الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم أإن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون

قال بعض المتأولين: إن أهل هذه القرية أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم المرسلين، فلذلك قالوا: إنا تطيرنا بكم ، وقال مقاتل : احتبس عنهم المطر فلذلك قالوه، ومعناه: تشاءمنا بكم، مأخوذ من الحكم بالطير، وهو معنى متداول في الأمم، وقلما يستعمل "تطيرت" إلا في الشؤم، وأما حكم الطير عند مستعمليه ففي التيمن والشؤم، والأظهر أن تطير هؤلاء إنما كان بسبب ما دخل قريتهم من اختلاف الكلمة وافتتان الناس، وهذا على نحو تطير قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعلى نحو ما خوطب به موسى عليه السلام. وقال قتادة : إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم. و"لنرجمنكم" معناه: بالحجارة. قاله قتادة رضي الله عنه. وقولهم عليهم السلام: طائركم معكم معناه: حظكم وما صار إليه من شر أو خير معكم، أي: من أفعالكم وبكسباتكم، ليس هو من أجلنا ولا بسببنا، بل ببغيكم وكفركم، وبهذا فسر الناس. وسمي الحظ والنصيب طائرا استعارة، أي هو مما يحصل عن النظر في الطائر، وكثر استعمال هذا المعنى حتى قالت المرأة الأنصارية: "طار لنا حين اقتسم المهاجرون عثمان بن مظعون "، ويقول الفقهاء: طار لفلان في المحاصة كذا.

[ ص: 241 ] وقرأ ابن هرمز ، والحسن ، وعمرو بن عبيد : "طيركم"، وقرأ حمزة ، والكسائي ، وعاصم ، وابن عامر : "أإن" بهمزتين الثانية مكسورة، على معنى: أإن ذكرتم تتطيرون؟ وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن كثير بتسهيل هذه الهمزة الثانية وردها ياء "أين ذكرتم"، وقرأ الماجشون: "أن" بفتح الألف، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: "إن ذكرتم" بكسر الألف، وقرأ أبو عمرو - في بعض ما روي عنه - وزر بن حبيش أيضا: "أأن" بهمزتين مفتوحتين، وشاهده قول الشاعر:


أأن كنت ذا بردين أحوى مرجلا ... فلست براع لابن عمك محرما



وقرأ أبو جعفر بن القعقاع، والأعمش : "أين" بسكون الياء "ذكرتم" بتخفيف الكاف، فهي "أين" المقولة في الظرف، وهذه قراءة خالد ، وطلحة ، وقتادة ، والحسن في تخفيف الكاف فقط. ثم وصفهم تعالى بالإسراف والتعدي.

وأخبر تبارك وتعالى ذكره عن حال رجل جاء من أقصى المدينة، سمع من المرسلين وفهم عن الله فجاء يسعى على قدميه وسمع قولهم، فلما فهمه روي أنه تعقب أمرهم [ ص: 242 ] وسبره بأن قال لهم: أتطلبون أجرا على دعوتكم هذه؟ قالوا: لا، فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم والإيمان بهم إذ هو الحق، ثم احتج عليهم بقوله: اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ، أي: وهم على هدى من الله. وهذه الآية حاكمة بنقص من يأخذ أجرة على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة كالصلاة ونحوها، فإنها كالتبليغ لمن بعث، بخلاف ما لا يلزمه كالإمارة والقضاء، وقد ارتزق أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

وروي عن أبي مجلز، وكعب الأحبار ، وابن عباس أن اسم هذا الرجل حبيب، وكان نجارا، وكان - فيما قال وهب بن منبه - قد تجذم، وقيل: كان في غار يعبد ربه، وقال ابن أبي ليلى : "سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون"، وذكر الناس من أسماء الرسل: صادق وصدوق وشلوم، وغير هذا، والصحة معدومة فاختصرت.

التالي السابق


الخدمات العلمية