nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74nindex.php?page=treesubj&link=28981ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين
ثم للتراخي الرتبي ; لأن بعثة رسل كثيرين إلى أمم تلقوهم بمثل ما تلقى به
نوحا قومه أعجب من شأن قوم
نوح حيث تمالأت تلك الأمم على طريقة واحدة من الكفر . وليست ثم لإفادة التراخي في الزمن للاستغناء عن ذلك بقوله : من بعدهم
وقد أبهم الرسل في هذه الآية . ووقع في آيات أخرى التصريح بأنهم :
هود وصالح ، وإبراهيم ، ولوط ، وشعيب . وقد يكون هنالك رسل آخرون كما قال - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164ورسلا لم نقصصهم عليك ، ويتعين أن يكون المقصود هنا من كانوا قبل
موسى لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=75ثم بعثنا من بعدهم موسى
وفي الآية إشارة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=31827أن نوحا أول الرسل .
والبينات : هي الحجج الواضحة الدلالة على الصدق . والفاء للتعقيب ، أي أظهروا لهم المعجزات بإثر إرسالهم . والباء للملابسة ، أي جاءوا قومهم مبلغين الرسالة ملابسين البينات .
[ ص: 245 ] وقد قوبل جمع الرسل بجمع البينات فكان صادقا ببينات كثيرة موزعة على رسل كثيرين ، فقد يكون لكل نبيء من الأنبياء آيات كثيرة ، وقد يكون لبعض الأنبياء آية واحدة مثل آية
صالح وهي الناقة .
والفاء في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74فما كانوا ليؤمنوا للتفريع ، أي فترتب على ذلك أنهم لم يؤمنوا .
وصيغ النفي بصيغة لام الجحود مبالغة في انتفاء الإيمان عنهم بأقصى أحوال الانتفاء . حتى كأنهم لم يوجدوا لأن يؤمنوا بما كذبوا به ، أي لم يتزحزحوا عنه . ودلت صيغة الجحود على أن الرسل حاولوا إيمانهم محاولة متكررة .
ودل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74بما كذبوا به من قبل أن هنالك تكذيبا بادروا به لرسلهم ، وأنهم لم يقلعوا عن تكذيبهم الذي قابلوا به الرسل ; لأن التكذيب إنما يكون لخبر مخبر فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74فجاءوهم بالبينات مؤذن بحصول التكذيب فلما كذبوهم جاءوهم بالبينات على صدقهم فاستمروا على التكذيب فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل . وهذا من إيجاز الحذف لجمل كثيرة . وهذا يقتضي تكرر الدعوة وتكرر البينات وإلا لما كان لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل وقع لأن التكذيب الذي حصل أول مرة إذا لم يطرأ عليه ما من شأنه أن يقلعه كان تكذيبا واحدا منسيا .
وهذا
nindex.php?page=treesubj&link=28914من بلاغة معاني القرآن .
وبذلك يظهر وقع قوله عقبه
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74كذلك نطبع على قلوب المعتدين فإن الطبع مؤذن بأن قلوبهم قد ورد عليها ما لو خلت عند وروده عن الطبع عليها لكان شأنه أن يصل بهم إلى الإيمان ، ولكن الطبع على قلوبهم حال دون تأثير البينات في قلوبهم .
وقد جعل الطبع الذي وقع على قلوب هؤلاء مثلا لكيفيات الطبع على قلوب المعتدين فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74كذلك نطبع على قلوب المعتدين ، أي مثل هذا الطبع العجيب نطبع على قلوب المعتدين فتأملوه واعتبروا به .
[ ص: 246 ] والطبع : الختم . وهو استعارة لعدم دخول الإيمان قلوبهم . وتقدم في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7ختم الله على قلوبهم في سورة البقرة .
والاعتداء : افتعال من عدا عليه ، إذا ظلمه ، فالمعتدين مرادف الظالمين ، والمراد به المشركون لأن الشرك اعتداء ، فإنهم كذبوا الرسل فاعتدوا على الصادقين بلمزهم بالكذب وقد جاء في نظير هذه الآية من سورة الأعراف
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=101كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين فهذا التحالف للتفنن في حكاية هذه العبرة في الموضعين .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74nindex.php?page=treesubj&link=28981ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ
ثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتَبِيِّ ; لِأَنَّ بَعْثَةَ رُسُلٍ كَثِيرِينَ إِلَى أُمَمٍ تَلَقَّوْهُمْ بِمِثْلِ مَا تَلَقَّى بِهِ
نُوحًا قَوْمُهُ أَعْجَبُ مِنْ شَأْنِ قَوْمِ
نُوحٍ حَيْثُ تَمَالَأَتْ تِلْكَ الْأُمَمُ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْكُفْرِ . وَلَيْسَتْ ثُمَّ لِإِفَادَةِ التَّرَاخِي فِي الزَّمَنِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : مِنْ بَعْدِهِمْ
وَقَدْ أَبْهَمَ الرُّسُلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ . وَوَقَعَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمْ :
هُودٌ وَصَالِحٌ ، وَإِبْرَاهِيمُ ، وَلُوطٌ ، وَشُعَيْبٌ . وَقَدْ يَكُونُ هُنَالِكَ رُسُلٌ آخَرُونَ كَمَا قَالَ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ، وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ هُنَا مَنْ كَانُوا قَبْلَ
مُوسَى لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=75ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى
وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=31827أَنَّ نُوحًا أَوَّلُ الرُّسُلِ .
وَالْبَيِّنَاتُ : هِيَ الْحُجَجُ الْوَاضِحَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّدْقِ . وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ ، أَيْ أَظْهَرُوا لَهُمُ الْمُعْجِزَاتِ بِإِثْرِ إِرْسَالِهِمْ . وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ ، أَيْ جَاءُوا قَوْمَهُمْ مُبَلِّغِينَ الرِّسَالَةَ مُلَابِسِينَ الْبَيِّنَاتِ .
[ ص: 245 ] وَقَدْ قُوبِلَ جَمْعُ الرُّسُلِ بِجَمْعِ الْبَيِّنَاتِ فَكَانَ صَادِقًا بِبَيِّنَاتٍ كَثِيرَةٍ مُوَزَّعَةٍ عَلَى رُسُلٍ كَثِيرِينَ ، فَقَدْ يَكُونُ لِكُلِّ نَبِيءٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ ، وَقَدْ يَكُونُ لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ آيَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلَ آيَةِ
صَالِحٍ وَهِيَ النَّاقَةُ .
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا لِلتَّفْرِيعِ ، أَيْ فَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا .
وَصِيَغَ النَّفْيُ بِصِيغَةِ لَامِ الْجُحُودِ مُبَالِغَةً فِي انْتِفَاءِ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ بِأَقْصَى أَحْوَالِ الِانْتِفَاءِ . حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يُوجَدُوا لِأَنْ يُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ ، أَيْ لَمْ يَتَزَحْزَحُوا عَنْهُ . وَدَلَّتْ صِيغَةُ الْجُحُودِ عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ حَاوَلُوا إِيمَانَهُمْ مُحَاوَلَةً مُتَكَرِّرَةً .
وَدَلَّ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ أَنَّ هُنَالِكَ تَكْذِيبًا بَادَرُوا بِهِ لِرُسُلِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يُقْلِعُوا عَنْ تَكْذِيبِهِمُ الَّذِي قَابَلُوا بِهِ الرُّسُلَ ; لِأَنَّ التَّكْذِيبَ إِنَّمَا يَكُونُ لِخَبَرِ مُخْبَرٍ فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مُؤْذِنٌ بِحُصُولِ التَّكْذِيبِ فَلَمَّا كَذَّبُوهُمْ جَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ عَلَى صِدْقِهِمْ فَاسْتَمَرُّوا عَلَى التَّكْذِيبِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ . وَهَذَا مِنْ إِيجَازِ الْحَذْفِ لِجُمَلٍ كَثِيرَةٍ . وَهَذَا يَقْتَضِي تَكَرُّرَ الدَّعْوَةِ وَتَكَرُّرَ الْبَيِّنَاتِ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَقْعٌ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ الَّذِي حَصَلَ أَوَّلَ مَرَّةٍ إِذَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْلِعَهُ كَانَ تَكْذِيبًا وَاحِدًا مَنْسِيًّا .
وَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28914مِنْ بَلَاغَةِ مَعَانِي الْقُرْآنِ .
وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ وَقْعُ قَوْلِهِ عَقِبَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ فَإِنَّ الطَّبْعَ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ قُلُوبَهُمْ قَدْ وَرَدَ عَلَيْهَا مَا لَوْ خَلَتْ عِنْدَ وُرُودِهِ عَنِ الطَّبْعِ عَلَيْهَا لَكَانَ شَأْنُهُ أَنْ يَصِلَ بِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ ، وَلَكِنَّ الطَّبْعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ حَالَ دُونَ تَأْثِيرِ الْبَيِّنَاتِ فِي قُلُوبِهِمْ .
وَقَدْ جُعِلَ الطَّبْعُ الَّذِي وَقَعَ عَلَى قُلُوبِ هَؤُلَاءِ مَثَلًا لِكَيْفِيَّاتِ الطَّبْعِ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ، أَيْ مِثْلَ هَذَا الطَّبْعِ الْعَجِيبِ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ فَتَأَمَّلُوهُ وَاعْتَبِرُوا بِهِ .
[ ص: 246 ] وَالطَّبْعُ : الْخَتْمُ . وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ لِعَدَمِ دُخُولِ الْإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ . وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَالِاعْتِدَاءُ : افْتِعَالٌ مِنْ عَدَا عَلَيْهِ ، إِذَا ظَلَمَهُ ، فَالْمُعْتَدِينَ مُرَادِفُ الظَّالِمِينَ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّ الشِّرْكَ اعْتِدَاءٌ ، فَإِنَّهُمْ كَذَّبُوا الرُّسُلَ فَاعْتَدَوْا عَلَى الصَّادِقِينَ بِلَمْزِهِمْ بِالْكَذِبِ وَقَدْ جَاءَ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=101كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ فَهَذَا التَّحَالُفُ لِلتَّفَنُّنِ فِي حِكَايَةِ هَذِهِ الْعِبْرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .