                                                                              هذا ظاهر في فضيلة العمرة. وأنها مكفرة للخطايا الواقعة بين العمرتين.

                                                                                                                              واحتج بعضهم بهذا الحديث، في نصرة مذهب الشافعي والجمهور: في استحباب تكرار العمرة في السنة الواحدة مرارا.

                                                                                                                              وقال مالك وأكثر أصحابه: يكره أن يعتمر في السنة أكثر من عمرة.

                                                                                                                              قال عياض : وقال آخرون: لا يعتمر في شهر أكثر من عمرة.

                                                                                                                              والحق: ما ذهب إليه الجمهور ؛ من استحباب الاستكثار من الاعتمار.

                                                                                                                              وإليه ذهب الشوكاني في ( النيل )، ورجحه.

                                                                                                                              [ ص: 198 ] وقال في (السيل ): إنها مشروعة في جميع السنة. ولا تكره في وقت من الأوقات. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي : واعلم أن جميع السنة وقت للعمرة. فتصح في كل وقت منها. إلا في حق من هو متلبس بالحج. فلا يصح اعتماره، حتى يفرغ من الحج.

                                                                                                                              قال: ولا تكره العمرة عندنا لغير الحاج، في يوم عرفة والأضحى والتشريق وسائر السنة.

                                                                                                                              وبهذا قال مالك، وأحمد، وجماهير العلماء.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة: تكره في خمسة أيام ؛ يوم عرفة، والنحر، وأيام التشريق.

                                                                                                                              وقال أبو يوسف: تكره في أربعة أيام. وهي: عرفة، والتشريق.

                                                                                                                              قال: واختلف في وجوب العمرة. فمذهب الشافعي والجمهور ؛ أنها واجبة.

                                                                                                                              وممن قال به عمر، وابن عمر، وابن عباس، وطاووس، وعطاء، وابن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، ومسروق، وابن سيرين، والشعبي، وأبو بردة بن أبي موسى، وعبد الله بن شداد، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وداود.

                                                                                                                              وقال مالك، وأبو حنيفة، وأبو ثور: هي سنة. وليست واجبة.

                                                                                                                              [ ص: 199 ] وحكي أيضا عن النخعي.

                                                                                                                              ذكر هذا كله النووي .

                                                                                                                              وأقول: الحق أنها سنة. لعدم ورود دليل صحيح، يدل على وجوب العمرة المفردة.

                                                                                                                              وما ورد مما فيه دلالة على الوجوب، فلم يثبت من وجه صحيح، تقوم به الحجة.

                                                                                                                              وأما قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة فليس هذا في المفرد.

                                                                                                                              بل في العمرة التي مع الحج. وقد لزمت بالدخول فيها.

                                                                                                                              والنزاع في وجوب العمرة المفردة، من الأصل.

                                                                                                                              قال في (السيل ): ويؤيد عدم الوجوب: ما أخرجه أحمد، والترمذي وحسنه. و البيهقي ؛ "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة. أواجبة هي ؟ قال: لا"

                                                                                                                              وفي إسناده: الحجاج بن أرطاة. وفيه ضعف. ويؤيد عدم الوجوب: قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت . ولم يذكر العمرة.

                                                                                                                              وفي الأحاديث الصحيحة، التي فيها بيان أركان الإسلام: الاقتصار على الحج. ولم يذكر العمرة. انتهى.

                                                                                                                              وقال في ( النيل ): والحق عدم الوجوب.

                                                                                                                              [ ص: 200 ] لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلا بدليل يثبت به التكليف. ولا دليل يصلح لذلك. لاسيما مع اعتضادها بما تقدم من الأحاديث، القاضية بعدم الوجوب.

                                                                                                                              ويؤيد ذلك، اقتصاره صلى الله عليه وسلم على الحج في حديث: "بني الإسلام على خمس " إلى آخر ما قال.

                                                                                                                              وأطال "في الجواب على أدلة الوجوب" المقال.

                                                                                                                              ( والحج المبرور، ليس له جزاء إلا الجنة ).

                                                                                                                              وهذا الحديث رواه الجماعة، إلا أبا داود.

                                                                                                                              قال النووي : الأصح الأشهر: أن المبرور، هو الذي لا يخالطه إثم.

                                                                                                                              مأخوذ من ( البر ). وهو الطاعة.

                                                                                                                              وقيل: هو المقبول.

                                                                                                                              ومن علامة القبول: أن يرجع خيرا مما كان، ولا يعاود المعاصي.

                                                                                                                              وقيل: هو الذي لا رياء فيه.

                                                                                                                              وقيل: الذي لا يعقبه معصية،

                                                                                                                              وهما داخلان فيما قبلهما.

                                                                                                                              والمعنى: أنه لا يقتصر لصاحبه من الجزاء، على تكفير بعض ذنوبه.

                                                                                                                              بل لا بد أن يدخل الجنة. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 201 ] وأشار ابن عبد البر، إلى أن المراد: تكفير الصغائر دون الكبائر.

                                                                                                                              قال: وذهب بعض العلماء من عصرنا، إلى أن المراد: تعميم ذلك.

                                                                                                                              ثم بالغ في الإنكار عليه. وفيه بحث.




                                                                                                                              الخدمات العلمية