قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28993من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ . في هذه الآية الكريمة أوجه من التفسير معروفة عند العلماء ، وبعضها يشهد لمعناه قرآن .
[ ص: 287 ] الأول : أن المعنى : من كان من الكفرة الحسدة له صلى الله عليه وسلم يظن أن لن ينصره الله ؛ أي : أن لن ينصر الله نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15فليمدد بسبب [ 22 \ 15 ] ؛ أي : بحبل إلى السماء ؛ أي سماء بيته ، والمراد به السقف : لأن العرب تسمي كل ما علاك سماء كما قال :
وقد يسمى سماء كل مرتفع وإنما الفضل حيث الشمس والقمر
كما أوضحناه في سورة الحجر .
والمعنى : فليعقد رأس الحبل في خشبة السقف
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15ثم ليقطع [ 22 \ 15 ] ؛ أي : ليختنق بالحبل ، فيشده في عنقه ، ويتدلى مع الحبل المعلق في السقف حتى يموت ، وإنما أطلق القطع على الاختناق ; لأن الاختناق يقطع النفس بسبب حبس مجاريه ، ولذا قيل للبهر وهو تتابع النفس : قطع ، فلينظر إذا اختنق
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15هل يذهبن كيده ؛ أي : هل يذهب فعله ذلك ما يغيظه من نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة .
والمعنى : لا يذهب ذلك الذي فعله ذلك الكافر الحاسد ما يغيظه ويغضبه من نصر الله لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وسمي فعله كيدا ; لأنه وضعه موضع الكيد ؛ حيث لم يقدر على غيره ، أو على سبيل الاستهزاء ; لأنه لم يكد به محسوده ، إنما كاد به نفسه ، والمراد : ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظه . اهـ منه .
وحاصل هذا القول : أن الله يقول لحاسديه صلى الله عليه وسلم الذين يتربصون به الدوائر ، ويظنون أن ربه لن ينصره : موتوا بغيظكم ، فهو ناصره لا محالة على رغم أنوفكم ، وممن قال بهذا القول :
مجاهد ،
وقتادة ،
وعكرمة ،
وعطاء ،
وأبو الجوزاء ، وغيرهم . كما نقله عنهم
ابن كثير ، وهو أظهرها عندي .
ومما يشهد لهذا المعنى من القرآن : قوله تعالى .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم .
الوجه الثاني : أن المعنى : من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، والحال أن النصر يأتيه صلى الله عليه وسلم من السماء ، فليمدد بسبب إلى السماء فيرتقي بذلك السبب ، حتى يصعد إلى السماء فيقطع نزول الوحي من السماء ، فيمنع النصر عنه صلى الله عليه وسلم .
والمعنى : أنه وإن غاظه نصر الله لنبيه . فليس له حيلة ، ولا قدرة على منع النصر ;
[ ص: 288 ] لأنه لا يستطيع الارتقاء إلى السماء ومنع نزول النصر منها عليه صلى الله عليه وسلم : وعلى هذا القول : فصيغة الأمر في قوله : فليمدد [ 22 \ 15 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15ثم ليقطع للتعجيز فلينظر ذلك الحاسد العاجز عن قطع النصر عنه صلى الله عليه وسلم : هل يذهب كيده إذا بلغ غاية جهده في كيد النبي صلى الله عليه وسلم ، ما يغيظه من نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم .
والمعنى : أنه إن أعمل كل ما في وسعه من كيد النبي صلى الله عليه وسلم ، ليمنع عنه نصر الله ، فإنه لا يقدر على ذلك ، ولا يذهب كيده ما يغيظه من نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم .
ومما يشهد لهذا القول من القرآن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=10أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب [ 38 \ 10 - 11 ] وقد أوضحنا معنى هذه الآية في سورة الحجر .
ولبعض أهل العلم قول ثالث في معنى الآية الكريمة : وهو أن الضمير في
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15لن ينصره عائد إلى " من " في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15من كان يظن [ 22 \ 15 ] وأن النصر هنا بمعنى الرزق ، وأن المعنى : من كان يظن أن لن ينصره الله ؛ أي : لن يرزقه ، فليختنق ، وليقتل نفسه ؛ إذ لا خير في حياة ليس فيها رزق الله وعونه ، أو فليختنق وليمت غيظا وغما ، فإن ذلك لا يغير شيئا مما قضاه الله وقدره ، والذين قالوا هذا القول قالوا : إن العرب تسمي الرزق نصرا ، وعن
أبي عبيدة قال : وقف علينا سائل من
بني بكر ، فقال : من ينصرني نصره الله . يعني : من يعطيني أعطاه الله ، قالوا : ومن ذلك قول العرب : أرض منصورة ؛ أي : ممطورة ، ومنه قول رجل من
بني فقعس :
وإنك لا تعطي امرءا فوق حقه ولا تملك الشق الذي الغيث ناصره
؛ أي : معطيه .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : وهذا القول الأخير ظاهر السقوط ، كما ترى ، والذين قالوا : إن الضمير في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15أن لن ينصره الله راجع إلى الدين أو الكتاب ، لا يخالف قولهم قول من قال : إن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأن نصر الدين والكتاب هو نصره صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى ، ونصر الله له صلى الله عليه وسلم في الدنيا بإعلائه كلمته ، وقهره أعداءه ، وإظهار دينه ، وفي الآخرة بإعلاء درجته ، والانتقام ممن كذبه ، ونحو ذلك ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد [ 40 \ 51 ] فإن قيل : قررتم أن الضمير في " ينصره " عائد إليه صلى الله عليه وسلم ، وهو لم يجر له ذكر ، فكيف قررتم رجوع
[ ص: 289 ] الضمير إلى غير مذكور ؟
فالجواب هو ما قاله غير واحد ، من أنه صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يجر له ذكر ، فالكلام دال عليه ; لأن الإيمان في قوله في الآية التي قبلها :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=14إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات الآية [ 22 \ 14 ] . هو الإيمان بالله
وبمحمد صلى الله عليه وسلم ، والانقلاب عن الدين المذكور في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=11انقلب على وجهه [ 22 \ 11 ] انقلاب عما جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15ثم ليقطع قرأه
أبو عمرو ،
وابن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=17274وورش عن
نافع بكسر اللام على الأصل في لام الأمر ، وقرأه الباقون بإسكان اللام تخفيفا .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28993مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ . فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَوْجُهٌ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ، وَبَعْضُهَا يَشْهَدُ لِمَعْنَاهُ قُرْآنٌ .
[ ص: 287 ] الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمَعْنَى : مَنْ كَانَ مِنَ الْكَفَرَةِ الْحَسَدَةِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ ؛ أَيْ : أَنْ لَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ [ 22 \ 15 ] ؛ أَيْ : بِحَبْلٍ إِلَى السَّمَاءِ ؛ أَيْ سَمَاءِ بَيْتِهِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ السَّقْفُ : لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي كُلَّ مَا عَلَاكَ سَمَاءٌ كَمَا قَالَ :
وَقَدْ يُسَمَّى سَمَاءً كُلُّ مُرْتَفِعٍ وَإِنَّمَا الْفَضْلُ حَيْثُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ .
وَالْمَعْنَى : فَلْيَعْقِدْ رَأْسَ الْحَبْلِ فِي خَشَبَةِ السَّقْفِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15ثُمَّ لِيَقْطَعْ [ 22 \ 15 ] ؛ أَيْ : لِيَخْتَنِقْ بِالْحَبْلِ ، فَيَشُدُّهُ فِي عُنُقِهِ ، وَيَتَدَلَّى مَعَ الْحَبْلِ الْمُعَلَّقِ فِي السَّقْفِ حَتَّى يَمُوتَ ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْقَطْعَ عَلَى الِاخْتِنَاقِ ; لِأَنَّ الِاخْتِنَاقَ يَقْطَعُ النَّفَسَ بِسَبَبِ حَبْسِ مَجَارِيهِ ، وَلِذَا قِيلَ لِلْبُهْرِ وَهُوَ تَتَابُعُ النَّفَسِ : قَطْعٌ ، فَلْيَنْظُرْ إِذَا اخْتَنَقَ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ؛ أَيْ : هَلْ يُذْهِبُ فِعْلُهُ ذَلِكَ مَا يَغِيظُهُ مَنْ نَصْرِ اللَّهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
وَالْمَعْنَى : لَا يُذْهِبُ ذَلِكَ الَّذِي فَعَلَهُ ذَلِكَ الْكَافِرُ الْحَاسِدُ مَا يَغِيظُهُ وَيُغْضِبُهُ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَسُمِّيَ فِعْلُهُ كَيْدًا ; لِأَنَّهُ وَضَعَهُ مَوْضِعَ الْكَيْدِ ؛ حَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهِ ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكِدْ بِهِ مَحْسُودَهُ ، إِنَّمَا كَادَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَالْمُرَادُ : لَيْسَ فِي يَدِهِ إِلَّا مَا لَيْسَ بِمُذْهِبٍ لِمَا يَغِيظُهُ . اهـ مِنْهُ .
وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ : أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِحَاسِدِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِهِ الدَّوَائِرَ ، وَيَظُنُّونَ أَنَّ رَبَّهُ لَنْ يَنْصُرَهُ : مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ، فَهُوَ نَاصِرُهُ لَا مَحَالَةَ عَلَى رَغْمِ أُنُوفِكُمْ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ :
مُجَاهِدٌ ،
وقَتَادَةُ ،
وَعِكْرِمَةُ ،
وَعَطَاءٌ ،
وَأَبُو الْجَوْزَاءِ ، وَغَيْرُهُمْ . كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ
ابْنُ كَثِيرٍ ، وَهُوَ أَظْهَرُهَا عِنْدِي .
وَمِمَّا يَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنَ الْقُرْآنِ : قَوْلُهُ تَعَالَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْمَعْنَى : مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَالْحَالُ أَنَّ النَّصْرَ يَأْتِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّمَاءِ ، فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرْتَقِي بِذَلِكَ السَّبَبِ ، حَتَّى يَصْعَدَ إِلَى السَّمَاءِ فَيَقْطَعَ نُزُولَ الْوَحْيِ مِنَ السَّمَاءِ ، فَيَمْنَعَ النَّصْرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ وَإِنْ غَاظَهُ نَصْرُ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ . فَلَيْسَ لَهُ حِيلَةٌ ، وَلَا قُدْرَةٌ عَلَى مَنْعِ النَّصْرِ ;
[ ص: 288 ] لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الِارْتِقَاءَ إِلَى السَّمَاءِ وَمَنْعِ نُزُولِ النَّصْرِ مِنْهَا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ : فَصِيغَةُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ : فَلْيَمْدُدْ [ 22 \ 15 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15ثُمَّ لِيَقْطَعْ لِلتَّعْجِيزِ فَلْيَنْظُرْ ذَلِكَ الْحَاسِدُ الْعَاجِزُ عَنْ قَطْعِ النَّصْرِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ يُذْهِبُ كَيْدُهُ إِذَا بَلَغَ غَايَةَ جَهْدِهِ فِي كَيْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَا يَغِيظُهُ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ إِنْ أَعْمَلَ كُلَّ مَا فِي وُسْعِهِ مِنْ كَيْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِيَمْنَعَ عَنْهُ نَصْرَ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا يُذْهِبُ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُهُ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمِمَّا يَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=10أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ [ 38 \ 10 - 11 ] وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ .
وَلِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : وَهُوَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15لَنْ يَنْصُرَهُ عَائِدٌ إِلَى " مَنْ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15مَنْ كَانَ يَظُنُّ [ 22 \ 15 ] وَأَنَّ النَّصْرَ هُنَا بِمَعْنَى الرِّزْقِ ، وَأَنَّ الْمَعْنَى : مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ ؛ أَيْ : لَنْ يَرْزُقَهُ ، فَلْيَخْتَنِقْ ، وَلْيَقْتُلْ نَفْسَهُ ؛ إِذْ لَا خَيْرَ فِي حَيَاةٍ لَيْسَ فِيهَا رِزْقُ اللَّهِ وَعَوْنُهُ ، أَوْ فَلْيَخْتَنِقْ وَلْيَمُتْ غَيْظًا وَغَمًّا ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُغَيِّرُ شَيْئًا مِمَّا قَضَاهُ اللَّهُ وَقَدَّرَهُ ، وَالَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ قَالُوا : إِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الرِّزْقَ نَصْرًا ، وَعَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ : وَقَفَ عَلَيْنَا سَائِلٌ مِنْ
بَنِي بَكْرٍ ، فَقَالَ : مَنْ يَنْصُرْنِي نَصَرَهُ اللَّهُ . يَعْنِي : مَنْ يُعْطِينِي أَعْطَاهُ اللَّهُ ، قَالُوا : وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ : أَرْضٌ مَنْصُورَةٌ ؛ أَيْ : مَمْطُورَةٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُ رَجُلٍ مِنْ
بَنِي فَقْعَسٍ :
وَإِنَّكَ لَا تُعْطِي امْرَءًا فَوْقَ حَقِّهِ وَلَا تَمْلِكُ الشِّقَّ الَّذِي الْغَيْثُ نَاصِرُهْ
؛ أَيْ : مُعْطِيهِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّه عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ - : وَهَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ ظَاهِرُ السُّقُوطِ ، كَمَا تَرَى ، وَالَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الدِّينِ أَوِ الْكِتَابِ ، لَا يُخَالِفُ قَوْلُهُمْ قَوْلَ مَنْ قَالَ : إِنَّ الضَّمِيرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِأَنَّ نَصْرَ الدِّينِ وَالْكِتَابِ هُوَ نَصْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا لَا يَخْفَى ، وَنَصْرُ اللَّهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَائِهِ كَلِمَتَهُ ، وَقَهْرِهِ أَعْدَاءَهُ ، وَإِظْهَارِ دِينِهِ ، وَفِي الْآخِرَةِ بِإِعْلَاءِ دَرَجَتِهِ ، وَالِانْتِقَامِ مِمَّنْ كَذَّبَهُ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [ 40 \ 51 ] فَإِنْ قِيلَ : قَرَّرْتُمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي " يَنْصُرُهُ " عَائِدٌ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ ، فَكَيْفَ قَرَّرْتُمْ رُجُوعَ
[ ص: 289 ] الضَّمِيرِ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ ؟
فَالْجَوَابُ هُوَ مَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ ، فَالْكَلَامُ دَالٌّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ فِي قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=14إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ الْآيَةَ [ 22 \ 14 ] . هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ
وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالِانْقِلَابُ عَنِ الدِّينِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=11انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ [ 22 \ 11 ] انْقِلَابٌ عَمَّا جَاءَ بِهِ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15ثُمَّ لِيَقْطَعْ قَرَأَهُ
أَبُو عَمْرٍو ،
وَابْنُ عَامِرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَوَرْشٌ عَنْ
نَافِعٍ بِكَسْرِ اللَّامِ عَلَى الْأَصْلِ فِي لَامِ الْأَمْرِ ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ تَخْفِيفًا .