الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في إيجاب القضاء عليه

                                                                                                          735 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا كثير بن هشام حدثنا جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة وكانت ابنة أبيها فقالت يا رسول الله إنا كنا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه قال اقضيا يوما آخر مكانه قال أبو عيسى وروى صالح بن أبي الأخضر ومحمد بن أبي حفصة هذا الحديث عن الزهري عن عروة عن عائشة مثل هذا ورواه مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا ولم يذكروا فيه عن عروة وهذا أصح لأنه روي عن ابن جريج قال سألت الزهري قلت له أحدثك عروة عن عائشة قال لم أسمع من عروة في هذا شيئا ولكني سمعت في خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث حدثنا بذلك علي بن عيسى بن يزيد البغدادي حدثنا روح بن عبادة عن ابن جريج فذكر الحديث وقد ذهب قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا الحديث فرأوا عليه القضاء إذا أفطر وهو قول مالك بن أنس

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في إيجاب القضاء عليه ) أي على الصائم المتطوع الذي أفطر .

                                                                                                          قوله : ( جعفر بن برقان ) بضم الموحدة وسكون الراء بعدها قاف أبو عبد الله الرقي صدوق يهم في حديث الزهري ، كذا في التقريب .

                                                                                                          قوله : ( كنت أنا وحفصة ) بالرفع ( صائمتين ) أي نفلا فعرض لنا طعام بصيغة المجهول أو عرضه هنا أحد بطريق الهدية ( فبدرتني إليه حفصة ) أي سبقتني إليه -صلى الله عليه وسلم- في الكلام ، من بدرت الشيء بدورا أسرعت إليه ( وكانت ابنة أبيها ) تعني على خصال أبيها أي كانت جريئة كأبيها .

                                                                                                          [ ص: 359 ] قوله : ( ولم يذكروا فيه عن عروه وهذا أصح ) وقال النسائي : هذا خطأ . وقال ابن عيينة في روايته : سئل الزهري عنه أهو عن عروة؟ فقال لا وقال الخلال : اتفق الثقات على إرساله وشذ من وصله وتوارد الحفاظ على الحكم بضعف حديث عائشة هذا ، كذا في فتح الباري .

                                                                                                          قوله : ( فرأوا عليه القضاء إذا أفطر ، وهو قول مالك بن أنس ) وهو قول الحنفية ، واستدلوا عليه بحديث الباب وبحديث أبي سعيد الذي أشار إليه الترمذي في الباب المتقدم وقد ذكرنا لفظه ، وأجيب عن ذلك بما في حديث أم هانئ وإن كان تطوعا فإن شئت فلا تقضي ، رواه أحمد وأبو داود بمعناه ، فيجمع بينه وبين حديث عائشة وأبي سعيد بحمل القضاء على التخيير ، وهو مذهب الجمهور من أهل العلم .

                                                                                                          قال الشوكاني في النيل ص 131 : ويدل على جواز الإفطار وعدم وجوب القضاء حديث أبي جحيفة يعني الذي فيه قصة زيادة سلمان أبا الدرداء ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرر ذلك ولم يبين لأبي الدرداء وجوب القضاء عليه ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .

                                                                                                          قال ابن المنير : ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله تعالى : لا تبطلوا أعمالكم لأن الخاص يقدم على العام كحديث سلمان .

                                                                                                          [ ص: 360 ] وقال ابن عبد البر : من احتج في هذا بقوله تعالى : ولا تبطلوا أعمالكم فهو جاهل بأقوال أهل العلم ، فإن الأكثر على أن المراد بذلك النهي عن الرياء ، كأنه قال لا تبطلوا أعمالكم بالرياء ، بل أخلصوها لله . وقال آخرون لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر ، ولو كان المراد بذلك النهي عن إبطال ما لم يفرض الله عليه ولا أوجب على نفسه بنذر أو غيره ؛ لامتنع عليه الإفطار إلا بما يبيح الفطر من الصوم الواجب وهم لا يقولون بذلك ، انتهى .

                                                                                                          قال الشوكاني : ولا يخفى أن الآية عامة ، والاعتبار بعموم اللفظ . لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول ، فالصواب ما قال ابن المنير ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية