الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 196 ] قوله تعالى : " وشروه " هذا حرف من حروف الأضداد ، تقول شريت الشيء ، بمعنى بعته ; وشريته ، بمعنى اشتريته . فإن كان بمعنى باعوه ، ففيهم قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنهم إخوته ، وهو قول الأكثرين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنهم السيارة ، ولم يبعه إخوته ، قاله الحسن ، وقتادة . وإن كان بمعنى اشتروه ، فإنهم السيارة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " بثمن بخس " فيه ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنه الحرام ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، وقتادة في آخرين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنه القليل ، قاله عكرمة ، والشعبي ، قال ابن قتيبة : البخس : الخسيس الذي بخس به البائع .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : الناقص ، وكانت الدراهم عشرين درهما في العدد ، وهي تنقص عن عشرين في الميزان ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " دراهم معدودة " قال الفراء : إنما قيل : " معدودة " ليستدل بها على القلة . وقال ابن قتيبة : أي : يسيرة ، سهل عددها لقلتها ، فلو كانت كثيرة لثقل عددها . وقال ابن عباس : كانوا في ذلك الزمان لا يزنون أقل من أربعين درهما ، وقيل : إنما لم يزنوها لزهدهم فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي عدد تلك الدراهم خمسة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : عشرون درهما ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس في رواية ، وعكرمة في رواية ، ونوف الشامي ، ووهب بن منبه ، والشعبي ، وعطية ، والسدي ، ومقاتل في آخرين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : عشرون درهما وحلة ، ونعلان ، روي عن ابن عباس أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 197 ] والثالث : اثنان وعشرون درهما ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : أربعون درهما ، قاله عكرمة في رواية ، وابن إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس : ثلاثون درهما ، ونعلان ، وحلة ، وكانوا قالوا له بالعبرانية : إما أن تقر لنا بالعبودية ، وإما أن نأخذك منهم فنقتلك ، قال : بل أقر لكم بالعبودية ، ذكره إسحاق بن بشر عن بعض أشياخه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال المفسرون : اقتسموا ثمنه ، فاشتروا به نعالا وخفافا .

                                                                                                                                                                                                                                      وكان بعض الصالحين يقول : والله ما يوسف - وإن باعه أعداؤه - بأعجب منك في بيعك نفسك بشهوة ساعة من معاصيك .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وكانوا فيه من الزاهدين " الزهد : قلة الرغبة في الشيء .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المشار إليهم قولان : أحدهما : أنهم إخوته ، قاله ابن عباس ; فعلى هذا ، في هاء " فيه " قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنها ترجع إلى يوسف ، لأنهم لم يعلموا مكانه من الله تعالى ، قاله الضحاك ، وابن جريج . والثاني : أنها ترجع إلى الثمن . وفي علة زهدهم قولان : أحدهما : رداءته . والثاني : أنهم قصدوا بعد يوسف ، لا الثمن .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنهم السيارة الذين اشتروه .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي علة زهدهم ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم ارتابوا لقلة ثمنه . والثاني : أن إخوته وصفوه عندهم بالخيانة والإباق . والثالث : لأنهم علموا أنه حر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية