الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أحمد ، ثنا الحسن ، ثنا إسماعيل ، ثنا أبو حذيفة ، ثنا ابن سمعان ، أنبأنا شيخ من الفقهاء أن كعبا قال لعمر بن الخطاب - وأسلم في ولايته - وذلك أنه مر برجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ هذه الآية : ( ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها ) الآية ، فأسلم كعب ، ثم قدم على - عمر فاستأذنه بعد ذلك في الغزو إلى الروم ، فأذن له فانتهى إلى راهب قد حبس نفسه في صومعة أربعين سنة فناداه كعب فأشرف عليه الراهب فقال : من أنت ؟ قال :أنا كعب الحبر ، قال : قد سمعت بك فما حاجتك ؟ قال : جئت أسألك عن حالك ، نشدتك بالله هل حبست نفسك في هذه الصومعة إلا لآية تجدها في التوراة ؟ إن أصحاب رؤوس الصوامع البيض هم خيار عباد الله عند الله يوم القيامة ، قال : اللهم نعم ، قال : فنشدتك بالله هل تجد في الآية التي تتلوها أنهم الشعث الغبر الذين أولادهم يتامى لغيبة آبائهم [ ص: 7 ] وليسوا يتامى ، ونساؤهم أيامى لغيبة أزواجهن ولسن بأيامى ، أزودتهم على عواتقهم ، تحملهم أرض وتضعهم أخرى يجاهدون في سبيل الله ، هم خيار عباد الله ، قال : اللهم نعم ، قال : فإن هذه ليست تلك الصوامع إنما هي فساطيط أمة محمد - عليه الصلاة والسلام - يغزون في سبيل الله ، وليست هذه الصومعة التي حبست فيها نفسك . فنزل إليه الراهب فأسلم وشهد معه شهادة الحق وغزا معه الروم وانصرف إلى - عمر فأعجب - عمر بإسلامهما فكانت الرهبانية بدعة منهم .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، قال : ثنا عيسى بن خالد ، قال : ثنا أبو اليمان ، قال : ثنا إسماعيل بن عياش ، عن ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن يزيد بن شريح ، قال : قال كعب : لما قرأت : ( أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت ) أسلمت حينئذ شفقة أن يحول وجهي نحو قفاي .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا الحسن بن علي بن نصر ، ثنا محمد بن إسماعيل السلمي ، ثنا نعيم بن حماد ، ثنا أبو صفوان الأموي ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن كعب ، قال : قال الله تعالى : " أنا الله فوق عبادي ، وعرشي فوق جميع خلقي ، وأنا على عرشي أدبر أمر عبادي في سمائي وأرضي وإن حجبوا عني فلا يغيب عنهم علمي ، وإلي يرجع كل خلقي ، فأثيبهم بما خفي عليهم من علمي ، أغفر لمن شئت منهم بمغفرتي ، وأعذب من شئت منهم بعقابي .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا مطلب بن شعيب ، وبكر بن سهل ، قالا : ثنا عبد الله بن صالح ، حدثني يحيى بن أيوب ، عن خالد بن يزيد ، أن كعب الأحبار ، كان يقول : إن الخضر بن عاميل ركب في نفر من أصحابه حتى بلغ بحر الصركند وهو بحر الصين ، فقال لأصحابه : دلوني ، فدلوه أياما وليالي ثم صعد فقالوا له : يا خضر ما رأيت ؟ فقد أكرمك الله وحفظ لك نفسك في لجة هذا البحر ، فقال : استقبلني ملك من الملائكة ، فقال لي : أيها الآدمي الخطاء إلى أين ومن أين ؟ فقلت : أردت أن أنظر عمق هذا البحر ، فقال لي : فكيف وقد هوى رجل من زمان داود النبي - عليه السلام - ولم يبلغ ثلث قعره حتى الساعة ، وذلك منذ ثلاثمائة سنة ، فقلت : فأخبرني عن المد والجزر - يريد زيادة الماء ونقصانه - فقال الملك : إن [ ص: 8 ] الحوت الذي الأرض على ظهره يتنفس فيصير الماء في منخره فذلك الجزر ، ثم يتنفس فيخرجه من منخره فذلك المد ، فقلت : فأخبرني من أين جئت ؟ قال : من عند الحوت ، بعثني الله إليه أعذبه لأن حيتان البحر شكت إلى الله كثرة ما يأكل منها ، فقلت : فأخبرني علام قرار الأرض ؟ قال : الأرضون السبع على صخرة والصخرة على كف ملك والملك على جناح الحوت في الماء والماء على الريح والريح في الهواء عقيم لا تلقح وإن قرونها معلقة بالعرش .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا يحيى بن أيوب ، وأبو يزيد القراطيسي ، قالا : ثنا سعيد بن أبي مريم ، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، حدثني عباد بن إسحاق ، عن سليمان بن سحيم ، أن كعب الأحبار ، قال : إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض كلها فألقى في قلبه فقال : هل تدري ما على ظهرك يا لويثا من الأمم والشجر والدواب والناس والجبال ؟ لو نفضتهم ، ألقيتهم عن ظهرك أجمع ، قال : فهم لويثا يفعل ذلك فبعث الله إليه دابة دخلت في منخره فدخلت في دماغه فعج إلى الله منها فخرجت ، قال كعب : والذي نفسي بيده إنه لينظر إليها بين يديه وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت حيث كانت .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان الرقي ، ثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن المغيرة ، ثنا مجاشع بن عمرو ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن كعب قال : إن لله ملكا يقال له : صنديائيل البحار كلها في نقرة إبهامه .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا محمد بن عبد الله بن رستة ، ثنا قطن بن نسير ، ثنا جعفر بن سليمان ، ثنا أبو عمران الجوني ، عن عبد الله بن رباح الأنصاري ، قال : قال كعب : اجتمع ثلاثة نفر من عباد بني إسرائيل فاجتمعوا في أرض فلاة ، مع كل رجل منهم اسم من أسماء الله تعالى ، فقال أحدهم : سلوني فأدع الله لكم بما شئتم ، قالوا : نسألك أن تدعو الله تعالى أن يظهر لنا عينا سائحة بهذا المكان ورياضا خضرا وعبقريا ، قال : فدعا الله فإذا عين سائحة ورياض خضر وعبقري ، [ ص: 9 ] ثم قال أحدهم : سلوني فأدع الله لكم بما شئتم ، فقالوا : نسألك أن تدعو الله أن يطعمنا من ثمار الجنة ، فدعا الله فنزلت عليهم بسرة فأكلوا منها لا تغلب إلا أكلوا منها لونا ، ثم رفعت ، ثم قال أحدهم : سلوني فأدع الله لكم بما شئتم ، قالوا : نسألك أن تدعو الله أن ينزل علينا المائدة التي أنزلها على عيسى ابن مريم ، قال : فدعا فأنزلت فقضوا منها حاجتهم ، ثم رفعت ، قالوا : قد استجيب دعاؤنا وأعطينا سؤلنا ، فتعالوا يذكر كل رجل منا أعظم ذنب عمله قط ، فقال أحدهم : كنا معشر بني إسرائيل لا يصيب رجلا منا بول إلا قطعه ، فأصابني مرة بول فلم أبالغ في قطعه ولم أدعه ، فهذا أعظم ذنب عملته قط ، وقال الآخر : كنت أمشي أنا وصاحب لي في طريق ففرقت بيننا شجرة فخرجت عليه ففزع مني ، فقال : الله بيني وبينك ، فهذا أعظم ذنب عملته قط ، وقال الآخر : أما أنا فكانت لي والله والدة فجاءت مرة تدعوني فدعتني من قبل سفالة الريح فلم أسمع فغضبت فجعلت ترميني بالحجارة فجئت بالعصا لأجلس بين يديها فتضربني حتى ترضى ، فلما رأت العصا معي فزعت فهربت مني فتلقتها شجرة فشجتها في وجهها ، فهذا أعظم ذنب عملته قط .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أحمد بن عبد الله ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا أبو المغيرة ، ثنا أبو بكر بن أبي مريم ، ثنا العلاء بن سفيان ، عن كعب ، قال : إن الله تعالى يقول : تقضي الأبناء دين الآباء ، إني لآخذ بالرجل من أهل معصيتي القرن بعد القرن لثلاثة قرون ، وإني لأحفظ الرجل من أهل طاعتي القرن بعد القرن لعشرة قرون .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية