nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84nindex.php?page=treesubj&link=28981وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=85فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=86ونجنا برحمتك من القوم الكافرين
عطف بقية القصة على أولها فهو عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=79وقال فرعون ، وهذا خطاب
موسى لجميع قومه وهم
بنو إسرائيل الذين
بمصر ، وهو يدل على أنه خاطبهم بذلك بعد أن دعاهم وآمنوا به كما يؤذن به قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84إن كنتم آمنتم بالله . والغرض منه تثبيت الذين آمنوا به في حضرة
فرعون على توكلهم ، وأمر من عداهم الذين خاف ذريتهم أن يؤنبوهم على إظهار الإيمان بأن لا يجبنوا أبناءهم ، وأن لا يخشوا
فرعون ، ولذلك قال
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا . والمعنى : إن كنتم آمنتم بالله حقا كما أظهرته أقوالكم فعليه اعتمدوا في نصركم ودفع الضر عنكم ولا تعتمدوا في ذلك على أنفسكم بمصانعة
فرعون ولا على
فرعون بإظهار الولاء له .
[ ص: 262 ] وأراد إثارة صدق إيمانهم وإلهاب قلوبهم بجعل إيمانهم معلقا بالشرط محتمل الوقوع ، حيث تخوفوا من
فرعون أن يفتنهم فأرادوا أن يكتموا إيمانهم تقية من
فرعون وملئهم ، وإنما جعل عدم اكتراثهم ببطش
فرعون علامة على إيمانهم لأن الدعوة في أول أمرها لا تتقوم إلا بإظهار متبعيها جماعتهم ، فلا تغتفر فيها التقية حينئذ . وبذلك عمل المسلمون الأولون مثل
بلال ، وعمار ، وأبي بكر ، nindex.php?page=treesubj&link=32024فأعلنوا الإيمان وتحملوا الأذى ، وإنما سوغت التقية للآحاد من المؤمنين بعد تقوم جامعة الإيمان ، فذلك محل قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان
فتقديم المجرور على متعلقه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84فعليه توكلوا لإفادة القصر ، وهو قصر إضافي يفسره قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=83على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم ، فآل المعنى إلى نهيهم عن مخافة
فرعون .
والتوكل : تقدم آنفا في قصة
نوح .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84إن كنتم مسلمين شرط ثان مؤكد لشرط
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84إن كنتم آمنتم بالله ، فحصل من مجموع الجملتين أن حصول هذا التوكل متوقف على حصول إيمانهم وإسلامهم ، لمزيد الاعتناء بالتوكل وأنه ملازم للإيمان والإسلام ، ومبين أيضا للشرط الأول ، أي إن كان إيمانكم إيمان مسلم لله ، أي مخلص له غير شائب إياه بتردد في قدرة الله ولا في أن وعده حق ، فحصل من مجموع الشرطين ما يقتضي تعليق كل من الشرطين على الشرط الآخر .
وهذا من مسألة تعليق الشرط على الشرط ، والإيمان تصديق الرسول فيما جاء به وهو عمل قلبي ، ولا يعتبر شرعا إلا مع الإسلام ، والإسلام : النطق بما يدل على الإيمان ولا يعتبر شرعا إلا مع الإيمان ، فالإيمان انفعال قلبي نفساني ، والإسلام عمل جسماني ، وهما متلازمان في الاعتداد بهما في اتباع الدين إذ لا يعلم حصول تصديق القلب إلا بالقول والطاعة ، وإذ لا يكون القول حقا إلا إذا وافق ما في
[ ص: 263 ] النفس ، قال - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم . وقد ورد ذلك صريحا في حديث سؤال
جبريل في الصحيحين .
وليس المراد أنهم إن لم يتوكلوا كانوا مؤمنين غير مسلمين ، ولا أنهم إن توكلوا كانوا مسلمين غير مؤمنين ; لأن ذلك لا يساعد عليه التدين بالدين . ومن ثم كان قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84فعليه توكلوا جوابا للشرطين كليهما . أي يقدر للشرط الثاني جواب مماثل لجواب الشرط الأول . هذا هو محمل الآية وما حاوله كثير من المفسرين خروج عن مهيع الكلام .
وقد كان صادق إيمانهم مع نور الأمر النبوي الذي واجههم به نبيهم مسرعا بهم إلى التجرد عن التخوف والمصانعة ، وإلى عقد العزم على التوكل على الله ، فلذلك بادروا بجوابه بكلمة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=85على الله توكلنا مشتملة على خصوصية القصر المقتضي تجردهم عن التوكل على غير الله تعالى .
وأشير إلى مبادرتهم بأن عطفت جملة قولهم ذلك على مقالة
موسى بفاء التعقيب خلافا للأسلوب الغالب في حكاية جمل الأقوال الجارية في المحاورات أن تكون غير معطوفة ، فخولف مقتضى الظاهر لهذه النكتة .
ثم ذيلوا كلمتهم بالتوجه إلى الله بسؤالهم منه أن يقيهم ضر
فرعون ، ناظرين في ذلك إلى مصلحة الدين قبل مصلحتهم لأنهم إن تمكن الكفرة من إهلاكهم أو تعذيبهم قويت شوكة أنصار الكفار فيقولون في أنفسهم : لو كان هؤلاء على الحق لما أصابهم ما أصابهم فيفتتن بذلك عامة الكفرة ويظنون أن دينهم الحق .
والفتنة : تقدم تفسيرها آنفا . وسموا ذلك فتنة لأنها تزيد الناس توغلا في الكفر ، والكفر فتنة .
والفتنة مصدر . فمعنى سؤالهم أن لا يجعلهم الله فتنة هو أن لا يجعلهم سبب فتنة ، فتعدية فعل تجعلنا إلى ضميرهم المخبر عنه ب - " فتنة " تعدية على طريقة المجاز
[ ص: 264 ] العقلي ، وليس الخبر بفتنة من الإخبار بالمصدر إذ لا يفرضون أن يكونوا فاتنين ولا يسمح المقام بأنهم أرادوا لا تجعلنا مفتونين للقوم الظالمين .
ووصفوا الكفار بـ الظالمين لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29706_29437الشرك ظلم ، ولأنه يشعر بأنهم تلبسوا بأنواع الظلم : ظلم أنفسهم ، وظلم الخلائق ، ثم سألوا ما فيه صلاحهم فطلبوا النجاة من القوم الكافرين ، أي من بطشهم وإضرارهم .
وزيادة ( برحمتك ) للتبرؤ من الإدلال بإيمانهم لأن المنة لله عليهم ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين
وذكر لفظ القوم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=85للقوم الظالمين وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=86من القوم الكافرين للوجه الذي أشرنا إليه في أواسط البقرة ، وفي هذه السورة غير مرة .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84nindex.php?page=treesubj&link=28981وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=85فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=86وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
عَطَفَ بَقِيَّةَ الْقِصَّةِ عَلَى أَوَّلِهَا فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=79وَقَالَ فِرْعَوْنُ ، وَهَذَا خِطَابُ
مُوسَى لِجَمِيعِ قَوْمِهِ وَهُمْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ
بِمِصْرَ ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ دَعَاهُمْ وَآمَنُوا بِهِ كَمَا يُؤْذِنُ بِهِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ . وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَثْبِيتُ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ فِي حَضْرَةِ
فِرْعَوْنَ عَلَى تَوَكُّلِهِمْ ، وَأَمْرُ مَنْ عَدَاهُمُ الَّذِينَ خَافَ ذُرِّيَّتُهُمْ أَنْ يُؤَنِّبُوهُمْ عَلَى إِظْهَارِ الْإِيمَانِ بِأَنْ لَا يَجَبِّنُوا أَبْنَاءَهُمْ ، وَأَنْ لَا يَخْشَوْا
فِرْعَوْنَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا . وَالْمَعْنَى : إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ حَقًّا كَمَا أَظْهَرَتْهُ أَقْوَالُكُمْ فَعَلَيْهِ اعْتَمِدُوا فِي نَصْرِكُمْ وَدَفْعِ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَعْتَمِدُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِمُصَانَعَةِ
فِرْعَوْنَ وَلَا عَلَى
فِرْعَوْنَ بِإِظْهَارِ الْوَلَاءِ لَهُ .
[ ص: 262 ] وَأَرَادَ إِثَارَةَ صِدْقِ إِيمَانِهِمْ وَإِلْهَابَ قُلُوبِهِمْ بِجَعْلِ إِيمَانِهِمْ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ مُحْتَمَلِ الْوُقُوعِ ، حَيْثُ تَخَوَّفُوا مِنْ
فِرْعَوْنَ أَنْ يَفْتِنَهُمْ فَأَرَادُوا أَنْ يَكْتُمُوا إِيمَانَهُمْ تَقِيَّةً مِنْ
فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ ، وَإِنَّمَا جَعَلَ عَدَمَ اكْتِرَاثِهِمْ بِبَطْشِ
فِرْعَوْنَ عَلَامَةً عَلَى إِيمَانِهِمْ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهَا لَا تَتَقَوَّمُ إِلَّا بِإِظْهَارِ مُتَّبِعِيهَا جَمَاعَتَهُمْ ، فَلَا تُغْتَفَرُ فِيهَا التَّقِيَّةُ حِينَئِذٍ . وَبِذَلِكَ عَمِلَ الْمُسْلِمُونَ الْأَوَّلُونَ مِثْلُ
بِلَالٍ ، وَعَمَّارٍ ، وَأَبِي بَكْرٍ ، nindex.php?page=treesubj&link=32024فَأَعْلَنُوا الْإِيمَانَ وَتَحَمَّلُوا الْأَذَى ، وَإِنَّمَا سُوِّغَتِ التَّقِيَّةُ لِلْآحَادِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ تَقَوُّمِ جَامِعَةِ الْإِيمَانِ ، فَذَلِكَ مَحَلُّ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ
فَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا لِإِفَادَةِ الْقَصْرِ ، وَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=83عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمُ أَنْ يَفْتِنَهُمْ ، فَآلَ الْمَعْنَى إِلَى نَهْيِهِمْ عَنْ مَخَافَةِ
فِرْعَوْنَ .
وَالتَّوَكُّلُ : تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قِصَّةِ
نُوحٍ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ شَرْطٌ ثَانٍ مُؤَكِّدٌ لِشَرْطِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ ، فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْجُمْلَتَيْنِ أَنَّ حُصُولَ هَذَا التَّوَكُّلِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى حُصُولِ إِيمَانِهِمْ وَإِسْلَامِهِمْ ، لِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ بِالتَّوَكُّلِ وَأَنَّهُ مُلَازِمٌ لِلْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ ، وَمُبَيِّنٌ أَيْضًا لِلشَّرْطِ الْأَوَّلِ ، أَيْ إِنْ كَانَ إِيمَانُكُمْ إِيمَانَ مُسْلِمٍ لِلَّهِ ، أَيْ مُخْلِصٍ لَهُ غَيْرِ شَائِبٍ إِيَّاهُ بِتَرَدُّدٍ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَلَا فِي أَنَّ وَعْدَهُ حَقٌّ ، فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الشَّرْطَيْنِ مَا يَقْتَضِي تَعْلِيقَ كُلٍّ مِنَ الشَّرْطَيْنِ عَلَى الشَّرْطِ الْآخَرِ .
وَهَذَا مِنْ مَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ ، وَالْإِيمَانُ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ فِيمَا جَاءَ بِهِ وَهُوَ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ ، وَلَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا إِلَّا مَعَ الْإِسْلَامِ ، وَالْإِسْلَامُ : النُّطْقُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِيمَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ ، فَالْإِيمَانُ انْفِعَالٌ قَلْبِيٌّ نَفْسَانِيٌّ ، وَالْإِسْلَامُ عَمَلٌ جُسْمَانِيٌّ ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِمَا فِي اتِّبَاعِ الدِّينِ إِذْ لَا يُعْلَمُ حُصُولُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ إِلَّا بِالْقَوْلِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِذْ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ حَقًّا إِلَّا إِذَا وَافَقَ مَا فِي
[ ص: 263 ] النَّفْسِ ، قَالَ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ . وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ سُؤَالِ
جِبْرِيلَ فِي الصَّحِيحَيْنِ .
وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَتَوَكَّلُوا كَانُوا مُؤْمِنِينَ غَيْرَ مُسْلِمِينَ ، وَلَا أَنَّهُمْ إِنْ تَوَكَّلُوا كَانُوا مُسْلِمِينَ غَيْرَ مُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ التَّدَيُّنُ بِالدِّينِ . وَمِنْ ثَمَّ كَانَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا جَوَابًا لِلشَّرْطَيْنِ كِلَيْهِمَا . أَيْ يُقَدَّرُ لِلشَّرْطِ الثَّانِي جَوَابٌ مُمَاثِلٌ لِجَوَابِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ . هَذَا هُوَ مَحْمَلُ الْآيَةِ وَمَا حَاوَلَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ خُرُوجٌ عَنْ مَهْيَعِ الْكَلَامِ .
وَقَدْ كَانَ صَادِقُ إِيمَانِهِمْ مَعَ نُورِ الْأَمْرِ النَّبَوِيِّ الَّذِي وَاجَهَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ مُسْرِعًا بِهِمْ إِلَى التَّجَرُّدِ عَنِ التَّخَوُّفِ وَالْمُصَانَعَةِ ، وَإِلَى عَقْدِ الْعَزْمِ عَلَى التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ ، فَلِذَلِكَ بَادَرُوا بِجَوَابِهِ بِكَلِمَةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=85عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا مُشْتَمِلَةً عَلَى خُصُوصِيَّةِ الْقَصْرِ الْمُقْتَضِي تَجَرُّدَهُمْ عَنِ التَّوَكُّلِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَأُشِيرَ إِلَى مُبَادَرَتِهِمْ بِأَنْ عُطِفَتْ جُمْلَةُ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ عَلَى مَقَالَةِ
مُوسَى بِفَاءِ التَّعْقِيبِ خِلَافًا لِلْأُسْلُوبِ الْغَالِبِ فِي حِكَايَةِ جُمَلِ الْأَقْوَالِ الْجَارِيَةِ فِي الْمُحَاوَرَاتِ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ ، فَخُولِفَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ .
ثُمَّ ذَيَّلُوا كَلِمَتَهُمْ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى اللَّهِ بِسُؤَالِهِمْ مِنْهُ أَنْ يَقِيَهُمْ ضُرَّ
فِرْعَوْنَ ، نَاظِرِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى مَصْلَحَةِ الدِّينِ قَبْلَ مَصْلَحَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ إِنْ تَمَكَّنَ الْكَفَرَةُ مِنْ إِهْلَاكِهِمْ أَوْ تَعْذِيبِهِمْ قَوِيَتْ شَوْكَةُ أَنْصَارِ الْكُفَّارِ فَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ : لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ عَلَى الْحَقِّ لَمَا أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ فَيَفْتَتِنُ بِذَلِكَ عَامَّةُ الْكَفَرَةِ وَيَظُنُّونَ أَنَّ دِينَهُمُ الْحَقُّ .
وَالْفِتْنَةُ : تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا آنِفًا . وَسَمَّوْا ذَلِكَ فِتْنَةً لِأَنَّهَا تَزِيدُ النَّاسَ تَوَغُّلًا فِي الْكُفْرِ ، وَالْكُفْرُ فِتْنَةٌ .
وَالْفِتْنَةُ مَصْدَرٌ . فَمَعْنَى سُؤَالِهِمْ أَنْ لَا يَجْعَلَهُمُ اللَّهُ فِتْنَةً هُوَ أَنْ لَا يَجْعَلَهُمْ سَبَبَ فِتْنَةٍ ، فَتَعْدِيَةُ فِعْلِ تَجْعَلْنَا إِلَى ضَمِيرِهِمُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِ - " فِتْنَةً " تَعْدِيَةٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ
[ ص: 264 ] الْعَقْلِيِّ ، وَلَيْسَ الْخَبَرُ بِفِتْنَةٍ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْمَصْدَرِ إِذْ لَا يَفْرِضُونَ أَنْ يَكُونُوا فَاتِنِينَ وَلَا يَسْمَحُ الْمَقَامُ بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا لَا تَجْعَلْنَا مَفْتُونِينَ لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ .
وَوَصَفُوا الْكُفَّارَ بِـ الظَّالِمِينَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29706_29437الشِّرْكَ ظُلْمٌ ، وَلِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ تَلَبَّسُوا بِأَنْوَاعِ الظُّلْمِ : ظُلْمِ أَنْفُسِهِمْ ، وَظُلْمِ الْخَلَائِقِ ، ثُمَّ سَأَلُوا مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ فَطَلَبُوا النَّجَاةَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ، أَيْ مِنْ بَطْشِهِمْ وَإِضْرَارِهِمْ .
وَزِيَادَةُ ( بِرَحْمَتِكَ ) لِلتَّبَرُّؤِ مِنَ الْإِدْلَالِ بِإِيمَانِهِمْ لِأَنَّ الْمِنَّةَ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
وَذِكْرُ لَفْظِ الْقَوْمِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=85لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=86مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ لِلْوَجْهِ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي أَوَاسِطِ الْبَقَرَةِ ، وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ .