الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الذي خلقني فهو يهدين ( 78 ) والذي هو يطعمني ويسقين ( 79 ) وإذا مرضت فهو يشفين ( 80 ) والذي يميتني ثم يحيين ( 81 ) والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ( 82 ) )

يعني : لا أعبد إلا الذي يفعل هذه الأشياء ، ( الذي خلقني فهو يهدين ) أي : هو الخالق الذي قدر قدرا ، وهدى الخلائق إليه ، فكل يجري على [ ما ] قدر ، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء .

( والذي هو يطعمني ويسقين ) أي : هو خالقي ورازقي ، بما سخر ويسر من الأسباب السماوية والأرضية ، فساق المزن ، وأنزل الماء ، وأحيا به الأرض ، وأخرج به من كل الثمرات رزقا للعباد ، وأنزل الماء عذبا زلالا ل ( نسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ) [ الفرقان : 49 ] .

وقوله : ( وإذا مرضت فهو يشفين ) أسند المرض إلى نفسه ، وإن كان عن قدر الله وقضائه وخلقه ، ولكن أضافه إلى نفسه أدبا ، كما قال تعالى آمرا للمصلي أن يقول : ( اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ الفاتحة : 6 ، 7 ] فأسند الإنعام إلى الله ، سبحانه وتعالى ، والغضب حذف فاعله أدبا ، وأسند الضلال إلى العبيد ، كما قالت الجن : ( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ) [ الجن : 10 ] ; ولهذا قال [ ص: 147 ] إبراهيم : ( وإذا مرضت فهو يشفين ) أي : إذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره ، بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه .

( والذي يميتني ثم يحيين ) أي : هو الذي يحيي ويميت ، لا يقدر على ذلك أحد سواه ، فإنه هو الذي يبدئ ويعيد .

( والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ) أي : هو الذي لا يقدر على غفر الذنوب في الدنيا والآخرة ، إلا هو ، ومن يغفر الذنوب إلا الله ، وهو الفعال لما يشاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية