الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 255 ] قوله عز وجل:

ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون

هذه نفخة البعث، و"الصور": القرن في قول جماعة المفسرين، وبذلك تواترت الأحاديث، وذهب أبو عبيدة إلى أنه جمع صورة، خرج مخرج بسر وبسرة، وكذلك قال سورة البناء جمعها سور، والمعنى عنده وعند من قال بقوله: نفخ في صور بني آدم فعادوا أحياء. و"الأجداث" القبور، وقرأ الأعرج : "في الصور" بفتح الواو، جمع صورة. و"ينسلون": يمشون مشية الذئب بسرعة، ومنه قول الشاعر:


عسلان الذئب أمسى قاربا ... برد الليل عليه فنسل



وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "ينسلون": يخرجون، وقرأ الجمهور: بكسر السين، وضمها ابن أبي إسحق، وأبو عمرو . [ ص: 256 ] ونداؤهم الويل هو بمعنى: هذا وقتك وأوان حضورك، وهو منادى مضاف، ويحتمل أن يكون نصبه على المصدر والمنادى محذوف، كأنهم قالوا: "يا قومنا ويلنا"، وقرأ ابن أبي ليلى : "يا ويلتنا" بتاء التأنيث. وقرأ الجمهور: "من بعثنا" على معنى الاستفهام، وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما: أنهما قرآ: "من بعثنا" بكسر الميم من "من" وبسكون العين وكسر الثاء في" بعثنا" نصبا على المصدر، وفي قراءة ابن مسعود : "من أهبنا من مرقدنا" وفي قراءة أبي: "من هبنا". قال أبو الفتح: ولم أر لها في اللغة أصلا، ولا مر بنا "مهبوب"، ونسبها أبو حاتم إلى ابن مسعود ، وقولهم: "من مرقدنا" يحتمل أن يريدون من موضع الرقاد حقيقة، ويروى عن أبي بن كعب ، وقتادة ، ومجاهد أن جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وهذا غير صحيح الإسناد، وإنما الوجه في قولهم "من مرقدنا" أنها استعارة وتشبيه، كما تقول في قتيل: هذا مرقده إلى يوم القيامة، وفي الثعلبي أنهم قالوا: "من مرقدنا" لأن عذاب القبر كان كالرقاد في جنب ما صاروا إليه من عذاب جهنم. وقال الزجاج : يجوز أن يكون "هذا" إشارة إلى المرقد، ثم استأنف بقوله: ما وعد الرحمن ويضمر الخبر: "حق" أو نحوه، وقال الجمهور: ابتداء الكلام: هذا ما وعد الرحمن .

واختلف في هذه المقالة، من قالها؟ فقال ابن زيد : هي من قول الكفرة لما رأوا البعث والنشور الذي كانوا يكذبون به في الدنيا، وقالت فرقة: ذلك من قول الله تبارك وتعالى لهم على جهة التوبيخ والتوقيف، وقال الفراء : هو من قول الملائكة، وقال قتادة ومجاهد : هو من قول المؤمنين للكفار على جهة التقريع.

[ ص: 257 ] ثم أخبر تعالى أن أمر القيامة والبعث من القبور ما هو إلا صيحة واحدة فإذا الجميع حاضر محشور، وقرأت فرقة: "إلا صيحة" بالنصب، وفرقة بالرفع، وقد تقدم إعراب نظيرها.

وقوله: "فاليوم" نصب على الظرف، ويريد يوم الحشر المذكور وهذه مخاطبة يحتمل أن تكون لجميع العالم.

التالي السابق


الخدمات العلمية