nindex.php?page=treesubj&link=28723_28971_29693_28972nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله الرحمن الرحيم
(بسم ) الباء هنا هي حرف جر يدل على السببية ، وهي مبنية على الكسر كـ " لام " الأمر ، والمعنى : بسبب اسم الله الذي لا يعبد سواه وأنه الرحمن الرحيم أبتدئ ، فهي متعلقة بمحذوف يذكر بعدها ، لبيان اختصاص الابتداء أو التبرك باسم الله تعالى ، فالتأخير يفيد الاهتمام بمتعلق الباء ومزيد الاختصاص بالاستعانة والتيمن والتبرك به .
والبسملة يبدأ بها في كل أمر ذي بال ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "
كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر " والفعل الذي تعلقت به الباء محذوف ، وكما ذكرنا يقدر مؤخرا ، لأن المقدم يكون محل التخصيص .
ولأن البسملة يبدأ بها كل أمر ذي بال ، فإنه يقدر الفعل على حسب ما نبتدئ البسملة ، ويرى بعض المفسرين أن يقدر الفعل المحذوف " أبتدئ " ، لأنه يكون صالحا ، لكل أمر ذي بال وشأن ، والآخرون قالوا : إنه يقدر في القرآن أتلو أو أقرأ أو أرتل أو نحو ذلك ، وبعض العلماء قال : إنها في القرآن الكريم في معنى القسم بأن القرآن حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وتكون على هذا للقسم ، ويقدر الفعل بـ " أقسم " . والمعنى على ذلك في أول كل سورة اجعل قسمك بالله الرحمن الرحيم أن ما تتلو هو الحق الذي لا ريب فيه ، فهو الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين .
[ ص: 50 ] و (الله ) هو لفظ الجلالة الدال على أنه وحده له كمال العبودية ، واسم الله - قال بعض العلماء إنه المراد فيه الذات العلية فهو اسم يعني المسمى . والمعنى هو القسم بالذات العلية ، وقرر بعض العلماء أن الاسم الأعلى هو المقصود بالافتتاح تبركا وتيمنا باسم الذات العلية ، ولها المكان الأقدس من العباد تبارك الله ، والاسم ذاته يتيمن به ويتبرك ، فليس المراد بالاسم الذات ; لأنها مذكورة ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=78تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سبح اسم ربك الأعلى ، وهذا ما نميل إليه ; لأنه لا يحتاج إلى تحول من المعنى الأصلي لكلمة الاسم إلى غيره ، ولأن إطلاق الاسم على المسمى من قبيل المجاز ، ولا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة ، ولأن قصد الاسم الأسمى ابتداء يفيد معنيين ، وهو تقديس الاسم في كلمة بسم الله ، وتقديس المسمى وهو الله سبحانه . ولو أطلق الاسم على المسمى ، لكان تقديسا للذات العلية من غير إعلاء للاسم في ذاته ، ولا شك أن الأول أبلغ تسبيح لله تعالى لقاء التبرك بذكره ، والتيمن به سبحانه وتعالى علوا كبيرا .
وكلمة (الله ) تعالى لا تطلق إلا على الذات العلية خالق الكون ، ومنشئ الوجود على غير مثال سبق ، بديع السماوات والأرض . وقالوا : إن أصل كلمة الله : الإله ، ثم كان حذف الهمزة ، مع تقدير أنها مطوية في الكلام مقدرة فيه . والإله تطلق على المعبود ، وتعم المعبود بحق وبغير حق ، ولكن كلمة (الله ) تعالى لا تطلق إلا على المعبود بحق ، فيقال : آلهة المشركين ، وآلهة الرومان ، وآلهة المصريين ، ولا يقال : " الله " إلا في مقام أنه الخالق المدبر المنشئ المستحق للعبادة ; ولذلك كانت ألفاظ القرآن الكثيرة في مخاطبة المشركين ، على أن الله تعالى معروف بأنه المنشئ ، وأنه غير آلهتهم ، فكانوا يقولون : الآلهة هبل ، واللات ، والعزى ، ومناة الثالثة ; يقولون عنها إله وآلهة ولا يقولون عن واحدة منها إنه " الله " ، لقد قال تعالى
[ ص: 51 ] عنهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ، وكان يحتج عليهم بأنهم يعبدون مع الله آلهة أخرى ، وجدل القرآن الكريم لهم لإلزامهم بالتوحيد بأنهم يعترفون بأن الله تعالى خالق السماوات والأرض فهو الجدير وحده بالعبادة ، اقرأ قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أمن خلق السماوات والأرض وأنـزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين
ونرى من هذا أن
العرب كانوا يعرفون الله سبحانه وتعالى ، وأنه الخالق لكل شيء وما كانوا يطلقون كلمة " الله " إلا على الخالق المدبر المنفرد بالإيجاد والإبداع ، وما كانوا يطلقون على آلهتهم كلمة الله ، وهذا عرف لغتهم ودلالتها .
(الرحمن الرحيم ) هذان وصفان لله تعالى قرنا في البسملة ، وكلاهما يدل على كمال رحمة الله تعالى في ذاته وعلى خلقه ، والرحمة رقة في القلب ، والله تعالى لا يتصف بذلك ; لأن هذا من صفات الحوادث ، والله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وإنما يراد من الأوصاف التي يتصف بمثلها العباد غايتها ، وثمرتها ، وثمرة الرحمة الإنعام الكامل ، والنفع ودفع الضر ، والرزق ، وغفران الذنوب ، وكلاءة الله تعالى لهم ، والقيام على كل ما يمدهم به بالخير والنعمة .
[ ص: 52 ] والوصفان اقترنا واجتمعا في البسملة ، كما اجتمعا في بسملة كتاب
سليمان عليه السلام
لبلقيس ، إذ قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم وهذه بسملة كبسملة أوائل السور ، كما اجتمع الوصفان في آيتين أخريين من آيات القرآن ، ففي أول سورة فصلت ذكر للقرآن الكريم ، وقال سبحانه عن الذكر
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=2تنـزيل من الرحمن الرحيم وجاء في سورة الحشر
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=22هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم .
ولا شك أن الوصفين من أسماء الله الحسنى وصفاته ، ولا شك أن لكل منهما معنى قائما بذاته ، منفردا به عن الآخر . يقول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري (نقلا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ) : إن صيغة فعلان من الصيغ التي تدل على الامتلاء ، كغضبان ، وشبعان ، وسكران ، وجوعان ، فإنها تدل على الامتلاء من الفعل الذي اشتقت منه ، فكذلك الرحمن معناها الممتلئ رحمة ، ورحيم تدل على الاتصاف بالرحمة التي تليق بذاته العلية من غير امتلاء .
ولذلك يقول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ومن تبعه في دراساته البيانية للقرآن الكريم : إن " الرحمن " أبلغ من " الرحيم " ، وإن كان كلامه تعالى كله فوق الكلام البشري وما ترى فيه من تفاوت ، وإن كان كله في أعلى درجات البيان لا يساويه بيان للإنسان . وبدراسة اللفظين في القرآن يتبين لنا الفرق بينهما في الاستعمال القرآني السامي في بلاغته إلى ما لا يتسامى إليه كلام بشر ، ولا يدانيه شيء من الكلام الإنساني .
وعند الاتجاه إلى استقراء الآيات القرآنية نجد القرآن الكريم جمع بين الوصفين في آيتين غير البسملة وقد ذكرتا ، وذكر وصف الرحمن منفردا في نحو ستين
[ ص: 53 ] موضعا من كتاب الله العزيز ، وكان يذكر ذلك الوصف السامي غير مضاف إلى فعل من الأفعال ، ولا واقع على أحد كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=85يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرحمن nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2علم القرآن ، ومثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون .
وهكذا في نحو ستين آية يذكر وصف الرحمن مجردا من الإضافة إلى شيء أو شخص أو فعل كما يذكر " الله " تعالى ، وذكر وصف الرحيم منفردا عن الرحمن في أكثر من ثلاثين ومائة آية ، ونجد أنها مضافة إلى رحمته سبحانه وتعالى بالعباد مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ، ومثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143إن الله بالناس لرءوف رحيم ، ومثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=192فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم .
ومن هذه الموازنات بين استعمال القرآن لكلمة " رحمن " ، واستعماله لكلمة " رحيم " ننتهي إلى ما يأتي :
أولا : أن وصف الرحمن وصف ذاتي للذات العلية لا يتعلق بفعل ولا بشخص يذكر ، ولكنه وصف لله أو اسم له كلفظ الجلالة ، ولكنه يشعرنا بالرحمة ، كما أنه لفظ يشعر بالألوهية واستحقاق العبادة ; ولذلك قال بعض العلماء : إن كلمة " الرحمن " اسم لله تعالى ، وأما " الرحيم " فهو وصف لله تعالى يتعلق برحمته بالعباد المكلفين المخاطبين بشريعته ، والذين طلب منهم أن يقوموا بحق الله تعالى في إجابة أوامره ، واجتناب نواهيه ; ولذلك يقترن كثيرا بالتوبة والمغفرة .
[ ص: 54 ] ثانيا : أن الرحمة في " الرحمن " أكثر من " الرحيم " ، ولذلك قالوا : إن رحمة الرحمن ، هي الرحمة بالوجود كله ، فبرحمة الرحمن يرزق الله من في السماوات والأرض ، وبرحمته الواسعة ينزل الغيث ، ويرسل الرياح ، ومهد الأرض ، وجعل الجبال ، وبرحمة الرحمن بعث الرسل مبشرين ومنذرين ، وبرحمة الرحمن جازى المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون .
وهكذا كانت رحمة الرحمن شاملة الوجود كله ، والرحيم متعلق في رحمته بالمكلفين .
ثالثا : أن " الرحمن " أكثر رحمة لما في الوصف بالرحمة فيه من شمول يشمل الوجود الإنساني كله ، ووصف " الرحيم " خاص بالمكلفين ، كما يدل على ذلك سياق اللفظ في القرآن الكريم .
ومن هذا الاستقراء والتتبع ، واستنباط المعاني لألفاظ (الرحمن الرحيم ) من استعمال القرآن ننتهي إلى أن بيان معاني (بسم الله الرحمن الرحيم ) أن الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نتلو القرآن مبتدئين تالين لآياته باسمه الأقدس . نتبرك به ونتيمن ونسبح باسمه ، وهو الله الإله المتفرد بالخلق والتكوين والتدبير والمتفرد بالعبودية وحده جل جلاله لأنه بديع السماوات والأرض والوجود كله ، وهو " الرحمن " ذو الرحمة الواسعة التي تعم الوجود كله في السماوات والأرض ، والدنيا والآخرة ، المدبر للوجود برحمته ، وهو " الرحيم " بعباده يغفر لهم ويتوب عليهم ، ويشرع لهم من الشرائع ما يكون خيرا لهم في معادهم ومعاشهم ، وهو بكل شيء عليم .
nindex.php?page=treesubj&link=28723_28971_29693_28972nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(بِسْمِ ) الْبَاءُ هُنَا هِيَ حَرْفُ جَرٍّ يَدُلُّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ ، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ كَـ " لَامِ " الْأَمْرِ ، وَالْمَعْنَى : بِسَبَبِ اسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يُعْبَدُ سِوَاهُ وَأَنَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ أَبْتَدِئُ ، فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ يُذْكَرُ بَعْدَهَا ، لِبَيَانِ اخْتِصَاصِ الِابْتِدَاءِ أَوِ التَّبَرُّكِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَالتَّأْخِيرُ يُفِيدُ الِاهْتِمَامَ بِمُتَعَلِّقِ الْبَاءِ وَمَزِيدَ الِاخْتِصَاصِ بِالِاسْتِعَانَةِ وَالتَّيَمُّنِ وَالتَّبَرُّكِ بِهِ .
وَالْبَسْمَلَةُ يُبْدَأُ بِهَا فِي كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَبْتَرُ " وَالْفِعْلُ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْبَاءُ مَحْذُوفٌ ، وَكَمَا ذَكَرْنَا يُقَدَّرُ مُؤَخَّرًا ، لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ يَكُونُ مَحَلَّ التَّخْصِيصِ .
وَلِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ يُبْدَأُ بِهَا كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ ، فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ الْفِعْلُ عَلَى حَسَبِ مَا نَبْتَدِئُ الْبَسْمَلَةَ ، وَيَرَى بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنْ يُقَدَّرَ الْفِعْلُ الْمَحْذُوفُ " أَبْتَدِئُ " ، لِأَنَّهُ يَكُونُ صَالِحًا ، لِكُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ وَشَأْنٍ ، وَالْآخَرُونَ قَالُوا : إِنَّهُ يُقَدَّرُ فِي الْقُرْآنِ أَتْلُو أَوْ أَقْرَأُ أَوْ أُرَتِّلُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَالَ : إِنَّهَا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي مَعْنَى الْقَسَمِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ، وَتَكُونُ عَلَى هَذَا لِلْقَسَمِ ، وَيُقَدَّرُ الْفِعْلُ بِـ " أُقْسِمُ " . وَالْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ اجْعَلْ قَسَمَكَ بِاللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَنَّ مَا تَتْلُو هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ ، فَهُوَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ .
[ ص: 50 ] وَ (اللَّهِ ) هُوَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ وَحْدَهُ لَهُ كَمَالُ الْعُبُودِيَّةِ ، وَاسْمُ اللَّهِ - قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهُ الْمُرَادُ فِيهِ الذَّاتُ الْعَلِيَّةُ فَهُوَ اسْمٌ يَعْنِي الْمُسَمَّى . وَالْمَعْنَى هُوَ الْقَسَمُ بِالذَّاتِ الْعَلِيَّةِ ، وَقَرَّرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الِاسْمَ الْأَعْلَى هُوَ الْمَقْصُودُ بِالِافْتِتَاحِ تَبَرُّكًا وَتَيَمُّنًا بِاسْمِ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ ، وَلَهَا الْمَكَانُ الْأَقْدَسُ مِنَ الْعِبَادِ تَبَارَكَ اللَّهُ ، وَالِاسْمُ ذَاتُهُ يُتَيَمَّنُ بِهِ وَيُتَبَرَّكُ ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاسْمِ الذَّاتَ ; لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=78تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ، وَهَذَا مَا نَمِيلُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَحَوُّلٍ مِنَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ لِكَلِمَةِ الِاسْمِ إِلَى غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ إِطْلَاقَ الِاسْمِ عَلَى الْمُسَمَّى مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ ، وَلَا يُصَارُ إِلَى الْمَجَازِ إِلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ ، وَلِأَنَّ قَصْدَ الِاسْمِ الْأَسْمَى ابْتِدَاءً يُفِيدُ مَعْنَيَيْنِ ، وَهُوَ تَقْدِيسُ الِاسْمِ فِي كَلِمَةِ بِسْمِ اللَّهِ ، وَتَقْدِيسُ الْمُسَمَّى وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ . وَلَوْ أُطْلِقَ الِاسْمُ عَلَى الْمُسَمَّى ، لَكَانَ تَقْدِيسًا لِلَّذَّاتِ الْعَلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ إِعْلَاءٍ لِلِاسْمِ فِي ذَاتِهِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَبْلَغُ تَسْبِيحٍ لِلَّهِ تَعَالَى لِقَاءَ التَّبَرُّكِ بِذِكْرِهِ ، وَالتَّيَمُّنِ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا .
وَكَلِمَةُ (اللَّهِ ) تَعَالَى لَا تُطْلَقُ إِلَّا عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ خَالِقِ الْكَوْنِ ، وَمُنْشِئِ الْوُجُودِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ ، بَدِيعِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . وَقَالُوا : إِنَّ أَصْلَ كَلِمَةِ اللَّهِ : الْإِلَهُ ، ثُمَّ كَانَ حَذْفُ الْهَمْزَةِ ، مَعَ تَقْدِيرِ أَنَّهَا مَطْوِيَّةٌ فِي الْكَلَامِ مُقَدَّرَةٌ فِيهِ . وَالْإِلَهُ تُطْلَقُ عَلَى الْمَعْبُودِ ، وَتَعُمُّ الْمَعْبُودَ بِحَقٍّ وَبِغَيْرِ حَقٍّ ، وَلَكِنَّ كَلِمَةَ (اللَّهِ ) تَعَالَى لَا تُطْلَقُ إِلَّا عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ ، فَيُقَالُ : آلِهَةُ الْمُشْرِكِينَ ، وَآلِهَةُ الرُّومَانِ ، وَآلِهَةُ الْمِصْرِيِّينَ ، وَلَا يُقَالُ : " اللَّهُ " إِلَّا فِي مَقَامِ أَنَّهُ الْخَالِقُ الْمُدَبِّرُ الْمُنْشِئُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ ; وَلِذَلِكَ كَانَتْ أَلْفَاظُ الْقُرْآنِ الْكَثِيرَةُ فِي مُخَاطَبَةِ الْمُشْرِكِينَ ، عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَعْرُوفٌ بِأَنَّهُ الْمُنْشِئُ ، وَأَنَّهُ غَيْرُ آلِهَتِهِمْ ، فَكَانُوا يَقُولُونَ : الْآلِهَةُ هُبَلُ ، وَاللَّاتُ ، وَالْعُزَّى ، وَمَنَاةُ الثَّالِثَةُ ; يَقُولُونَ عَنْهَا إِلَهٌ وَآلِهَةٌ وَلَا يَقُولُونَ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا إِنَّهُ " اللَّهُ " ، لَقَدْ قَالَ تَعَالَى
[ ص: 51 ] عَنْهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ، وَكَانَ يُحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى ، وَجَدَلُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ لَهُمْ لِإِلْزَامِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ بِأَنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَهُوَ الْجَدِيرُ وَحْدَهُ بِالْعِبَادَةِ ، اقْرَأْ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْـزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
وَنَرَى مِنْ هَذَا أَنَّ
الْعَرَبَ كَانُوا يَعْرِفُونَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَأَنَّهُ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ وَمَا كَانُوا يُطْلِقُونَ كَلِمَةَ " اللَّهِ " إِلَّا عَلَى الْخَالِقِ الْمُدَبِّرِ الْمُنْفَرِدِ بِالْإِيجَادِ وَالْإِبْدَاعِ ، وَمَا كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَى آلِهَتِهِمْ كَلِمَةَ اللَّهِ ، وَهَذَا عُرْفُ لُغَتِهِمْ وَدَلَالَتُهَا .
(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) هَذَانِ وَصْفَانِ لِلَّهِ تَعَالَى قُرِنَا فِي الْبَسْمَلَةِ ، وَكِلَاهُمَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ وَعَلَى خَلْقِهِ ، وَالرَّحْمَةُ رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَتَّصِفُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ هَذَا مِنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، وَإِنَّمَا يُرَادُ مِنَ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَتَّصِفُ بِمِثْلِهَا الْعِبَادُ غَايَتُهَا ، وَثَمَرَتُهَا ، وَثَمَرَةُ الرَّحْمَةِ الْإِنْعَامُ الْكَامِلُ ، وَالنَّفْعُ وَدَفْعُ الضُّرِّ ، وَالرِّزْقُ ، وَغُفْرَانُ الذُّنُوبِ ، وَكِلَاءَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ ، وَالْقِيَامُ عَلَى كُلِّ مَا يَمُدُّهُمْ بِهِ بِالْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ .
[ ص: 52 ] وَالْوَصْفَانِ اقْتَرَنَا وَاجْتَمَعَا فِي الْبَسْمَلَةِ ، كَمَا اجْتَمَعَا فِي بَسْمَلَةِ كِتَابِ
سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
لِبَلْقِيسَ ، إِذْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهَذِهِ بَسْمَلَةٌ كَبَسْمَلَةِ أَوَائِلِ السُّورِ ، كَمَا اجْتَمَعَ الْوَصْفَانِ فِي آيَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ ، فَفِي أَوَّلِ سُورَةِ فُصِّلَتْ ذِكْرٌ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ عَنِ الذِّكْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=2تَنْـزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَجَاءَ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=22هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَصْفَيْنِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَصَفَاتِهِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعْنًى قَائِمًا بِذَاتِهِ ، مُنْفَرِدًا بِهِ عَنِ الْآخَرِ . يَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ (نَقْلًا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجِ ) : إِنَّ صِيغَةَ فَعْلَانٍ مِنَ الصِّيَغِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الِامْتِلَاءِ ، كَغَضْبَانَ ، وَشَبْعَانَ ، وَسَكْرَانَ ، وَجَوْعَانَ ، فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الِامْتِلَاءِ مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي اشْتُقَّتْ مِنْهُ ، فَكَذَلِكَ الرَّحْمَنُ مَعْنَاهَا الْمُمْتَلِئُ رَحْمَةً ، وَرَحِيمٌ تَدُلُّ عَلَى الِاتِّصَافِ بِالرَّحْمَةِ الَّتِي تَلِيقُ بِذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ امْتِلَاءٍ .
وَلِذَلِكَ يَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي دِرَاسَاتِهِ الْبَيَانِيَّةِ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ : إِنَّ " الرَّحْمَنَ " أَبْلَغُ مِنَ " الرَّحِيمِ " ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ تَعَالَى كُلُّهُ فَوْقَ الْكَلَامِ الْبَشَرِيِّ وَمَا تَرَى فِيهِ مِنْ تَفَاوُتٍ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الْبَيَانِ لَا يُسَاوِيهِ بَيَانٌ لِلْإِنْسَانِ . وَبِدِرَاسَةِ اللَّفْظَيْنِ فِي الْقُرْآنِ يَتَبَيَّنُ لَنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِيِّ السَّامِي فِي بَلَاغَتِهِ إِلَى مَا لَا يَتَسَامَى إِلَيْهِ كَلَامُ بَشَرٍ ، وَلَا يُدَانِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ الْإِنْسَانِيِّ .
وَعِنْدَ الِاتِّجَاهِ إِلَى اسْتِقْرَاءِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ نَجِدُ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ جَمَعَ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ فِي آيَتَيْنِ غَيْرِ الْبَسْمَلَةِ وَقَدْ ذُكِرَتَا ، وَذُكِرَ وَصْفُ الرَّحْمَنِ مُنْفَرِدًا فِي نَحْوِ سِتِّينَ
[ ص: 53 ] مَوْضِعًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الْعَزِيزِ ، وَكَانَ يُذْكَرُ ذَلِكَ الْوَصْفُ السَّامِي غَيْرَ مُضَافٍ إِلَى فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ ، وَلَا وَاقِعٌ عَلَى أَحَدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=85يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرَّحْمَنُ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2عَلَّمَ الْقُرْآنَ ، وَمِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ .
وَهَكَذَا فِي نَحْوِ سِتِّينَ آيَةً يُذْكَرُ وَصْفُ الرَّحْمَنِ مُجَرَّدًا مِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى شَيْءٍ أَوْ شَخْصٍ أَوْ فِعْلٍ كَمَا يُذْكَرُ " اللَّهُ " تَعَالَى ، وَذُكِرَ وَصْفُ الرَّحِيمِ مُنْفَرِدًا عَنِ الرَّحْمَنِ فِي أَكْثَرِ مِنْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةِ آيَةٍ ، وَنَجِدُ أَنَّهَا مُضَافَةٌ إِلَى رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْعِبَادِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وَمِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ، وَمِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=192فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وَمِنْ هَذِهِ الْمُوَازَنَاتِ بَيْنَ اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ لِكَلِمَةِ " رَحْمَنٍ " ، وَاسْتِعْمَالِهِ لِكَلِمَةِ " رَحِيمٍ " نَنْتَهِي إِلَى مَا يَأْتِي :
أَوَّلًا : أَنَّ وَصْفَ الرَّحْمَنِ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ لِلَّذَّاتِ الْعَلِيَّةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ وَلَا بِشَخْصٍ يُذْكَرُ ، وَلَكِنَّهُ وَصْفٌ لِلَّهِ أَوِ اسْمٌ لَهُ كَلَفْظِ الْجَلَالَةِ ، وَلَكِنَّهُ يُشْعِرُنَا بِالرَّحْمَةِ ، كَمَا أَنَّهُ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ كَلِمَةَ " الرَّحْمَنِ " اسْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَأَمَّا " الرَّحِيمُ " فَهُوَ وَصْفٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَتَعَلَّقُ بِرَحْمَتِهِ بِالْعِبَادِ الْمُكَلَّفِينَ الْمُخَاطَبِينَ بِشَرِيعَتِهِ ، وَالَّذِينَ طُلِبَ مِنْهُمْ أَنْ يَقُومُوا بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِجَابَةِ أَوَامِرِهِ ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ ; وَلِذَلِكَ يَقْتَرِنُ كَثِيرًا بِالتَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ .
[ ص: 54 ] ثَانِيًا : أَنَّ الرَّحْمَةَ فِي " الرَّحْمَنِ " أَكْثَرُ مِنَ " الرَّحِيمِ " ، وَلِذَلِكَ قَالُوا : إِنَّ رَحْمَةَ الرَّحْمَنِ ، هِيَ الرَّحْمَةُ بِالْوُجُودِ كُلِّهِ ، فَبِرَحْمَةِ الرَّحْمَنِ يَرْزُقُ اللَّهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَبِرَحْمَتِهِ الْوَاسِعَةِ يُنْزِلُ الْغَيْثَ ، وَيُرْسِلُ الرِّيَاحَ ، وَمَهَّدَ الْأَرْضَ ، وَجَعَلَ الْجِبَالَ ، وَبِرَحْمَةِ الرَّحْمَنِ بَعَثَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ، وَبِرَحْمَةِ الرَّحْمَنِ جَازَى الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ .
وَهَكَذَا كَانَتْ رَحْمَةُ الرَّحْمَنِ شَامِلَةً الْوُجُودَ كُلَّهُ ، وَالرَّحِيمُ مُتَعَلِّقٌ فِي رَحْمَتِهِ بِالْمُكَلَّفِينَ .
ثَالِثًا : أَنَّ " الرَّحْمَنَ " أَكْثَرُ رَحْمَةً لِمَا فِي الْوَصْفِ بِالرَّحْمَةِ فِيهِ مِنْ شُمُولٍ يَشْمَلُ الْوُجُودَ الْإِنْسَانِيَّ كُلَّهُ ، وَوَصْفُ " الرَّحِيمِ " خَاصٌّ بِالْمُكَلَّفِينَ ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ سِيَاقُ اللَّفْظِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ .
وَمِنْ هَذَا الِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّتَبُّعِ ، وَاسْتِنْبَاطِ الْمَعَانِي لِأَلْفَاظِ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) مِنَ اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ نَنْتَهِي إِلَى أَنَّ بَيَانَ مَعَانِي (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَأْمُرُنَا أَنْ نَتْلُوَ الْقُرْآنَ مُبْتَدِئِينَ تَالِينَ لِآيَاتِهِ بِاسْمِهِ الْأَقْدَسِ . نَتَبَرَّكُ بِهِ وَنَتَيَمَّنُ وَنُسَبِّحُ بِاسْمِهِ ، وَهُوَ اللَّهُ الْإِلَهُ الْمُتَفَرِّدُ بِالْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْمُتَفَرِّدُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَحْدَهُ جَلَّ جَلَالُهُ لِأَنَّهُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْوُجُودِ كُلِّهِ ، وَهُوَ " الرَّحْمَنُ " ذُو الرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ الَّتِي تَعُمُّ الْوُجُودَ كُلَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، الْمُدَبِّرُ لِلْوُجُودِ بِرَحْمَتِهِ ، وَهُوَ " الرَّحِيمُ " بِعِبَادِهِ يَغْفِرُ لَهُمْ وَيَتُوبُ عَلَيْهِمْ ، وَيُشَرِّعُ لَهُمْ مِنَ الشَّرَائِعِ مَا يَكُونُ خَيْرًا لَهُمْ فِي مَعَادِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .