الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ثم يذكر سبحانه وتعالى ما ينزل بهم:

                                                          وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون [ ص: 3582 ]

                                                          (إما) هي (إن) الشرطية المدغمة في " ما " و: " ما " لتقوية الشرط، وجاءت بعد نون التوكيد الثقيلة.

                                                          وأن نريك بعض الذي نعدهم من الدنيا في خذلان وإعلاء لكلمة الحق وجعل النصر للمؤمنين، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الحق هي العليا وضياع سلطانهم وجعل السلطان في بلاد العرب لله ولرسوله، إن نرك هكذا تكن العزة، فجواب الشرط محذوف تؤخذ دلالته من الشرط نفسه، وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما وعده ربه وما أوعدهم به.

                                                          أو نتوفينك هو الغرض الثاني وهو معطوف على الشرط السابق، أي: يتوفاك الله الذي خلقك ونصرك وأعزك فإلينا مرجعهم أي: إن تحضر النصر على الكافرين جميعا وكان منهم من بقي على كفره أو كان إسلامه على نفاق كالأعراب الذين ارتدوا أو ممن لم تبلغهم الدعوة في حياتك ثم بلغهم الإسلام بعد وفاتك فإلينا مرجعهم وقدم الجار والمجرور على (مرجعهم) للإشارة إلى أن لله وحده المرجع والمآب، وهو الرقيب عليهم في الدنيا والمحاسب لهم في الآخرة، ينزل العقاب لمن كفر، والثواب لمن آمن واهتدى وآثر الآخرة الباقية على الدنيا الفانية.

                                                          وإن الله شهيد على ما يفعلون ويعطي الثواب والعقاب; ولذا قال تعالى: ثم الله شهيد على ما يفعلون كلمة (ثم) للترتيب والتراخي، والترتيب ترتيب معنوي فالله تعالى شهيد على ما فعلوا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وما يفعلون بعده، ولكنه فرق بين رؤية النبي فيما يقع حسا، وبين ما ينزل بهم إلى علم الله عالم الغيب والشهادة الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض.

                                                          والبعد الذي تدل عليه كلمة ثم هو البعد المعنوي بين رؤية الإنسان وشهادة الله تعالى الله شهيد أي: عالم علم من يشهد ويرى كرؤيتك المؤكدة، فهو عالم علم المشاهدة بما يفعلون آنا بعد آن، أي: بما يتجدد في فعلهم وهو سبحانه يحاسبهم عليه إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وإليه المآب.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية