الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

الحكم الثاني : أنه لا يحصل الاستبراء بطهر البتة ، بل لا بد من حيضة ، وهذا قول الجمهور ، وهو الصواب ، وقال أصحاب مالك ، والشافعي في قول له : [ ص: 643 ] يحصل بطهر كامل ، ومتى طعنت في الحيضة ، تم استبراؤها بناء على قولهما : إن الأقراء الأطهار ، ولكن يرد هذا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة ) .

وقال رويفع بن ثابت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم حنين : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يطأ جارية من السبي حتى يستبرئها بحيضة ) رواه الإمام أحمد وعنده فيه ثلاثة ألفاظ هذا أحدها . الثاني : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا توطأ الأمة حتى تحيض وعن الحبالى حتى تضعن .

الثالث : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكحن ثيبا من السبايا حتى تحيض ) . فعلق الحل في ذلك كله بالحيض وحده لا بالطهر ، فلا يجوز إلغاء ما اعتبره ، واعتبار ما ألغاه ، ولا تعويل على ما خالف نصه ، وهو مقتضى القياس المحض فإن الواجب هو الاستبراء ، والذي يدل على البراءة هو الحيض ، فأما الطهر ، فلا دلالة فيه على البراءة ، فلا يجوز أن يعول في الاستبراء على ما لا دلالة له فيه عليه دون ما يدل عليه ، وبناؤهم هذا على أن الأقراء هي الأطهار ، بناء على الخلاف للخلاف ، وليس بحجة ولا شبهة ، ثم لم يمكنهم بناء هذا على ذاك حتى خالفوه ، فجعلوا الطهر الذي طلقها فيه قرءا ، ولم يجعلوا طهر المستبرأة التي تجدد عليها الملك فيه ، أو مات سيدها فيه قرءا ، وحتى خالفوا الحديث أيضا ، كما تبين ، وحتى خالفوا المعنى كما بيناه ، ولم يمكنهم هذا البناء إلا بعد هذه الأنواع الثلاثة من المخالفة ، وغاية ما قالوا : إن بعض الحيضة المقترن بالطهر يدل على البراءة ، فيقال لهم فيكون الاعتماد عليهم حينئذ على بعض الحيضة ، وليس ذلك قرءا عند أحد ؟ فإن قالوا : هو اعتماد على بعض حيضة وطهر .

قلنا : هذا قول ثالث في مسمى القروء ، ولا يعرف ، وهو أن تكون حقيقته مركبة من حيض وطهر .

[ ص: 644 ] فإن قالوا : بل هو اسم للطهر بشرط الحيض . فإذا انتفى الشرط ، انتفى المشروط ، قلنا : هذا إنما يمكن لو علق الشارع الاستبراء بقرء ، فأما مع تصريحه على التعليق بحيضة ، فلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية