الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3094 ] القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [ 27 ] ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء أي : منهم ، لحكمة تقتضيه ، أي : يوفقه للإسلام والله غفور أي : يتجاوز عما سلف منهم من الكفر والمعاصي رحيم أي : يتفضل عليهم ويثيبهم .

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيهات :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : فيما نقل في غزوة ( حنين ) ، وتسمى غزوة ( أوطاس ) ، وهما موضعان بين مكة والطائف ، فسميت الغزوة باسم مكانهما ، وتسمى غزوة ( هوازن ) ، لأنهم الذين أتوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت هذه الواقعة بعد فتح مكة ، في شوال سنة ثمان من الهجرة ، فإن الفتح كان لعشر بقين من رمضان ، وبعده أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة ليلة ، وهو يقصر الصلاة ، فبلغه أن هوازن وثقيف جمعوا له ، وهم عامدون إلى مكة ، وقد نزلوا ( حنينا ) وكانوا حين سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، يظنون أنه إنما يريهم ، فاجتمعت هوازن إلى مالك بن عوف من بني نصر ، وقد أوعب معه بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وبني جشم بن معاوية وبني سعد بن بكر ، وناسا من بني هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية ، والأحلاف وبني مالك بن ثقيف بن بكر .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي جشم دريد بن الصمة رئيسهم وكبيرهم ، شيخ كبير ليس فيه إلا رأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شجاعا مجربا ، وجميع أمر الناس إلى مالك بن عوف .

                                                                                                                                                                                                                                      فلما أتاهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة ، أقبلوا عامدين إليه ، فأجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، يرى أنه أثبت لموقفهم ، فلما نزل بأوطاس ، اجتمع إليه الناس ، فقال دريد : [ ص: 3095 ] بأي واد أنتم ؟ قالوا : بأوطاس . قال : نعم مجال الخيل ، لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، ويعار الشاء وبكاء الصغير ؟ قالوا : ساق مالك مع الناس نساءهم وأموالهم وأبناءهم ليقاتلوا عنها ، فقال : راعي ضأن والله ! وهل يرد المنهزم شيء ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسلاحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك !

                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا : لم يشهدها أحد منهم : قال : غاب الحد والجد ، لو كان يوم علاء ورفعة لم يغب عنهم كعب ولا كلاب ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلا . فمن شهدها منكم ؟ قالوا : عمرو وعوف ابنا عامر . قال : ذانك الجذعان ، لا ينفعان ولا يضران ; ثم أنكر على مالك رأيه في ذلك وقال له : لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ، ارفعهم إلى ممتنع بلادهم ، وعليا قومهم ، ثم الق الصبيان على متون الخيل شيئا ، فإن كانت لك ، لحق بك من وراءك ، وإن كانت لغيرك ، كنت قد أحرزت أهلك ومالك .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : لا ، والله لا أفعل ذلك ، إنك قد كبرت ، وكبر عقلك ، والله لتطعنني يا معشر هوازن ، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري ! وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي . قالوا : أطعناك .

                                                                                                                                                                                                                                      فقال دريد : هذا يوم لم أشهده ، ولم يفتني . ثم قال مالك للناس : إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وبعث عيونا من رجاله فأتوه ، وقد تفرقت أوصالهم ، فقال : ويلكم ! ما شأنكم ؟ قالوا : رأينا رجالا بيضا ، على خيل بلق والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى . فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد .

                                                                                                                                                                                                                                      فلما سمع بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ، بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي يستعلم خبرهم ، فجاءه وأطلعه على جلية الخبر ، وأنهم قاصدون إليه ، فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية مائة درع - وقيل أربعمائة - وخرج في اثني عشر ألفا من المسلمين : عشرة آلاف الذين صحبوه من المدينة ، وألفان من مسلمة الفتح ، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ، ومضى لوجهه ، وفي جملة من اتبعه عباس بن مرداس ، والضحاك بن سفيان [ ص: 3096 ] الكلابي ، وجموع من عبس وذبيان ، ومزينة ، وبني أسد .

                                                                                                                                                                                                                                      ومر في طريقه بشجرة سدر خضراء ، وكان لهم في الجاهلية مثلها ، يطوف بها الأعراب ويعظمونها ، ويسمونها ذات أنواط ، فقالوا : يا رسول الله ! اجعل لنا ذات أنواط ، كما لهم ذات أنواط ، فقال لهم : « قلتم كما قال قوم موسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة والذي نفسي بيده ! لتركبن سنن من كان قبلكم » .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم نهض حتى أتى وادي حنين من أودية تهامة ، وهو واد حزن فتوسطوه في غبش الصبح ، وقد كمنت هوازن في جانبيه ، فحملوا على المسلمين حملة رجل واحد فولى المسلمون لا يلوي أحد على أحد ، وناداهم صلى الله عليه وسلم فلم يرجعوا ، وثبت معه أبو بكر وعمر وعلي والعباس وأبو سفيان بن الحرث وابنه جعفر ، والفضل وقثم ابنا العباس ، وجماعة سواهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء ( دلدل ) ، والعباس آخذ بشكائمها ، وكان جهير الصوت فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادي بالأنصار وأصحاب الشجرة ـ ( قيل : وبالمهاجرين ) ـ فما سمعوا الصوت وذهبوا ليرجعوا ، صدهم ازدحام الناس عن أن يثنوا رواحلهم ، فاستقاموا وتناولوا سيوفهم وتراسهم ، واقتحموا عن الرواحل راجعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد اجتمع منهم حوالي المائة ، فاستقبلوا هوازن ، والناس متلاحقون ، واشتد الحرب ، وحمي الوطيس .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن بغلته ، ثم قبض قبضة من تراب الأرض ، ثم استقبل به وجوههم وقال : « شاهت الوجوه » ! فما بقي إنسان منهم إلا أصابه منها في عينيه وفمه ، ثم صدق المسلمون الحملة عليهم ، وقذف الله في قلوب هوازن الرعب .

                                                                                                                                                                                                                                      فلم يملكوا أنفسهم ، فولوا منهزمين ، ولحق آخر الناس ، وأسرى هوازن مغلولة بين يديه ، وغنم المسلمون عيالهم وأموالهم ، واستحر القتل في بني مالك من ثقيف ، فقتل منهم يومئذ سبعون رجلا ، وانحازت طوائف هوازن إلى أوطاس ، واتبعتهم طائفة من خيل [ ص: 3097 ] المسلمين الذين توجهوا من ( نخلة ) ، فأدركوا فيهم دريد بن الصمة فقتلوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وبعث صلى الله عليه وسلم إلى من اجتمع بأوطاس من هوازن ، أبا عامر الأشعري عم أبي موسى ، فقاتلهم ، وقتل بسهم رماه به سلمة بن دريد بن الصمة ، فأخذ أبو موسى الراية ، وشد على قاتل عمه ، فقتله ، وانهزم المشركون ، وانفضت جموع أهل هوازن كلها ، واستشهد من المسلمين يومئذ أربعة ، ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها ، فأمر بها فحبست ( بالجعرانة ) بنظر مسعود بن عمرو الغفاري .

                                                                                                                                                                                                                                      وسار صلى الله عليه وسلم من فوره إلى الطائف ، فحاصر بها ( ثقيف ) خمس عشرة ليلة ، وقاتلوا من وراء الحصون ، وأسلم من كان حولهم من الناس ، وجاءت وفودهم إليه ، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم عن الطائف ، ونزل الجعرانة فيمن معه من الناس وأتاه هناك وفد هوازن ، مسلمين راغبين ، فخيرهم بين العيال والأبناء والأموال ، فاختاروا العيال والأبناء ، وكلموا المسلمين في ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : « ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم » ، وقال المهاجرون والأنصار : ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لم تطب نفسه عوضه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نصيبه ، ورد عليهم نساءهم وأبناءهم بأجمعهم .


                                                                                                                                                                                                                                      وكان عدد سبي هوازن ستة آلاف بين ذكر وأنثى ، والإبل أربعة وعشرون ألفا ، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة ، وأربعة آلاف أوقية فضة ، وقسم صلى الله عليه وسلم الأموال بين المسلمين ، ونقل كثيرا من الطلقاء ـ وهم الذين من عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإطلاق يوم فتح مكة من الأسر ونحوه ـ يتألفهم على الإسلام ، مائة مائة من الإبل ، ومنهم مالك بن عوف النصري . فقال حين أسلم :


                                                                                                                                                                                                                                      ما إن رأيت ولا سمعت بمثله في الناس كلهم بمثل محمد

                                                                                                                                                                                                                                          أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدي
                                                                                                                                                                                                                                      ومتى يشأ يخبرك عما في غد

                                                                                                                                                                                                                                          وإذا الكتيبة عردت أنيابها
                                                                                                                                                                                                                                      بالسمهري وضرب كل مهند

                                                                                                                                                                                                                                          فكأنه ليث على أشباله
                                                                                                                                                                                                                                      وسط الهباءة خادر في مرصد



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3098 ] الثاني : قال الإمام ابن القيم في ( " زاد المعاد " ) في فصل جود فيه :

                                                                                                                                                                                                                                      الإشارة إلى بعض ما تضمنته هذه الغزوة من المسائل الفقهية والنكت الحكمية ما نصه :

                                                                                                                                                                                                                                      كان الله عز وجل قد وعد رسوله ، وهو صادق الوعد ، وأنه إذا فتح مكة ، دخل الناس في دينه أفواجا ، ودانت له العرب بأسرها ، فلما تم له الفتح المبين ، اقتضت حكمته تعالى أن أمسك قلوب هوازن ومن تبعها عن الإسلام ، وأن يجمعوا ويتأهبوا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، ليظهر أمر الله ، وتمام إعزازه لرسوله ، ونصره لدينه ، ولتكون غنائمهم شكرانا لأهل الفتح ، وليظهر الله سبحانه رسوله وعباده ، وقهره لهذه الشوكة العظيمة التي لم يلق المسلمون مثلها ، فلا يقاومهم بعد أحد من العرب ، ولغير ذلك من الحكم الباهرة التي تلوح للمتأملين ، وتبدو للمتوسمين .

                                                                                                                                                                                                                                      واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولا مرارة الهزيمة ، والكسرة مع كثرة عددهم وعددهم ، وقوة شوكتهم ليطامن رؤوسا رفعت بالفتح ، ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا رأسه منحنيا على فرسه ، حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه تواضعا لربه ، وخضوعا لعظمته ، واستكانة لعزته ، أن أحل له حرمه وبلده ، ولم يحل لأحد قبله ولا لأحد بعده ، وليبين سبحانه لمن قال : « لن نغلب اليوم عن قلة » ، أن النصر إنما هو من عنده ، وأنه من ينصره ، فلا غالب له ، ومن يخذله ، فلا ناصر له غيره ، وأنه سبحانه هو الذي تولى نصر رسوله ودينه ، لا كثرتكم التي أعجبتكم ، فإنها لم تغن عنكم شيئا ، فوليتم مدبرين ، فلما انكسرت قلوبهم ، أرسلت إليها خلع الجبر مع بريد النصر ، فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ، وأنزل جنودا لم تروها ، وقد اقتضت حكمته أن خلع النصر وجوائزه إنما تفيض على أهل الانكسار : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3099 ] ومنها : أن الله سبحانه لما منع الجيش غنائم مكة ، فلم يغنموا منها ذهبا ولا فضة ، ولا متاعا ولا سبيا ، ولا أرضا كما روى أبو داود ، عن وهب بن منبه ، قال : سألت جابرا : هل غنموا يوم الفتح شيئا ؟ قال : لا !

                                                                                                                                                                                                                                      وكانوا قد فتحوها بإيجاف الخيل والركاب ، وهم عشرة آلاف ، وفيهم حاجة إلى ما يحتاج إليه الجيش من أسباب القوة ، فحرك سبحانه قلوب المشركين لغزوهم ، وقذف في قلوبهم إخراج أموالهم ، ونعمهم وشياههم ، وسبيهم معهم نزلا وضيافة ، وكرامة ، لحزبه وجنده ، وتمم تقديره سبحانه بأن أطمعهم في الظفر ، وألاح لهم مبادئ النصر ، ليقضي الله أمرا كان مفعولا .

                                                                                                                                                                                                                                      فلما أنزل الله نصره على رسوله وأوليائه ، وبرزت الغنائم لأهلها ، وجرت فيها سهام الله ورسوله ، قيل : لا حاجة لنا في دمائكم ، ولا في نسائكم وذراريكم ، فأوحى الله سبحانه إلى قلوبهم التوبة والإنابة ، فجاءوا مسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      فقيل : إن من شكر إسلامكم وإتيانكم أن نرد عليكم نساءكم وأبناءكم وسبيكم .

                                                                                                                                                                                                                                      و : إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم

                                                                                                                                                                                                                                      ومنها : أن الله سبحانه افتتح غزوات العرب بغزوة بدر ، وختم غزوهم بغزوة حنين ، ولهذا يقرن بين هاتين الغزاتين بالذكر ، فيقال : بدر وحنين ، وإن كان بينهما سبع سنين ، والملائكة قاتلت بأنفسها مع المسلمين في هاتين الغزاتين ، والنبي صلى الله عليه وسلم رمى في وجوه المشركين بالحصباء فيهما ، وبهاتين الغزاتين طفئت جمرة العرب لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، فالأولى خوفتهم وكسرت من حدهم ، والثانية استفرغت قواهم ، واستنفدت سهامهم ، وأذلت جمعهم حتى لم يجدوا بدا من الدخول في دين الله .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3100 ] ومنها : أن الله سبحانه جبر بها أهل مكة ، وفرحهم بما نالوه من النصر والمغنم ، فكانت كالدواء لما نالهم من كسرهم ، وإن كان عين جبرهم ، وعرفهم تمام نعمته عليهم بما صرف عنهم من شر هوازن ، فإنه لم يكن لهم بهم طاقة ، وإنما نصروا عليهم بالمسلمين ، ولو أفردوا عنهم ، لأكلهم عدوهم . . . إلى غير ذلك من الحكم التي لا يحيط بها إلا الله تعالى . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : قال بعضهم : دلت الآية على أنه يجب الانقطاع إلى الله تعالى ، والاتكال عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      ودل ما حكي في القصة على جواز ما ورد حسنه من جواز التأليف ، وملاطفة المؤمنين والرمي بالحصا حالة الحرب ، والأصوات التي يرهب بها . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      ولابن القيم في ( " زاد المعاد " ) فصول حسنة في فقه هذه الواقعة . فلينظر .

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع : قوله : ويوم حنين قيل : منصوب بمضمر معطوف على ( نصركم ) ، أي : ونصركم يوم حنين ، واستظهر عطفه على محل في مواطن بحذف المضاف في أحدهما ، أي : ومواطن يوم حنين ، أو في أيام مواطن كثيرة ويوم حنين .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو مسعود : ولعل التغيير للإيماء إلى ما وقع فيه من قلة الثبات من أول الأمر . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشهاب : فيكون عطف ( يوم حنين ) على منوال ( ملائكته وجبريل ) ، كأنه قيل : نصركم الله في أوقات كثيرة ، وفي وقت إعجابكم بكثرتكم ، ولا يرد عليه ما قيل إن المقام لا يساعد عليه ، لأنه غير وارد ، لتفضيل بعض الوقائع على بعض ، ولم يذكر المواطن توطئة ليوم حنين كالملائكة ، إذ ليس يوم حنين بأفضل من يوم بدر ، وهو فتح الفتوح ، وسيد الواقعات ، وبه نالوا القدح المعلى ، والدرجات العلى ، لأن القصد في مثله إلى أن ذلك الفرد فيه من المزية ما صيره مغايرا لجنسه ، لأن المزية ليس المراد بها الشرف ، وكثرة الثواب فقط ، حتى يتوهم هذا ، بل ما يشمل كون شأنه عجيبا ، وما وقع فيه غريبا ، للظفر بعد اليأس ، والفرج بعد الشدة ، إلى غير ذلك من المزايا . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3101 ] ثم أشار تعالى إلى أن موالاة المشركين ، مع عدم إفادتها التقوية المحصلة للنصر ، تضر بسريان نجاسة بواطنهم إلى بواطن المؤمنين الطاهرة ، فقال :

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية