الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وأما عظمها ، فمن لم ينجسه بالموت ، كأبي حنيفة ، وبعض أصحاب أحمد ، واختيار ابن وهب من أصحاب مالك ، فيجوز بيعه عندهم ، وإن اختلف مأخذ الطهارة ، فأصحاب أبي حنيفة قالوا : لا يدخل في الميتة ، ولا يتناوله اسمها ، ومنعوا كون الألم دليل حياته ، قالوا : وإنما تؤلمه لما جاوره من اللحم لا ذات العظم ، وحملوا قوله تعالى : ( قال من يحيي العظام وهي رميم ) [ يس : 78 ] على حذف مضاف ، أي أصحابها . وغيرهم ضعف هذا المأخذ جدا ، وقال : العظم يألم حسا ، وألمه أشد من ألم اللحم ، ولا يصح حمل الآية على حذف مضاف ؛ لوجهين أحدهما : أنه تقدير ما لا دليل عليه ، فلا سبيل إليه . الثاني : أن هذا التقدير يستلزم الإضراب عن جواب سؤال السائل الذي استشكل حياة [ ص: 674 ] العظام ، فإن أبي بن خلف أخذ عظما باليا ، ثم جاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ففته في يده ، فقال : يا محمد ! أترى الله يحيي هذا بعدما رم ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( نعم ، ويبعثك ، ويدخلك النار ) .

فمأخذ الطهارة أن سبب تنجيس الميتة منتف في العظام ، فلم يحكم بنجاستها ، ولا يصح قياسها على اللحم ؛ لأن احتقان الرطوبات والفضلات الخبيثة يختص به دون العظام ، كما أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت ، وهو حيوان كامل ، لعدم سبب التنجيس فيه . فالعظم أولى ، وهذا المأخذ أصح وأقوى من الأول ، وعلى هذا ، فيجوز بيع عظام الميتة إذا كانت من حيوان طاهر العين .

وأما من رأى نجاستها ، فإنه لا يجوز بيعها ، إذ نجاستها عينية ، قال ابن القاسم : قال مالك : لا أرى أن تشترى عظام الميتة ولا تباع ، ولا أنياب الفيل ، ولا يتجر فيها ، ولا يمتشط بأمشاطها ، ولا يدهن بمداهنها ، وكيف يجعل الدهن في الميتة ويمشط لحيته بعظام الميتة ، وهي مبلولة ، وكره أن يطبخ بعظام الميتة ، وأجاز مطرف ، وابن الماجشون بيع أنياب الفيل مطلقا ، وأجازه ابن وهب ، وأصبغ إن غليت وسلقت ، وجعلا ذلك دباغا لها .

التالي السابق


الخدمات العلمية