الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 208 ] باب ما يوجب الغسل

                                                                                                                                            قال الشافعي : " أخبرنا الثقة هو الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت : " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا . ورواه من جهة أخرى عن عائشة أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا التقى الختانان وجب الغسل . ( قال ) حدثنا إبراهيم قال حدثنا موسى بن عامر الدمشقي وغيره قالوا حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي في هذا الحديث مثله .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال لما فرغ الشافعي من ذكر ما يوجب الوضوء عقبه بذكر ما يوجب الغسل ، والذي يوجب الغسل أربعة أشياء :

                                                                                                                                            شيئان منهما يشترك فيهما الرجال والنساء ، وشيئان منهما يختص بهما النساء ، دون الرجال ، فأما الشيئان اللذان يشترك فيهما الرجال والنساء :

                                                                                                                                            فأحدهما : التقاء الختانين .

                                                                                                                                            والثاني : إنزال المني ، فأما التقاء الختانين فموجب للغسل سواء كان معه إنزال أو لم يكن وهو قول الأكثر من الصحابة والجمهور والتابعين والفقهاء .

                                                                                                                                            وقال داود بن علي : لا غسل فيه إذا لم يكن معه إنزال ، وبه قال من الصحابة أبي بن كعب ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو سعيد الخدري استدلالا برواية الزهري عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الماء من الماء " يعني الاغتسال من الإنزال فدل على انتفائه من غير الإنزال .

                                                                                                                                            [ ص: 209 ] وبما رواه هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب الأنصاري عن أبي بن كعب قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل ، فقال : يتوضأ ولا غسل عليه . ومعنى يكسل : يقطع جماعه .

                                                                                                                                            وبما روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا كسل أحدكم أو أقحط فلا غسل عليه " قوله : أقحط أي لم ينزل .

                                                                                                                                            ودليلنا ما رواه الشافعي عن سفيان ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة عن التقاء الختانين فقالت عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا التقى الختانان وجب الغسل " . وروى الشافعي ، عن إسماعيل بن علية ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قعد بين الشعب الأربع ثم ألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل .

                                                                                                                                            وروي عن أبي داود ، عن محمد بن مهران ، عن ميسر الحلبي ، عن أبي غسان ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : حدثني أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة ، رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدو الإسلام ثم أمر بالاغتسال من بعد . وروى أبو داود ، عن مسلم بن إبراهيم ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن الحسن بن أبي رافع ، عن [ ص: 210 ] أبي هريرة أن النبي أنه قال : " إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل " .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن أخبارهم [ فهو ] أنها منسوخة بما روينا عن أبي بن كعب .

                                                                                                                                            وروي عن محمود بن لبيد ، قال : سألت زيد بن ثابت عمن أولج ولم ينزل فقال : [ ص: 211 ] يغتسل فقلت : إن أبيا كان يقول لا يغتسل فقال : إن أبيا كان نزع عنه قبل أن يموت أي : رجع فدل على أنه منسوخ إذ لا يجوز أن يرجع الصحابي عن نص إلا بعد علمه بالنسخ ، ومن أصحابنا من كان يمتنع من حملها على النسخ ، ويتأولها فيمن هم بالجماع فأكسل عن الإيلاج فعليه الوضوء دون الغسل ، وهذا التأويل مع انتشار اختلاف الصحابة ثم رجوع من خالف مع ظهور الحجة فاسد ، وإن كان لولا ذلك محتملا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية