الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
فإن قيل : فهل يدخل في تحريم بيعها تحريم nindex.php?page=treesubj&link=33558_4831_26895_569_17637بيع عظمها وقرنها وجلدها بعد الدباغ لشمول اسم الميتة لذلك ؟ قيل : الذي يحرم بيعه منها هو الذي يحرم أكله واستعماله ، كما أشار إليه النبي بقوله : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=16003699إن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه ) . وفي اللفظ الآخر : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=16003700إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه ) . فنبه على أن الذي يحرم بيعه يحرم أكله .
وأما الجلد إذا دبغ ، فقد صار عينا طاهرة ينتفع في اللبس والفرش ، وسائر وجوه الاستعمال ، فلا يمتنع جواز بيعه ، وقد نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كتابه القديم على أنه لا يجوز بيعه ، واختلف أصحابه ، فقال القفال : لا يتجه هذا إلا بتقدير قول يوافق مالكا في أنه يطهر ظاهره دون باطنه ، وقال بعضهم : لا يجوز بيعه ، وإن طهر ظاهره وباطنه على قوله الجديد ؛ فإنه جزء من الميتة ، حقيقة فلا يجوز بيعه كعظمها ولحمها .
وقال بعضهم : بل يجوز بيعه بعد الدبغ ؛ لأنه عين طاهرة ينتفع بها ، فجاز بيعها كالمذكى ، وقال بعضهم : بل هذا ينبني على أن الدبغ إزالة أو [ ص: 672 ] إحالة ، فإن قلنا : إحالة جاز بيعه ؛ لأنه قد استحال من كونه جزء ميتة إلى عين أخرى ، وإن قلنا : إزالة لم يجز بيعه ؛ لأن وصف الميتة هو المحرم لبيعه ، وذلك باق لم يستحل .
وبنوا على هذا الخلاف جواز أكله ، ولهم فيه ثلاثة أوجه : أكله مطلقا ، وتحريمه مطلقا ، والتفصيل بين جلد المأكول وغير المأكول ، فأصحاب الوجه الأول ، غلبوا حكم الإحالة ، وأصحاب الوجه الثاني ، غلبوا حكم الإزالة ، وأصحاب الوجه الثالث أجروا الدباغ مجرى الذكاة ، فأباحوا بها ما يباح أكله بالذكاة إذا ذكي دون غيره ، والقول بجواز أكله باطل مخالف لصريح السنة ، ولهذا لم يمكن قائله القول به إلا بعد منعه كون الجلد بعد الدبغ ميتة ، وهذا منع باطل ، فإنه جلد ميتة حقيقة ، وحسا وحكما ، ولم يحدث له حياة بالدبغ ترفع عنه اسم الميتة ، وكون الدبغ إحالة باطل حسا ؛ فإن الجلد لم يستحل ذاته وأجزاؤه ، وحقيقته بالدباغ ، فدعوى أن الدباغ إحالة عن حقيقة إلى حقيقة أخرى ، كما تحيل النار الحطب إلى الرماد ، والملاحة ما يلقى فيها من الميتات إلى الملح دعوى باطلة .
وأما أصحاب مالك - رحمه الله - ففي ( المدونة ) لابن القاسم المنع من بيعها وإن دبغت ، وهو الذي ذكره صاحب ( التهذيب ) . وقال المازري : هذا هو مقتضى القول بأنها لا تطهر بالدباغ . قال : وأما إذا فرعنا على أنها تطهر بالدباغ طهارة كاملة ، فإنا نجيز بيعها لإباحة جملة منافعها .
قلت : عن مالك في nindex.php?page=treesubj&link=24729_569_17637طهارة الجلد المدبوغ روايتان . إحداهما : يطهر ظاهره وباطنه ، وبها قال وهب ، وعلى هذه الرواية جوز أصحابه بيعه . والثانية - وهي أشهر الروايتين عنه - أنه يطهر طهارة مخصوصة يجوز معها استعماله في اليابسات ، وفي الماء وحده دون سائر المائعات ، قال أصحابه : وعلى هذه الرواية لا يجوز بيعه ، ولا الصلاة فيه ، ولا الصلاة عليه .
[ ص: 673 ] وأما مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : فإنه لا يصح عنده nindex.php?page=treesubj&link=33558_569بيع جلد الميتة قبل دبغه . وعنه في جوازه بعد الدبغ روايتان ، هكذا أطلقهما الأصحاب ، وهما عندي مبنيتان على اختلاف الرواية عنه في طهارته بعد الدباغ .