الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : حتى إذا استيئس الرسل الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج أبو عبيد والبخاري والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه من طريق عروة أنه سأل عائشة عن قوله : ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) قال : قلت : أكذبوا أم كذبوا قالت عائشة بل ( كذبوا ) يعني بالتشديد قلت : والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن ، قالت : أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك ، فقلت لعلها ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) مخففة ، قالت : معاذ الله لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها ، قلت : فما هذه الآية قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد [ ص: 353 ]

                                                                                                                                                                                                                                      كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عبد الله بن أبي مليكة أن ابن عباس قرأها عليه ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) مخففة ، يقول أخلفوا وقال ابن عباس وكانوا بشرا وتلا ( حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ) قال ابن أبي مليكة : فذهب ابن عباس إلى أنهم يئسوا وضعفوا فظنوا أنهم قد أخلفوا قال ابن أبي مليكة : وأخبرني عروة عن عائشة أنها خالفت ذلك وأبته وقالت : ما وعد الله رسوله من شيء إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم وكانت تقرؤها ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) مثقلة للتكذيب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه من طريق عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) بالتشديد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه من طريق عمرة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) مخففة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر [ ص: 354 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) مخففة ، قال : يئس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم فيما جاءوا به ( جاءهم نصرنا ) قال : جاء الرسل نصرنا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر والطبراني ، وأبو الشيخ ، عن تميم بن حذلم قال : قرأت على ابن مسعود القرآن فلم يأخذ علي إلا حرفين ( وكل أتوه داخرين ) فقال : ( أتوه ) مخففة ، وقرأت عليه ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) فقال : ( كذبوا ) مخففة قال : ( استيئس الرسل ) من إيمان قومهم أن يؤمنوا لهم وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه من طريق أبي الأحوص عن ابن مسعود قال : حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة يوسف ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) خفيفة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 355 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ربيعة بن كلثوم قال : حدثني أبي أن مسلم بن يسار سأل سعيد بن جبير فقال : يا أبا عبد الله آية قد بلغت مني كل مبلغ ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) مثقلة فهذا الموت أن تظن الرسل أنهم قد كذبوا أو نظن أنهم قد كذبوا مخففة ، فقال سعيد بن جبير حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم وظن قومهم أن الرسل كذبتهم جاءهم نصرنا فقام مسلم إلى سعيد فاعتنقه وقال : فرج الله عنك كما فرجت عني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن إبراهيم بن أبي حرة الجزري قال : صنعت طعاما فدعوت ناسا من أصحابنا منهم سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم فسأل فتى من قريش سعيد بن جبير فقال : يا أبا عبد الله كيف تقرأ هذا الحرف فإني إذا أتيت عليه تمنيت أني لا أقرأ هذه السورة ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) قال : نعم حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا فقال الضحاك لو رحلت في هذه إلى اليمن لكان قليلا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 356 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد أنه قرأها ( كذبوا ) بفتح الكاف والتخفيف ، قال : استيأس الرسل أن يعذب قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ( جاءهم نصرنا ) قال : جاء الرسل نصرنا ، قال مجاهد : قال في المؤمن ( فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم ) قال قولهم : نحن أعلم منهم ولن نعذب وقوله : ( وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) قال : حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس ( فننجي من نشاء ) قال : فننجي الرسل ومن نشاء ( ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) وذلك أن الله بعث الرسل فدعوا قومهم فأخبروهم أنه من أطاع الله نجا ومن عصاه عذب وغوى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ( جاءهم نصرنا ) قال : العذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن نصر بن عاصم - أنه قرأ ( فنجا من نشاء ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي بكر - أنه قرأ ( فنجي من نشاء ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن السدي – ( ولا يرد بأسنا ) قال : عذابنا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 357 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية