الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2377 باب حج الصبي وأجر من حج به

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب صحة حج الصبي ... إلخ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 99 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن كريب (مولى ابن عباس ) ، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لقي ركبا بالروحاء. فقال: "من القوم؟" قالوا: المسلمون. فقالوا: من أنت؟ قال: "رسول الله".

                                                                                                                              فرفعت إليه امرأة صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم. ولك أجر"
                                                                                                                              ].

                                                                                                                              [ ص: 222 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 222 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عباس ) رضي الله عنهما: (عن النبي -صلى الله عليه وسلم -: لقي ركبة بالروحاء) .

                                                                                                                              الركب: أصحاب الإبل خاصة. وأصله أن يستعمل في (عشرة فما دونها).

                                                                                                                              و"الروحاء" : مكان على ستة وثلاثين ميلا من المدينة .

                                                                                                                              (فقال: "من القوم؟" قالوا: المسلمون. فقالوا: من أنت؟ قال: "رسول الله" -صلى الله عليه وسلم -) .

                                                                                                                              قال عياض : يحتمل أن هذا اللقاء كان ليلا، فلم يعرفوه -صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                              ويحتمل كونها نهارا، لكنهم لم يروه -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك، لعدم هجرتهم. فأسلموا في بلدانهم، ولم يهاجروا قبل ذلك.

                                                                                                                              (فرفعت إليه امرأة صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم. ولك أجر".)

                                                                                                                              "فيه": أن حج الصبي منعقد صحيح، يثاب عليه، وإن كان لا يجزئه عن حجة الإسلام، بل يقع تطوعا .

                                                                                                                              [ ص: 223 ] وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وجماهير العلماء، قال النووي : وهذا الحديث صريح فيه.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : لا يصح حجه. قال أصحابه: وإنما فعلوه تمرينا له ليعتاده، فيفعله إذا بلغ.

                                                                                                                              وهذا الحديث يرد عليهم.

                                                                                                                              قال عياض : لا خلاف بين العلماء، في جواز الحج بالصبيان. وإنما منعه طائفة من أهل البدع، ولا يلتفت إلى قولهم. بل هو مردود بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وإجماع الأمة.

                                                                                                                              وإنما خلاف أبي حنيفة في أنه: هل ينعقد حجه، وتجري عليه أحكام الحج، وتجب فيه الفدية، ودم الجبران، وسائر أحكام البالغ؟

                                                                                                                              فأبو حنيفة يمنع ذلك كله.

                                                                                                                              والجمهور يقولون: تجري عليه أحكام الحج في ذلك. ويقولون: حجه منعقد يقع نفلا، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل له حجا.

                                                                                                                              قال عياض : وأجمعوا على أنه لا يجزئه (إذا بلغ)، عن فريضة الإسلام، إلا فرقة شذت فقالت: يجزئه. ولم يلتفت العلماء إلى قولها. انتهى.

                                                                                                                              وأقول: ويؤيده: ما أخرجه البخاري ، وغيره، من حديث السائب بن يزيد : (قال: حج بي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وأنا ابن سبع سنين) .

                                                                                                                              [ ص: 224 ] وما أخرجه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجة ، من حديث جابر : (قال: حججنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم) . وفي إسناده: ( أشعث بن سوار ) وهو ضعيف.

                                                                                                                              وما أخرجه البخاري ، وغيره: (عن ابن عباس ؛ أنه بعثه -صلى الله عليه وسلم - في الثقل، وكان إذ ذاك صبيا) .

                                                                                                                              ولكن حديث ابن عباس ، الذي أخرجه الحاكم مرفوعا، وصححه البيهقي وابن حزم ، وصححه بلفظ: (أيما غلام حج به أهله، فعليه حجة أخرى) : يدل على أن هذه الحجة الواقعة عن الصبي، وإن ثبت له أجرها، لا تسقط عنه حجة الإسلام إذا بلغ.

                                                                                                                              ويشهد له: حديث محمد بن كعب القرظي ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (قال: "أيما صبي حج به أهله فمات، أجزأته عنه، فإن أدرك فعليه الحج") . أخرجه أبو داود في (المراسيل) ، وأحمد في رواية ابنه عبد الله . وفي إسناده متهم.

                                                                                                                              ويؤيد عدم إجزاء الحج عن الصبي: ما ورد في رفع قلم التكليف عنه.

                                                                                                                              ولا يلزم من ثبوت الأجر له: صحة حجه عن فريضة الإسلام، الواجبة عليه.




                                                                                                                              الخدمات العلمية