الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل ومن باع نخلا مؤبرا ، وهو ما تشقق طلعه فالثمر للبائع متروكا في رءوس النخل إلى الجداد إلا أن يشترطه المبتاع وكذلك الشجر إذا كان فيه ثمر باد كالعنب ، والتين ، والتوت ، والرمان ، والجوز ، وما ظهر من نوره كالمشمش والتفاح ، والسفرجل ، واللوز ، وما خرج من أكمامه كالورد ، والقطن ، وما قبل ذلك فهو للمشتري ، والورق للمشتري بكل حال ، ويحتمل في ورق التوت المقصود أخذه أنه وإن تفتح فهو للبائع ، وإن كان حبا فهو للمشتري ، وإن ظهر بعض الثمرة فهو للبائع ، وما لم يظهر فهو للمشتري ، وقال ابن حامد : الكل للبائع ، وإن احتاج الزرع أو الثمرة إلى سقي لم يلزم المشتري ، ولم يملك منع البائع منه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ومن باع نخلا مؤبرا ، وهو ما تشقق طلعه فالثمر للبائع متروكا في رءوس النخل إلى الجداد إلا أن يشترطه المبتاع ) كذا ذكره أكثر الأصحاب لما روى ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من باع نخلا مؤبرا فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع . متفق عليه وأصل التأبير التلقيح ، وهو وضع الذكر ، وليس بمراد بالتشقق ، إذ الحكم منوط به ، وإن لم يلقح لصيرورته في حكم عين أخرى ، وإنما نص على التأبير لملازمته التشقق غالبا ، فعلى هذا إذا وقع البيع على نخل مثمر ، ولم يشترط الثمرة وكانت مؤبرة فهي للبائع ، وإن كانت غير مؤبرة فهي للمشتري ، وعنه : الحكم منوط بالتأبير لا بالتشقيق ، وهو ظاهر الخبر فبعده للبائع وقبله للمشتري ، ذكره ابن أبي موسى ونصره الشيخ تقي الدين ، وهو المختار ، وعلى القول بأنها للبائع لا يلزمه قطعها في الحال ، إذ التفريع جار على العرف فيترك إلى تناهي حلاوته إلا أن تجري العادة بأخذه بسرا ، أو يكون بسره خيرا من رطبه ، فإنه يجده حين استحكام حلاوة [ ص: 163 ] بسره ، ولو كان بقاؤه خيرا له ، كما سلف ، وقيل : يلزمه قطع الثمرة لتضرر الأصل ، وهذا إذا لم يشرطه المبتاع ، فإن شرطه دخل بخلاف وقف ووصية ، فإن الثمرة تدخل فيهما ، نص عليه كفسخ بعيب ومقايلة في بيع ورجوع أب في هبة . قاله في " المغني " ، ولم يتعرض المؤلف لبيان تأبير البعض ، والنخلة الواحدة إذا أبر بعضها ، فإن الجميع للبائع اتفاقا .

                                                                                                                          فرع : كل عقد معاوضة يجري مجرى البيع في أن الثمرة المؤبرة تكون لمن انتقل عنه الأصل ، وغير المؤبرة لمن انتقل إليه ، وإن انتقل بغير عوض ، فإنه في الفسخ يتبع الأصل سواء أبر أو لا ، وفي الهبة والرهن يتبع قبل التأبير دون ما بعده .

                                                                                                                          فائدتان : الأولى : طلع الفحال يراد للتلقيح كطلع الإناث ، وقيل : للبائع سواء تشقق طلعه أم لا .

                                                                                                                          الثانية : يصح شرط بائع ما لمشتر ، ولو قبل تأبير ولبعضه خلافا لابن القاسم المالكي ( وكذلك الشجر إذا كان فيه ثمر باد ) أي : ظاهر ( كالعنب ، والتين ، والتوت ، والرمان ، والجوز ) ؛ لأن بدو ذلك من شجره بمنزلة ظهور الرطب من طلعه ، فإن اختلفا قدم قول بائع إنه بدا وظهر ، وفي " الفروع " ويتوجه وجه من واهب ادعى شرط ثواب ، وقال القاضي : فيما يظهر من قشرين كالجوز ، واللوز إن تشقق الأعلى فهو للبائع ، وإلا فهو للمشتري .

                                                                                                                          ( وما ظهر من نوره ) أي : زهره على أي لون كان ( كالمشمش ) بكسر [ ص: 164 ] الميم الأولى ( والتفاح ، والسفرجل ، واللوز ) ، والإجاص ، والخوخ للبائع ، وما لم يظهر فهو للمشتري ، وقال القاضي : ما يتناثر نوره كتفاح ، وفي " المغني " ، وعنب يمتنع دخوله بتناثر نوره أي : للبائع بظهور نوره ؛ لأن الطلع إذا تشقق كان كنور الشجر ، والأول أولى ؛ لأن ما في الطلع هو عين بخلاف النور ، فإنه يتساقط ، والثمر غيره ( وما خرج من أكمامه ) واحده كم ، وهو الغلاف وأكثر ما يستعمل في وعاء الطلع ( كالورد ، والقطن ) ، والبنفسج ، والياسمين أي : هو للبائع ؛ لأن خروجه من أكمامه بمنزلة ظهور الثمرة من الطلع ( وما قبل ذلك فهو للمشتري ) ؛ لأن ذلك يتبع الأصل ، فوجب أن يكون للمشتري كالأصل ( والورق للمشتري بكل حال ) كالأغصان ( ويحتمل في ورق التوت ) ، وهو الفرصاد . قاله الأصمعي ، وقيل : الفرصاد اسم للثمرة ، والتوت اسم للشجرة ( والمقصود أخذه أنه وإن تفتح فهو للبائع ) كالثمرة ؛ لأنه يقصد لتربية القز ( وإن كان حبا ) أي : لم يتفتح ( فهو للمشتري ) هذا في المواضع التي عادتهم أخذ الورق ، فإن لم يكن لهم عادة كان للمشتري كسائر الورق ( وإن ظهر بعض الثمرة ) ، أو تشقق طلع بعض النخل ( فهو للبائع ، وما لم يظهر فهو للمشتري ) ، نص عليه ؛ لأن الخبر دل بمنطوقه على أن المؤبر للبائع وبمفهومه على أن ما لم يؤبر للمشتري ( وقال ابن حامد الكل للبائع ) وحكاه في " الانتصار " رواية ؛ لأنه لو لم يجعل له لأدى إلى الإضرار بسوء المشاركة ، إذ الباطن يتبع الظاهر كأساسات الحيطان وكشجرة ، وهذا الخلاف في النوع الواحد ؛ لأن الظاهر أنه يتفاوت ، ولم يفرق [ ص: 165 ] أبو الخطاب بين النوع ، والجنس ، فلو أبر الكل إلا نخلة فأفردها بالبيع ففي أيهما له وجهان ، وفي الواضح ما لم يبد من ثمره شجرة لمشتر ، وذكره أبو الخطاب ظاهر كلام أبي بكر كحدوث طلع بعد تأبيرها ، أو بعضها ، ذكره في " المغني " ؛ لأنه لا اشتباه لبعد ما بينهما وظاهر كلام غيره لا فرق .

                                                                                                                          فرع : باع حائطين أبر أحدهما لم يتبعه الآخر ؛ لأن لكل حكم نفسه .

                                                                                                                          ( وإن احتاج الزرع ) المبقى ( أو الثمرة ) المبقاة ( إلى سقي لم يلزم المشتري ) ؛ لأنه لا يلزمه تسليم ذلك إليه لكون أن البائع لم يملكها من جهته بخلاف ما لو كانت الثمرة للمشتري على أصل البائع ، فإنه يلزمه السقي ؛ لأنه يلزمه تسليمها إليه ( ولم يملك منع البائع منه ) ؛ لأن ذلك مما يبقى فلزمه تمكينه منه كتركه على الأصول ، وظاهره وإن أضر بصاحبه ، صرح به جماعة ؛ لأنه دخل في العقد على ذلك ، وظاهره أنه إذا أراد سقيها لغير حاجة فللمشتري منعه منه ؛ لأن سقيه يتضمن التصرف في ملك غيره ، والأصل المنع ، والمذهب أن لكل واحد السقي من ماله لمصلحة ، فإن اختلفا في ذلك رجع إلى قول أهل الخبرة .




                                                                                                                          الخدمات العلمية