الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 71 ] الفصل الثالث

في ألقاب الحروف

وهي عشرة ألقاب لقبها بها الخليل بن أحمد في أول كتاب العين، وهي مشتقة من أسماء المواضع التي تخرج منها، وإليك بيانها:

الأول: الحروف الجوفية وهي حروف المد الثلاثة - الألف - ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا - والواو - الساكنة المضموم ما قبلها - والياء - الساكنة المكسور ما قبلها، ويجمع الكل لفظ (نوحيها) ولقبت بذلك لخروجها من جوف الحلق كما مر، وتلقب أيضا بالمدية لامتداد الصوت بها كما سيأتي الكلام عليها في موضعه، وتلقب أيضا بحروف العلة لما يعتريها من القلب والإبدال والإعلال كما تقرر في فن الصرف.

قال في نهاية القول المفيد: "وهو بالصوت أشبه، فلولا تصعد الألف وتسفل الياء واعتراض الواو بين التصعد والتسفل لما تميزت عن الصوت المجرد" اهـ بحروفه، وقال بمعناه ملا علي القاري.

الثاني: الحروف الحلقية، وهي الهمزة والهاء والعين والحاء المهملتان والغين والخاء المعجمتان، ولقبت بذلك لخروجها من الحلق كما تقدم، فإن روعي ما جاء في مذهبي سيبويه والفراء فتصير الحروف الحلقية سبعة أحرف بإضافة ألف المد إليها؛ حيث قالا بخروجها من أقصى الحلق مع الهمزة.

[ ص: 72 ] وفي ذلك يقول الإمام ابن بري في الدرر وهو ممن أخذ بمذهب سيبويه :


فالهاء والهمزة ثم الألف من آخر الحلق جميعا تعرف     والعين من وسطه والحاء
والغين من آخره والخاء

اهـ

الثالث: الحروف اللهوية وهما حرفان: القاف والكاف، ويقال لهما: اللهويان نسبة إلى "اللهاة" بفتح اللام وهي اللحمة المشرفة على الحلق.

الرابع: الحروف الشجرية بسكون الجيم، وقد اختلف العلماء في حروف هذا اللقب، فذهب البعض إلى أن حروفه ثلاثة، وذهب البعض الآخر إلى أنها أربعة، واختلف القائلون بالأحرف الثلاثة، فذهب بعضهم إلى أنها الجيم والشين والياء، وذهب غيرهم إلى أنها الجيم والشين والضاد بإسقاط الياء.

أما القائلون بالأحرف الأربعة فهي عندهم: الجيم والشين والياء والضاد، واختلف قول الحافظ ابن الجزري فقال في النشر: إن الحروف الشجرية الجيم والشين [ ص: 73 ] المعجمة والياء غير المدية اهـ.

وقال في التمهيد: الشجرية وهي ثلاثة أحرف: الجيم والشين والضاد اهـ، فأسقط الياء، وفي المسألة كلام كثير غير ما ذكرنا، وقد أتينا بما يلائم المبتدئين، وفيه الكفاية إن شاء الله. هذا، والمراد بالياء في كل ما ذكر الياء غير المدية.

أما هي فقد تقدم أنها تخرج من الجوف، وسواء قلنا بأن الأحرف الشجرية ثلاثة أو أربعة فإن اعتبرنا مذهبي سيبويه والفراء فتصير الأحرف الشجرية أربعة بالنسبة لمن قال إنها ثلاثة، وتصير خمسة بالنسبة لمن قال إنها أربعة، وذلك بإضافة الياء المدية إليها؛ حيث قالا بخروجها من وسط اللسان مع الياء المتحركة مطلقا والساكنة إثر فتح كما مر في المخارج.

ولقبت هذه الأحرف بالشجرية لخروجها من شجر الفم، وهو ما بين وسط اللسان وما يقابله من الحنك الأعلى في قول، وقيل غير ذلك، وبالله التوفيق.

الخامس: الحروف الذلقية بفتح اللام وسكونها، وهي اللام والنون والراء، ولقبت بذلك لخروجها من ذلق اللسان وهو طرفه، وقال في الرعاية: سماهن الخليل بذلك؛ لأنه نسبهن إلى الموضع الذي يخرجن منه، ومخرجهن من طرف اللسان، وطرف كل شيء ذلقه اهـ.

السادس: الحروف النطعية بكسر النون وفتح الطاء، وهي الطاء والدال المهملتان والتاء المثناة فوق، قال العلامة المارغني في النجوم الطوالع: وتسمى هذه الأحرف الثلاثة نطعية لمجاورة مخرجها نطع غار الحنك الأعلى وهو سقفه، لا لخروجها منه كما قيل، والنطع بكسر النون وإسكان الطاء وفتحها ما ظهر من الحنك الأعلى فيه آثار كالتحزيز كما في القاموس اهـ.

السابع: الحروف الأسلية، وهي الصاد والسين المهملتان والزاي، ولقبت بذلك لخروجها من أسلة اللسان أي طرفه لا مستقره كما قيل، وتسمى حروف [ ص: 74 ] الصفير أيضا، كما سيأتي بيانه في مبحث الصفات.

الثامن: الحروف اللثوية وهي الظاء والذال المعجمتان والثاء المثلثة، ولقبت بذلك لخروجها من قرب اللثة لا منها.

التاسع: الحروف الشفوية أو الشفهية، وهي الفاء والواو غير المدية والباء الموحدة والميم، ولقبت بذلك لخروجها من الموضع الذي تخرج منه وهو باطن الشفة السفلى بالنسبة للفاء، وللشفتين معا بالنسبة لغيرها في الجملة.

فإن روعي ما قاله سيبويه والفراء فتصير الحروف الشفوية خمسة أحرف بإضافة الواو المدية إليها؛ حيث قالا بخروجها من الشفتين مع المتحركة، فتنبه.

العاشر: الحروف الهوائية، وهي حروف المد الثلاثة التي تقدم ذكرها في الحروف الجوفية، ولقبت بذلك لانتشار هوائها في الفم حال النطق بها، حتى يمر على جميع المخارج، فهي باعتبار المد هوائية وباعتبار مخرجها من الجوف جوفية، وهذا هو السبب في تلقيبها بهذين اللقبين، فتأمل، والله الموفق.

وقد نظم هذه الألقاب العشرة غير واحد من الفضلاء، وإليك أسهلها وأخصرها لصاحب لآلئ البيان فقال:


وأحرف المد إلى الجوف انتمت     وهكذا إلى الهواء نسبت
وأحرف الحلق أتت حلقيه     والقاف والكاف معا لهويه
والجيم والشين وياء لقبت     مع ضادها شجرية كما ثبت
واللام والنون ورا ذلقيه     والطاء والدال وتا نطعيه
وأحرف الصفير قل أسليه     والظاء والذال وثا لثويه
والفا وميم با واو سميت     شفوية فتلك عشرة أتت

اهـ

والله تعالى أعلى وأعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية