الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : قالوا يا أبانا استغفر لنا الآيتين .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 332 ]

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني عن عبد الله بن مسعود في قوله : ( سوف أستغفر لكم ربي ) قال : إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : ( سوف أستغفر لكم ربي ) قال : أخرهم إلى السحر وكان يصلي بالسحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : لم أخر يعقوب بنيه في الاستغفار ، قال : أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : في قصه قول أخي يعقوب لبنيه ( سوف أستغفر لكم ربي ) يقول : حتى تأتي ليلة الجمعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال جاء علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي أنت وأمي [ ص: 333 ]

                                                                                                                                                                                                                                      تفلت هذا القرآن من صدري ، فما أجدني أقدر عليه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا الحسن أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع الله بهن من علمته ويثبت ما تعلمت في صدرك ، قال : أجل يا رسول الله فعلمني ، قال : إذا كانت ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب ، وقد قال أخي يعقوب لبنيه ( سوف أستغفر لكم ربي ) يقول : حتى تأتي ليلة الجمعة فإن لم تستطع فقم في وسطها فإن لم تستطع فقم في أولها فصل أربع ركعات تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة يس وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأحسن الثناء على الله وصل علي وعلى سائر النبيين واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان ثم قل في آخر ذلك : اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني اللهم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام أسألك يا ألله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني [ ص: 334 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني ، اللهم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام أسألك يا ألله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصري وأن تطلق به لساني وأن تفرج به عن قلبي وأن تشرح به صدري وأن تغسل به بدني فإنه لا يعينني على الحق غيرك ولا يؤتيه إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، يا أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا يجاب بإذن الله تعالى والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمنا قط ، قال ابن عباس فوالله ما لبث علي إلا خمسا أو سبعا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك المجلس قال يا رسول الله كنت فيما خلا لا آخذ الأربع آيات ونحوهن فإذا قرأتهن على نفسي تفلتن وأنا أتعلم اليوم أربعين آية ونحوها فإذا قرأتها على نفسي فكأنما كتاب الله بين عيني ولقد كنت أسمع الحديث فإذا رددته تفلت ، وأنا اليوم أسمع الأحاديث فإذا تحدثت بها لم أخرم منها حرفا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : مؤمن ورب الكعبة أبا الحسن .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن عمرو بن قيس في قوله : ( سوف [ ص: 335 ]

                                                                                                                                                                                                                                      أستغفر لكم ربي
                                                                                                                                                                                                                                      ) قال : في صلاة الليل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن أنس بن مالك قال : إن الله لما جمع ليعقوب شمله ببنيه وأقر عينه خلا ولده نجيا ، فقال بعضهم لبعض : ألستم قد علمتم ما صنعتم وما لقي منكم يوسف قالوا بلى قالوا فيغركم عفوهما عنكم فكيف لكم بربكم واستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه ويوسف إلى جنب أبيه قاعد قالوا : يا أبانا أتيناك في أمر لم نأتك في مثله قط ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله حتى حركوه - والأنبياء أرحم البرية - فقال : ما لكم يا بني ، قالوا : ألست قد علمت ما كان منا إليك وما كان منا إلى أخينا يوسف قالا : بلى ، قالوا : أفلستما قد عفوتما قالا : بلى ، قالوا : فإن عفوكما لا يغني عنا شيئا إن كان الله لم يعف عنا ، قال : فما تريدون يا بني قالوا : نريد أن تدعو الله فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفا قرت أعيننا واطمأنت قلوبنا ، وإلا فلا قرة عين في الدنيا لنا أبدا ، قال : فقام الشيخ فاستقبل القبلة وقام يوسف خلف أبيه وقاموا خلفهما أذلة خاشعين فدعا وأمن يوسف فلم يجب فيهم عشرين سنة حتى إذا كان رأس العشرين نزل جبريل على يعقوب عليهما السلام فقال : إن الله بعثني أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك وأنه قد عفا عما صنعوا وأنه قد [ ص: 336 ]

                                                                                                                                                                                                                                      اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن قال : لما جمع الله ليعقوب بنيه قال ليوسف : حدثني ما صنع بك إخوتك قال : فابتدأ يحدثه فغشي عليه جزعا ، فقال : يا أبت إن هذا من أهون ما صنعوا بي فقال لهم يعقوب : يا بني أما لكم موقف بين يدي الله تخافون أن يسألكم عما صنعتم قالوا يا أبانا قد كان ذاك فاستغفر لنا وقال : وقد كان الله تبارك وتعالى عود يعقوب إذا سأله حاجة أن يعطيها إياه في أول يوم أو في الثاني أو الثالث لا محالة - فقال : إذا كان السحر فأفيضوا عليكم من الماء ثم البسوا ثيابكم التي تصونونها ثم هلموا إلي : ففعلوا فجاءوا فقام يعقوب أمامهم ويوسف خلفه وهم خلف يوسف إلى أن طلعت الشمس لم تنزل عليهم التوبة ثم اليوم الثاني ثم اليوم الثالث فلما كانت الليلة الرابعة ناموا فجاءهم يعقوب فقال : يا بني نمتم والله عليكم ساخط فقوموا ، فقام وقاموا عشرين سنة يطلبون إلى الله الحاجة فأوحى الله إلى يعقوب : إني قد تبت عليهم وقبلت توبتهم ، قال : يا رب النبوة قال : قد أخذت ميثاقهم في النبيين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عائشة قال : ما تيب على ولد يعقوب إلا بعد عشرين سنة وكان أبوهم بين أيديهم فما تيب عليهم حتى نزل جبريل فعلمه [ ص: 337 ]

                                                                                                                                                                                                                                      هذا الدعاء : يا رجاء المؤمنين لا تقطع رجاءنا يا غياث المؤمنين أغثنا ، يا مانع المؤمنين امنعنا ، يا محب التوابين تب علينا ، قال : فأخره إلى السحر فدعا به فتيب عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الليث بن سعد أن يعقوب وإخوة يوسف أقاموا عشرين سنة يطلبون فيما فعل إخوة يوسف بيوسف لا يقبل ذلك منهم حتى لقي جبريل يعقوب فعلمه هذا الدعاء : يا رجاء المؤمنين لا تخيب رجائي ويا غوث المؤمنين أغثني ، ويا عون المؤمنين أعني ، يا حبيب التوابين تب علي ، فاستجيب لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : ( سوف أستغفر لكم ربي ) إلى قوله : ( إن شاء الله آمنين ) قال هو سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله ، وبين هذا وبين ذاك ما بينه قال : وهذا من تقديم القرآن وتأخيره ، قال أبو عبيد : ذهب ابن جريج إلى أن الاستثناء في قوله : ( إن شاء الله ) من كلام يعقوب حين قال لهم : ( سوف أستغفر لكم ربي ) استثنى فقال : ( إن شاء الله ) وليس من [ ص: 338 ]

                                                                                                                                                                                                                                      كلام يوسف حين قال : ادخلوا مصر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن أبي عمران الجوني قال : ما قص الله علينا نبأهم يعيرهم بذلك إنهم لأنبياء من أهل الجنة ولكن قص علينا نبأهم لئلا يقنط عبده .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية