[ ص: 229 ] nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68nindex.php?page=treesubj&link=28981_29434_29711قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون
بيان لجملة ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض إلى آخرها ، وفي هذا البيان إدماج بحكاية فن من فنون كفرهم مغاير لادعاء شركاء لله ; لأن هذا كفر خفي من دينهم ، ولأن الاستدلال على إبطاله مغاير للاستدلال على إبطال الشركاء .
فضمير " قالوا " عائد إلى الذين يدعون من دون الله شركاء أي قال المشركون اتخذ الله ولدا . وليس المراد من الضمير غيرهم من
النصارى لأن السورة مكية والقرآن المكي لم يتصد لإبطال زيغ عقائد أهل الكتاب ، ذلك أن كثيرا منهم كانوا يزعمون أن لله بنات هم الملائكة ، وهم بناته من سروات نساء الجن ، ولذلك عبدت فرق من العرب الجن قال - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=28ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=41قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون
والاتخاذ : جعل شيء لفائدة الجاعل ، وهو مشتق من الأخذ لأن المتخذ يأخذ الشيء الذي يصطفيه . وقد تقدم في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=74أتتخذ أصناما آلهة ، في سورة الأنعام ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ، في الأعراف ، فالاتخاذ يصدق على أخذ شيء موجود للاستئثار به ، ويصدق على تكوين شيء للانتفاع به . وهو هنا صالح للمعنيين لأن منهم من يعتقد تولد الولد عن الله تعالى ، ومنهم من يعتقد أن الله تبنى بعض مخلوقاته .
والولد : اسم مصوغ على وزن فعل مثل عمد وعرب . وهو مأخوذ من الولادة ، أي النتاج . يقال : ولدت المرأة والناقة ، ولعل أصل الولد مصدر
[ ص: 230 ] ممات على وزن فعل مثل الفرح . ومن أجل ذلك أطلق على الواحد والجمع كما يوصف بالمصدر . يقال : هؤلاء ولد فلان . وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341948أنا سيد ولد آدم والمراد هنا الجمع لأنهم قالوا : الملائكة بنات الله استولدها من سروات الجن قال - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57ويجعلون لله البنات سبحانه
وجملة سبحانه إنشاء تنزيه للرد عليهم ، فالجملة جواب لذلك المقال ولذلك فصلت عن التي قبلها . وهو اسم مصدر لـ " سبح " إذا نزه ، نائب عن الفعل ، أي نسبحه . وتقدم عند قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32قالوا سبحانك لا علم لنا في سورة البقرة ، أي تنزيها لله عن هذا لأن ما قالوه يستلزم تنقيص الله تعالى ، ولذلك بينت جملة التنزيه بجملة "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68هو الغني " بيانا لوجه التنزيه ، أي هو الغني عن اتخاذ الولد ; لأن الإلهية تقتضي الغنى المطلق عن كل احتياج إلى مكمل نقص في الذات أو الأفعال ، واتخاذ الولد إما أن ينشأ عن اندفاع طبيعي لقضاء الشهوة عن غير قصد التوليد وكونها نقصا غير خفي ، وإما أن ينشأ عن القصد والتفكير في إيجاد الولد ، وذلك لا يكون إلا لسد ثلمة نقص من حاجة إلى معنى في الحياة أو خلف بعد الممات . وكل ذلك مناف للإلهية التي تقتضي الاتصاف بغاية الكمال في الذات والصفات والأفعال .
والغني : الموصوف بالغنى ، فعيل للمبالغة في فعل " غني " عن كذا إذا كان غير محتاج ، وغنى الله هو الغنى المطلق . وفسر في أصول الدين الغنى المطلق بأنه عدم الافتقار إلى المخصص وإلى المحل ، فالمخصص هو الذي يعين للممكن إحدى صفتي الوجود أو العدم عوضا عن الأخرى ، فبذلك ثبت للإله الوجود الواجب ، أي الذي لا يتصور انتفاؤه ولذلك انتفى عنه التركيب من أجزاء وأبعاض ومن أجل ذلك امتنع أن ينفصل عنه شيء منه ، والولد ينشأ من جزء منفصل عن الوالد ، فلا جرم أن كان الغني منزها عن الولد من جهة الانفصال ، ثم هو أيضا لا يجوز أن يتخذ بعض المخلوقات ولدا له بالتبني لأجل كونه غنيا عن الحاجات التي تبعث على اتخاذ الولد من طلب معونة أو إيناس أو خلف ، قال - تعالى :
[ ص: 231 ] وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل عباد مكرمون وقال "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68له ما في السماوات وما في الأرض مقررة لوصف الغنى بأن ما في السماوات وما في الأرض ملكه ، فهو يسخر كل موجود لما خلقه لأجله ، فلا يحتاج إلى إعانة ولد ، ولا إلى ترفيع رتبة أحد استصناعا له كما يفعل الملوك لقواد جيوشهم وأمراء أقطارهم وممالكهم لاكتساب مودتهم وإخلاصهم . وهذا مساو للاستدلال على نفي الشريك في قوله آنفا "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن " ودل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68له ما في السماوات وما في الأرض على أن صفة العبودية تنافي صفة البنوة وذلك مثل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=26وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون
ويؤخذ من هذا أن الولد لا يسترق لأبيه ولا لأمه ولذلك يعتق الولد على من يملكه من أب أو أم وإن عليا .
وجملة "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68إن عندكم من سلطان بهذا " جواب ثان لقولهم "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68اتخذ الله ولدا فلذلك فصلت كما فصلت جملة " سبحانه " ، فبعد أن استدل على إبطال قولهم ، سجل عليهم أنهم لا حجة لهم في قولهم ذلك .
و " إن " حرف نفي .
و " من " مزيدة لتأكيد النفي بالاستغراق ، أي استغراق نفي جميع أنواع الحجة قويها وضعيفها ، عقليها وشرعيها .
و " عند " هنا مستعملة مجازا . شبه وجود الحجة للمحتج بالكون في مكانه ، والمعنى : لا حجة لكم .
و " سلطان " محله رفع بالابتداء ، وخبره عندكم واشتغل آخر المبتدأ عن الضمة بكسرة حرف الجر الزائدة .
[ ص: 232 ] والسلطان : البرهان والحجة ; لأنه يكسب المستدل به سلطة على مخالفه ومجادله . وقد تقدم عند قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71ما نزل الله بها من سلطان في سورة الأعراف .
والباء للملابسة ، وهي في موضع صفة لـ " سلطان " ، أي سلطان ملابس لهذا . والإشارة إلى المقول .
والمعنى : لا حجة لكم تصاحب مقولكم بأن الله اتخذ ولدا .
وجملة "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68أتقولون على الله ما لا تعلمون " جواب ثالث ناشئ عن الجوابين لأنهم لما أبطل قولهم بالحجة . ونفى أن تكون لهم على قولهم حجة كانوا أحرياء بالتوبيخ والتشنيع بأنهم يجترئون على جناب الله فيصفون الله بما لا يعلمون ، أي بما لا يوقنون به ، ولكونها جوابا فصلت .
فالاستفهام مستعمل في التوبيخ ; لأن المذكور بعده شيء ذميم ، واجتراء عظيم وجهل كبير مركب .
[ ص: 229 ] nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68nindex.php?page=treesubj&link=28981_29434_29711قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
بَيَانٌ لِجُمْلَةِ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَى آخِرِهَا ، وَفِي هَذَا الْبَيَانِ إِدْمَاجٌ بِحِكَايَةِ فَنٍّ مِنْ فُنُونِ كُفْرِهِمْ مُغَايِرٌ لِادِّعَاءِ شُرَكَاءَ لِلَّهِ ; لِأَنَّ هَذَا كُفْرٌ خَفِّيٌّ مِنْ دِينِهِمْ ، وَلِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى إِبْطَالِهِ مُغَايِرٌ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِبْطَالِ الشُّرَكَاءِ .
فَضَمِيرُ " قَالُوا " عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ أَيْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا . وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الضَّمِيرِ غَيْرَهُمْ مِنَ
النَّصَارَى لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَالْقُرْآنُ الْمَكِّيُّ لَمْ يَتَصَدَّ لِإِبْطَالِ زَيْغِ عَقَائِدِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، ذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ لِلَّهِ بَنَاتٍ هُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَهُمْ بَنَاتُهُ مِنْ سَرَوَاتِ نِسَاءِ الْجِنِّ ، وَلِذَلِكَ عَبَدَتْ فِرَقٌ مِنَ الْعَرَبِ الْجِنَّ قَالَ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=28وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=41قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ
وَالِاتِّخَاذُ : جَعْلُ شَيْءٍ لِفَائِدَةِ الْجَاعِلِ ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَخْذِ لِأَنَّ الْمُتَّخِذَ يَأْخُذُ الشَّيْءَ الَّذِي يَصْطَفِيهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=74أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ، فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ، فِي الْأَعْرَافِ ، فَالِاتِّخَاذُ يَصْدُقُ عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ مَوْجُودٍ لِلِاسْتِئْثَارِ بِهِ ، وَيَصْدُقُ عَلَى تَكْوِينِ شَيْءٍ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ . وَهُوَ هَنَا صَالِحٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُ تَوَلُّدَ الْوَلَدِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَبَنَّى بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ .
وَالْوَلَدُ : اسْمٌ مَصُوغٌ عَلَى وَزْنِ فَعَلَ مِثْلَ عَمَدَ وَعَرَبَ . وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوِلَادَةِ ، أَيِ النِّتَاجِ . يُقَالُ : وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ وَالنَّاقَةُ ، وَلَعَلَّ أَصْلَ الْوَلَدِ مَصْدَرٌ
[ ص: 230 ] مُمَاتٌ عَلَى وَزْنِ فَعَلٍ مِثْلَ الْفَرَحِ . وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ كَمَا يُوصَفُ بِالْمَصْدَرِ . يُقَالُ : هَؤُلَاءِ وَلَدُ فُلَانٍ . وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341948أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَالْمُرَادُ هُنَا الْجَمْعُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا : الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ اسْتَوْلَدَهَا مِنْ سَرَوَاتِ الْجِنِّ قَالَ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ
وَجُمْلَةُ سُبْحَانِهِ إِنْشَاءُ تَنْزِيهٍ لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ ، فَالْجُمْلَةُ جَوَابٌ لِذَلِكَ الْمَقَالِ وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا . وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ لِـ " سَبَّحَ " إِذَا نَزَّهَ ، نَائِبٌ عَنِ الْفِعْلِ ، أَيْ نُسَبِّحُهُ . وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، أَيْ تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَنْ هَذَا لِأَنَّ مَا قَالُوهُ يَسْتَلْزِمُ تَنْقِيصَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلِذَلِكَ بُيِّنَتْ جُمْلَةُ التَّنْزِيهِ بِجُمْلَةِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68هُوَ الْغَنِيُّ " بَيَانًا لِوَجْهِ التَّنْزِيهِ ، أَيْ هُوَ الْغَنِيُّ عَنِ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ ; لِأَنَّ الْإِلَهِيَّةَ تَقْتَضِي الْغِنَى الْمُطْلَقَ عَنْ كُلِّ احْتِيَاجٍ إِلَى مُكَمِّلِ نَقْصٍ فِي الذَّاتِ أَوِ الْأَفْعَالِ ، وَاتِّخَاذُ الْوَلَدِ إِمَّا أَنْ يَنْشَأَ عَنِ انْدِفَاعٍ طَبِيعِيٍّ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ عَنْ غَيْرِ قَصْدِ التَّوْلِيدِ وَكَوْنِهَا نَقْصًا غَيْرَ خَفِيٍّ ، وَإِمَّا أَنْ يَنْشَأَ عَنِ الْقَصْدِ وَالتَّفْكِيرِ فِي إِيجَادِ الْوَلَدِ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِسَدِّ ثُلْمَةِ نَقْصٍ مِنْ حَاجَةٍ إِلَى مَعْنًى فِي الْحَيَاةِ أَوْ خَلَفٍ بَعْدَ الْمَمَاتِ . وَكُلُّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِلْإِلَهِيَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي الِاتِّصَافَ بِغَايَةِ الْكَمَالِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ .
وَالْغَنِيُّ : الْمَوْصُوفُ بِالْغِنَى ، فَعِيلٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي فِعْلِ " غَنِيَ " عَنْ كَذَا إِذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ ، وَغِنَى اللَّهِ هُوَ الْغِنَى الْمُطْلَقُ . وَفُسِّرَ فِي أُصُولِ الدِّينِ الْغِنَى الْمُطْلَقُ بِأَنَّهُ عَدَمُ الِافْتِقَارِ إِلَى الْمُخَصِّصِ وَإِلَى الْمَحَلِّ ، فَالْمُخَصِّصُ هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ لِلْمُمْكِنِ إِحْدَى صِفَتَيِ الْوُجُودِ أَوِ الْعَدَمِ عِوَضًا عَنِ الْأُخْرَى ، فَبِذَلِكَ ثَبَتَ لِلْإِلَهِ الْوُجُودُ الْوَاجِبُ ، أَيِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ انْتِفَاؤُهُ وَلِذَلِكَ انْتَفَى عَنْهُ التَّرْكِيبُ مِنْ أَجْزَاءٍ وَأَبْعَاضٍ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهُ ، وَالْوَلَدُ يَنْشَأُ مِنْ جُزْءٍ مُنْفَصِلٍ عَنِ الْوَالِدِ ، فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ الْغَنِيُّ مُنَزَّهًا عَنِ الْوَلَدِ مِنْ جِهَةِ الِانْفِصَالِ ، ثُمَّ هُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ بَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَدًا لَهُ بِالتَّبَنِّي لِأَجْلِ كَوْنِهِ غَنِيًّا عَنِ الْحَاجَاتِ الَّتِي تَبْعَثُ عَلَى اتِّخَاذِ الْوَلَدِ مِنْ طَلَبِ مَعُونَةٍ أَوْ إِينَاسٍ أَوْ خَلَفٍ ، قَالَ - تَعَالَى :
[ ص: 231 ] وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ وَقَالَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مُقَرِّرَةٌ لِوَصْفِ الْغِنَى بِأَنَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِلْكُهُ ، فَهُوَ يُسَخِّرُ كُلَّ مَوْجُودٍ لِمَا خَلَقَهُ لِأَجْلِهِ ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِعَانَةِ وَلَدٍ ، وَلَا إِلَى تَرْفِيعِ رُتْبَةِ أَحَدٍ اسْتِصْنَاعًا لَهُ كَمَا يَفْعَلُ الْمُلُوكُ لِقُوَّادِ جُيُوشِهِمْ وَأُمَرَاءِ أَقْطَارِهِمْ وَمَمَالِكِهِمْ لِاكْتِسَابِ مَوَدَّتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ . وَهَذَا مُسَاوٍ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى نَفْيِ الشَّرِيكِ فِي قَوْلِهِ آنِفًا "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ " وَدَلَّ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ عَلَى أَنَّ صِفَةَ الْعُبُودِيَّةِ تُنَافِي صِفَةَ الْبُنُوَّةِ وَذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=26وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُسْتَرَقُّ لِأَبِيهِ وَلَا لِأُمِّهِ وَلِذَلِكَ يُعْتَقُ الْوَلَدُ عَلَى مَنْ يَمْلِكُهُ مِنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ وَإِنْ عَلَيَا .
وَجُمْلَةُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا " جَوَابٌ ثَانٍ لِقَوْلِهِمُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ كَمَا فُصِلَتْ جُمْلَةُ " سُبْحَانَهُ " ، فَبَعْدَ أَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ ، سَجَّلَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ .
وَ " إِنْ " حَرْفُ نَفْيٍ .
وَ " مِنْ " مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ بِالِاسْتِغْرَاقِ ، أَيِ اسْتِغْرَاقِ نَفْيِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحُجَّةِ قَوِيِّهَا وَضَعِيفِهَا ، عَقْلِيِّهَا وَشَرْعِيِّهَا .
وَ " عِنْدَ " هُنَا مُسْتَعْمَلَةٌ مَجَازًا . شَبَّهَ وُجُودَ الْحُجَّةِ لِلْمُحْتَجِّ بِالْكَوْنِ فِي مَكَانِهِ ، وَالْمَعْنَى : لَا حُجَّةَ لَكُمْ .
وَ " سُلْطَانٍ " مَحَلُّهُ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ ، وَخَبَرُهُ عِنْدَكُمْ وَاشْتَغَلَ آخِرُ الْمُبْتَدَأِ عَنِ الضَّمَّةِ بِكَسْرَةِ حَرْفِ الْجَرِّ الزَّائِدَةِ .
[ ص: 232 ] وَالسُّلْطَانُ : الْبُرْهَانُ وَالْحُجَّةُ ; لِأَنَّهُ يُكْسِبُ الْمُسْتَدِلَّ بِهِ سُلْطَةً عَلَى مُخَالِفِهِ وَمُجَادِلِهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ .
وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ ، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ صِفَةٍ لِـ " سُلْطَانٍ " ، أَيْ سُلْطَانٍ مُلَابِسٍ لِهَذَا . وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْمَقُولِ .
وَالْمَعْنَى : لَا حُجَّةَ لَكُمْ تُصَاحِبُ مَقُولَكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ وَلَدًا .
وَجُمْلَةُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=68أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " جَوَابٌ ثَالِثٌ نَاشِئٌ عَنِ الْجَوَابَيْنِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَبْطَلَ قَوْلَهُمْ بِالْحُجَّةِ . وَنَفَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ حُجَّةٌ كَانُوا أَحْرِيَاءَ بِالتَّوْبِيخِ وَالتَّشْنِيعِ بِأَنَّهُمْ يَجْتَرِئُونَ عَلَى جَنَابِ اللَّهِ فَيَصِفُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ ، أَيْ بِمَا لَا يُوقِنُونَ بِهِ ، وَلِكَوْنِهَا جَوَابًا فُصِلَتْ .
فَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّوْبِيخِ ; لِأَنَّ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ شَيْءٌ ذَمِيمٌ ، وَاجْتِرَاءٌ عَظِيمٌ وَجَهْلٌ كَبِيرٌ مُرَكَّبٌ .